ما الذي ينبغي علينا فعله بعد تورط تونسي في العمل الإرهابي في نيس؟، فالسائق المسؤول عن قيادة الشاحنة محمد لحويج بوهلال، مواطن فرنسي ولد في تونس. تظهر التساؤلات مرة أخرى.. لماذا تولد تونس، تلك الدولة الصغيرة على البحر المتوسط، والتي يشاد بأنها الدولة الوحيدة التي نجح بها الربيع العربي، موجة دولية من عنف المتطرفين؟. قد لا نعرف مطلقا الدوافع الدقيقة للمهاجمين. ربما كان هناك الكثير لفعله مع ماضي المهاجم الإجرامي في نيس، أو التجنيد داخل فرنسا من قبل شبكة تونسية، ومع ذلك، لا يمكن إنكار وجود مشكلة تونسية عميقة لا يمكن تجاهلها. توجه ما يقرب من 7 آلاف تونسي للقتال مع الجماعات المتطرفة في سورياوالعراق، بما في ذلك تنظيم داعش الإرهابي، وفقا لبحث أجرته مجموعة "صوفان"، وهذا يعني أن المزيد من الشباب والشابات (بينهم 700 امرأة على الأقل) من تونس، من بين إجمالي عدد سكان يبلغ 11 مليون نسمة، وتعد هذه النسبة أكبر من أي بلد آخر، بما في ذلك المملكة العربية السعودية. عبر العديد من التونسيين إلى ليبيا، حيث تحاول داعش إنشاء قاعدة هناك، وكان المسؤولون عن هجمات متحف باردو وشاطئ مدينة سوسة في العام الماضي قد تلقوا تدريباتهم في معسكرات لداعش في مدينة صبراتة، غرب طرابلس، وعلى مقربة من الحدود التونسية، وقد منعت الحكومة التونسية نحو 15 ألف شخص من مغادرة البلاد، بهدف قطع عملية تصدير الإرهابيين. حتى قبل الحرب السورية، كانت هناك علامات تحدٍ ظهرت على العلاقات التونسية الأوروبية، حيث ذهب مقاتلون تونسيون للمشاركة في الحرب الأفغانية ضد الاتحاد السوفيتي في الثمانينات، وشكلوا منظمة خاصة بهم في أفغانستان في عام 2000. المفجران الانتحاريان اللذان قتلا أحمد شاه مسعود، المناهض لحركة طالبان، كانا تونسيين، وذكر أن أحد مؤسسي المجموعة التونسية سيف الله بن حسين، الذي يعتقد أنه شارك في عملية اغتيال اثنين من الساسة التونسيين في عام 2013، قتل في غارة جوية أمريكية في ليبيا في يونيو 2015. الشريك الآخر المؤسس، طارق معروفي، سجن وجرد من جنسيته البلجيكية في عام 2009، لدوره في قتل مسعود، وعاد بعد ذلك إلى تونس. الفرنسي من أصل تونسي الذي ساعد في تنظيم الهجوم على المجلة الفرنسية الساخرة تشارلي إيبدو، وهو بوبكر الحكيم، ولد في باريس عام 1983، حارب في العراق في عامي 2003 و2004، وسجن في فرنسا بتهمة محاولة تجنيد أوروبيين وضمهم إليه، وبعد الربيع العربي 2011، عاد إلى تونس ومنها ذهب للقتال في سوريا. لفترة، ساد اعتقاد خاطئ بأن تونس واحة للعلمانية، ففي الواقع، بدأت جذور السلفية في الظهور هناك منذ عام 2000، وتمت تغذيتها من خلال القنوات الفضائية، بالإضافة إلى الدولة الاستبدادية التي فرضت رؤيتها الرسمية وسجنت الكثيرين ثم أطلقت سراحهم بعد سقوط بن علي في عام 2011. استفاد السلفيون الراديكاليون من فراغ السلطة وعدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية على نطاق واسع، وكان هناك الكثير من التوقعات بعد الثورة التونسية بوضع حد للديكتاتورية، وإعادة كرامة التونسيين، إلا أن السنوات الخمس الماضية جلبت القليل من التغيير، وعادت النخب السياسية للصراع مرة أخرى على السلطة. العدالة الانتقالية بطيئة جدا في تونس، و نسبة البطالة زادت خاصة بين الشباب الحاصلين على شهادات عليا، بالإضافة إلى زيادة نسبة الفقر في المناطق الحضرية، رغم الوعود الثورية بالتغيير. الرئيس التونسي باجي قائد السبسي، أبدى تضامنه مع فرنسا ووصف هجوم نيس بالجبان، ولكنه وحكومته يكافحون لعلاج مجتمع مكسور، حيث لا ينبغي قياس التقدم بالانتخابات، ولكن بالإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية، وربما يكون هذا درسا لفرنسا أيضا. ديلي تيليجراف