تطورت علاقات العديد من الدول العربية مع الكيان الصهيوني، من تبادل الزيارات وخطابات المدح والثناء، إلى مرحلة جديدة من الدفء، فمن التنسيق والتعاون السياسي يأتي التعاون العسكري والأمني، على حساب القضية الفلسطينية. نقلت إذاعة صوت إسرائيل، أن سلاح الجو الإسرائيلي، سيشارك في التدريبات الجوية الدولية إلى جانب سلاحي الجو الباكستانيوالإماراتي والإسباني، المقررة في منتصف الشهر الجاري في قاعدة "نيليس" الجوية في ولاية نيفادا غرب الولاياتالمتحدةالأمريكية. كما أكد الناطق بلسان جيش العدو الإسرائيلي، افيخاي ادرعي، مشاركة سلاح الجو الصهيوني بالتدريبات، فيما أبرزت صحيفة هآرتس، أن طواقم تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي برفقة طائرات من طراز "F-16" وطواقم جوية وأرضية إلى جانب وفد من قوات النخبة سيشاركون في التدريبات المكثفة في الولاياتالمتحدة، التي ستستغرق أسبوعين، وسيشارك في التدريبات ما لا يقل عن أربعة بلدان بما فيها إسبانيا، كما ذكرت الصحيفة أيضًا أن الطائرات المقاتلة الباكستانية من طراز "F-16" في طريقها إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية للمشاركة في التدريبات. التدريبات الجوية الدولية المقرر إجراؤها منتصف الشهر الجاري ليست جديدة بالنسبة للولايات المتحدة، بل تأتي في إطار التدريبات السنوية "العلم الأحمر" التي تجريها الولاياتالمتحدة مع عدد من الدول الحليفة لها، والتي تشكل جزءا رئيسيا على التدريبات القتالية جو-جو في الجيش الأمريكي، ويتم فيها تقسيم البلدان المشاركة إلى فريقين، وفيها محاكاة معارك جوية لتحسين مهارات الطيران والاتصالات الدولية العسكرية بينها، ففي العام الماضي شاركت الولاياتالمتحدة وسنغافورة وإسرائيل والأردن في هذا التدريب. التدريبات العسكرية الجديدة أثارت غضب العديد من الفصائل الفلسطينية التي اعتبرت مشاركة دولة الإماراتوباكستان في المناورات استفزازًا كبيرًا لمشاعر الشعوب العربية والإسلامية وفلسطين على وجه الخصوص، وأكدت الفصائل أن التعاون العسكري أخطر مظاهر التطبيع مع العدو الإسرائيلي ودليل على انحراف بوصلة الأنظمة العربية عن القضية الفلسطينية، مشيرة إلى أن التعاون العسكري يتنافى مع الأعراف الوطنية والإسلامية ويُعطي شرعية للاحتلال باستمرار قتل أبناء الشعب الفلسطيني وتدمير مقدساته الإسلامية. ورغم أن هذا التدريب لم يكن الأول الذي تشارك فيه الولاياتالمتحدة إلى جانب إسرائيل، إلا أنه الأول الذي تشارك فيه الإماراتوباكستان إلى جانب الكيان الصهيوني، فالبلدان لا تربطهما علاقات دبلوماسية وطيدة أو رسمية مع الاحتلال الإسرائيلي، على الأقل علنيًا، لكنهما في نفس الوقت لا يعدان بلدان معاديان للاحتلال، لكن نبأ مشاركتهما جنبًا إلى جنب مع الاحتلال الصهيوني في تعاون عسكري يعد الأول من نوعه، وأثار العديد من التساؤلات حول علاقات البلدين مع الاحتلال. بالنسبة للإمارات، فإن التدريبات العسكرية تُعد أول تعاون عسكري علني بين الإمارات والاحتلال، خاصة أن العلاقات بين الطرفين بدأت في التقارب خلال الفترة الأخيرة