لم يمر زمن طويل عندما قررت الصين أن تتجه نحو إفريقيا، فلم ننس بعد العناوين الرئيسية للصحف التي تتحدث عن فوز الصين في القارة السمراء من خلال التنمية، ودور الصين في مساعدة القارة الذي تجاوز مرحلة ماضيها الاستعماري من خلال النمو الاقتصادي والاستثمار، وفي كل عام يرتفع التبادل التجاري وتتوطد العلاقات بينهما، لتصل إلى مستويات قياسية جديدة، وتكتب تاريخا جديدا لسياسة الصين الخارجية، الأمر الذي يؤرق الولاياتالمتحدةالأمريكية. وقالت صحيفة هفنجتون بوست، إن الأمور اليوم أصبحت مختلفة، وتراجعت العلاقة، خاصة في تصدير السلع والنفط الذي زادت ضريبته، ما أثار مخاوف من أزمة ديون جديدة ووخيمة، كما تتباطئ التجارة الصينية والاستثمار في إفريقيا؛ بعدما بدأت الصين في التركيز على العلاقات السياسية والعسكرية مع دول القارة، وبدأت تتكشف سياسة جديدة كانت تنفيها في البداية؛ بأن علاقتها مع إفريقيا خالية من التدخل العسكري كالدول الغربية، وأن علاقتها مع القارة للمنفعة والتبادل اقتصادي فقط. على أرض الواقع، تواجه الصين تحديات كبيرة بعدة دول في القارة السمراء؛ فكان المدنيون الصينيون ضحايا للإرهاب في هذه المناطق، فتدخلت الصين ضمن قوات حفظ السلام لدرء الصراعات العنيفة التي تجتاح بعض المناطق الإفريقية، ما جعل الصينيين أقل شعبية في القارة. وتراقب الولاياتالمتحدةالأمريكية عن كثب مجرى العلاقات الصينية الإفريقية، ما اتضح في لدى الباحث الأمريكي في الشؤون العالمية ومنطقة الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا، كينغر كوليدج، الذي وصف في بحث له مرحلة العلاقات الحالية بين الصين وإفريقيا ب«انتهاء شهر العسل» بين الجانبين وبداية جديدة لمرحلة مختلفة من العلاقات ستبعد فيها قليلاً الصين عن الهيمنة داخل القارة، بعدما خلق الوجود الصيني جرس إنذار لدى العالم الذي انتبه لمكاسب الصين عندما اهتمت بالقارة الإفريقية، وتواجه اليوم منافسة شرسة مع العديد من الدول، أولهم الهند وفرنسا وإيران وتركيا والولاياتالمتحدةالأمريكية، التي هددها النفوذ الصيني داخل القارة وقوض أهدافها في الدول المهمة للاستراتيجية الأمريكية. وفي الوقت الذي تروج فيه الأبحاث الأمريكية لفكرة تراجع العلاقات بين الصين وإفريقيا، نجد العديد من القادة الأفارقة يفكرون بطريقة مختلفة، فوزير الخارجية الجيبوتي، محمود علي يوسف، يرى أن الاستثمار الصيني جاء ليملأ فراغ الدول العربية في السابق التي لم تعد تهتم بالأسواق الإفريقية لأسباب مختلفة، وأن الصين دخلت من باب الشراكة، أما الدول الأوروبية والغربية عموما، تحاول استغلال الموارد الطبيعية للدول الإفريقية دون أن تولي الاستثمار الاجتماعي أي اهتمام. وردا على اتهامات الولاياتالمتحدة للصين بأن أهدافها العسكرية والسياسية في القارة بدأت تتكشف، ردت الصين بأن موقفها المتمثل في عدم التدخل في شؤون الغير لا يمكن أن يعني عدم الانخراط والمشاركة، بل يجلب الانخراط والمشاركة في بيئة خارجية، وكشأن أي ممثل خارجي كان لابد للمسؤولين الصينيين مواكبة الأحداث الجارية ومراقبتها وتفسيرها والتجاوب معها، على سبيل المثال كان التصويت على انفصال جنوب السودان مناسبة تطلبت التجاوب بالقدر اللازم من المرونة، كما أن التغييرات في نظام الحكم بالسودان سوف تفضي أيضا إلى فرض تحديات على أي ممثل خارجي بما فيها الصين، ولخصت الصين سياستها تجاه القارة بأنها كلما ارتفعت معدلات الاستثمار للشركات الصينية وعدد المواطنين الصينيين الذين يعيشون في إفريقيا كلما اتسع نطاق النشاط الدبلوماسي الصيني.