يمتلىء التاريخ المصري بالعديد من الشخصيات التي أسهمت في رقي أمتها وبناء حضارتها التي نتفاخر بها الآن، وتحمل صفحات التاريخ المصري بين طياتها أشخاصًا قدموا العون ليس لأمتهم فقط وإنما للأمم الأخرى وأسهموا في انتشالها من الجهل والتخلف إلى العلم والتطور، لكنهم، ومع الأسف، مهضوم حقهم تاريحيًا ولم يلقوا الاهتمام الكافي. إحدى هذه الشخصيات هي الممرضة المصرية "فيرينا" ابنة مدينة قوص بقنا في صعيد مصر، التي حفرت اسمها بحروف من نور في التاريخ وأسهمت في تقدم سويسرا والأخذ بيد شعبها ونقله من الهمجية إلى التحضر، فاعترفوا بفضلها وحولوها إلى قديسة يتباركون بها في حياتهم. في القرن الثالث الميلادي، في الفترة مابين "286- 305" طلب الإمبراطور ماكسيمان كتيبة مصرية لرعاية جرحى الحروب فتوجهت له كتيبة "طيبة المصرية" بقيادة القائد موريس، مكونة من 6600 جندي واصطحبت معها وفدا طبيا مكونا من الممرضات. كانت "فيرينا" إحدى عضوات الفريق الطبي، ووصلت الكتيبة إلى مكان يقع حاليًا عند الحدود الفرنسية مع بلجيكاوسويسرا، بعد وصولهم حاول الإبراطور ماكسيمان إرغامهم على عبادة الأوثان فرفضوا فقتلهم وسرح الممرضات اللاتي لم يجدن أمامهن إلا كهفا صغيرا بجبال مدينة تسورتساخ السويسرية للبعد عن بطش الإمبراطور. هذا الكهف كان نقطة انطلاق فيرينا، فقد اكتشفت أن سكان سويسرا يعيشون حالة من الجهل والتخلف في كل مناحي الحياة، من نظافة وصحة وزواج، فما كان منها إلا أن علمتهم كيفية الاستحمام والنظافة الجسدية واستخدمت معهم "الفلاية" في تمشيط الشعر للقضاء على حشراته، لذلك أطلقوا عليها لقب "صاحبة الفلاية الفرعونية". علمت فيرينا الفتيات العفة والحفاظ على عذريتهن، فضلًا عن استخدامها الأعشاب في عمل العقاقير التي تشفي الأمراض المختلفة، ولعبت دورًا هامًا في علاج مرض الجزام، الغريب في الأمر أنها لم تجن المال من عملها في مهنة التمريض، وإنما اكتفت باكتسابه من مهنة الحياكة والتطريز التي برعت فيها فتعلمت لغة أهل البلاد وكانت تبيع ما تنتجه من ملابس وتشتري الطعام لها ولمن معها من الممرضات. بقيت فيرينا على هذه الحالة فترة من الزمن حتى توفيت في الأول من سبتمبر عام 644 عن عمر ناهز 64 عامًا، فبنى السويسريون لها كنيسة في مكان وفاتها، وعرفانًا بجميلها نحتوا لها تمثالًا وهي تحمل في يد "فلاية" وفي الأخرى جرة ماء، ويقع التمثال حاليًا في منتصف الجسر المقام بين سويسرا وألمانيا على نهر الراين، وتحتفل سويسرا سنويًا بذكرى وفاتها في يوم عطلة رسمية بالبلاد، تقديرًا للدور الذي لعبته في حياتهم. لم يخطر ببال ابنة صعيد مصر أن تكون سببا في هذا التحول الكبير في حياة شعب بأكمله، ورغم اعتراف سويسرا بما قدمته لهم فيرنا المصرية، فإننا في مصر لا نكاد نعرف شيئا عنها، رغم أنها دليل دامغ على مدى التقدم الذي وصلت إليه المرأة المصرية في العصور الماضية وشاهد على فضل الحضارة المصرية على أوروبا.