فقط، ففي 27 نوفمبر الماضي، خطى الطرفان أول خطوة نحو ذوبان الجليد بينهما؛ من خلال الاتفاق على فتح ممثلية إسرائيلية في أبو ظبي تحت ستار دعم العلاقات مع وكالة الأممالمتحدة الدولية للطاقة المتجددة "إيرينا" التي تتخذ من الإمارات مقرًا لها، لتكون المرة الأولى التي يستقر فيها مسؤول من وزارة الخارجية الإسرائيلية في الإمارات بصفة دائمة. كما كشف موقع ويكيليكس قبل أشهر عن وثائق عدة تفيد بوجود تعاون بين أبو ظبي وتل أبيب في مجالات مختلفة، بالإضافة إلى أن المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية، دوري جولد، زار العاصمة الإماراتية أبو ظبي في نوفمبر الماضي أيضًا، في أول زيارة معلنة لمسؤول دبلوماسي على هذا المستوى للبلاد. ورغم إجراءات التقارب المذكورة، إلا أن بعض المراقبين لا يعتبرون أن العلاقات الإماراتية الصهيونية وصلت إلى مستويات التطبيع كالعديد من الدول الخليجية والعربية الأخرى، مثل السعودية والأردن، فلاتزال الإمارات لا تعترف بإسرائيل، وتدعم القضية الفلسطينية، كما أنها ليس لديها علاقات دبلوماسية أو تجارية رسمية مع إسرائيل ولا تسمح بدخول الإسرائيليين لأراضيها إلا في ظروف خاصة جدًا، كما أن العلاقات بين الطرفين تدهورت بشدة عام 2010 عندما اغتالت إسرائيل القيادي في حماس، محمود المبحوح، داخل فندق في دبي، الأمر الذي يدفع إلى القول بأن هذه التدريبات العسكرية قد تكون خطوة هامة وكبيرة على طريق التعاون بين الطرفين سياسيًا وعسكريًا. أما بالنسبة لباكستان، فعبرت في وقت سابق عن استعدادها لإضفاء الطابع الرسمي على علاقتها مع الدولة اليهودية بمجرد توقيع اتفاق سلام مع الفلسطينيين، ناهيك عن الأنباء التي ترددت عن وجود اتصالات سرية بين مسؤولين إسرائيليين وباكستانيين، بما فيها وثيقة "ويكيليكس" التي أشارت إلى أن مسؤولا رفيع المستوى في الجيش الباكستاني التقى مباشرة مع الموساد الإسرائيلي، لكن في الوقت نفسه تظل كل هذه الأنباء غير مؤكدة أو على الأقل تمت بشكل غير علني، حيث تقابلها أنباء أخرى توحي بعدم وجود أدنى قدر من العلاقات الدبلوماسية بين باكستان وإسرائيل. وذكرت تقارير سابقة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ألغى حجزًا في مطعم بنيويورك ليتجنب تناول العشاء في الوقت نفسه الذي تواجد فيه رئيس الوزراء الباكستاني، نواز شريف في هذا المطعم، كما ذكرت صحيفة إسرائيلية في يوليو الماضي، أن إسرائيل تساعد الهند سرًا على تطوير برنامجها الذري وقدراتها النووية والصاروخية، لضمان تفوقها على جارتها باكستان المسلمة. يبدو أن العلاقات الوطيدة التي باتت تربط العديد من الدول الخليجية بإسرائيل، على رأسها السعودية، التي برزت خلال الفترة الأخيرة من خلال ارتفاع مستوى الزيارات واللقاءات الرسمية وغير الرسمية وكان آخرها زيارة اللواء السعودي المتقاعد ورئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات السياسية، أنور عشقي، إلى إسرائيل، قد امتدت إلى باقي الدول العربية والإسلامية، ويبدو أيضًا أن كرة تطبيع العلاقات الإسرائيلية مع هذه الدول تكبر شيئًا فشيئا.