كانت تركيا بلدا مستقرة حتى بعد ظهر يوم الجمعة الماضي، وكانت بمثابة منطقة عازلة بين أوروبا والشرق الأوسط المنهار وشريكة للولايات المتحدة، لكنها مثل أوروبا، عانت من هجمات إرهابية مأساوية. كل هذا تغير مع محاولة الانقلاب العسكري مساء يوم الجمعة، الذي فشل بعد ساعات قليلة، فنتائج التحرك العسكري وتداعياته لا تزال غير واضحة حتى الآن، ولم تعد تركيا بمثابة منطقة عازلة ضد العنف، حيث أصبحت هي نفسها قربانا في المذبح الخاص بها. محاولة الانقلاب التركي، رغم عدم نجاحها، جعلت أيضا تركيا كملاذ "آمن" للاجئين السوريين موضع شك، وزعزعت اتفاق الاتحاد الأوروبي المشتبه به بالفعل الذي يقدم المال لتركيا في مقابل الإبقاء على مئات الآلاف من اللاجئين. في الوقت نفسه، دخول تركيا إلى ما يحتمل أن يكون مطاردة الحكومة ل"الانقلابيين" وإجراءات انتقامية عنيفة واسعة النطاق، يعني مزيدا من الغضب ومزيدا من الاستقطاب. جماعات مثل داعش ستستفيد من هذا الاستياء لتجنيد المزيد من المقاتلين داخل تركيا، ومن هناك، سيكونون قادرين على الدخول إلى أوروبا، تماما مثل الإرهابين في السنوات الماضية الذين انتقلوا عبر تركيا في طريقهم إلى سوريا، في حين غضت الحكومة التركية النظر عنهم، تطبيقا للمثل "عدو عدوي صديقي"، فداعش وباقي المنظمات الأخرى كانوا يقاتلون المسلحين الأكراد، أكبر شبح تطارده تركيا، والذي أعماها عن جميع الأخطار الأخرى. محاولة انقلاب يوم الجمعة من المرجح سيستخدمها الرئيس رجب طيب أردوغان كذريعة لسحق بقسوة دائرة المعارضة النحيلة المتبقية، وقصم ظهر المؤسسة العسكرية مرة واحدة إلى الأبد، واعتقال – أو ما هو أسوأ – جميع أنواع وأشكال "الخونة" سواء الحقيقيين أو الوهميين. ذكر بيان مدبري الانقلاب أنهم تدخلوا لأن الرئيس والحكومة خلقوا الاستبداد الذي عطل النظام القانوني في البلاد، وهذا صحيح حتى الآن؛ فعلى مدى السنوات الخمس الماضية، عطل الحزب الحاكم في تركيا بشكل منهجي استقلال مؤسسات الدولة، وسائل الإعلام، التعليم، المجتمع المدني، ومؤخرا اثنين من أعلى المحاكم في البلاد، باختصار، كان حزب العدالة والتنمية الحاكم يقوم بتفكيك جدران الديمقراطية التركية لبنة تلو الأخرى. وهذه ليست المرة الأولى التي تواجه فيها تركيا محاولة انقلاب عسكري، البلاد لديها تاريخ من الانقلابات التي تدخل فيها الجيش وأسقط حكومات كان يعتقد أنها استبدادية وغير كفء أو دينية في محاولة للضغط على زر إعادة ضبط الديمقراطية. منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام 2004، حاول تكميم أفواه المؤسسة العسكرية وتقليم أظافرها من خلال سلسلة من الدعاوى القضائية سجنت المئات من الضباط، بينهم جنرالات، في عام 2011، استقال كبار القادة العسكريين في تركيا، معللين أن معنويات جنودهم تم إحباطها ولم يعد يتمكن القادة من أداء وظائفهم باستقلالية. الجيش لا يزال واحدا من أكثر المؤسسات الموثوق بها في البلاد، لكنه ليس نفس الجيش ولا نفس المواطنين كما حدث في الماضي، ففي الانقلابات السابقة، كان يتم إرهاب السكان للقبول بالأحكام العرفية، ومؤسسات الدولة، سواء يتم إتلافها أو إغلاقها بموجب الأحكام العرفية، تظل على حالها إلى أن يعاد تشغيلها في الانتخابات المقبلة، لكن هذه المرة، استجاب الآلاف من أنصار أردوغان لدعوته بالنزول إلى الشوارع، ألقوا أنفسهم أمام الدبابات ودعت المآذن للجهاد. مأساة يوم الجمعة هي بشكل كبير بسبب ما جنته الحكومة التركية بنفسها، حيث كانت على استعداد للمتاجرة بديمقراطية فاعلة من أجل سلطة ديكتاتورية، ومن المفارقات، أنه سيتم استخدام محاولة الانقلاب الفاشلة هذه لتحقيق ذلك الهدف. سي إن إن