تتجدد المشاجرات بين المسلمين والمسيحيين في محافظة المنيا، بين الحين والآخر، وفي كل مرة تجلس العمائم البيضاء والسوداء، برعاية أمنية، على مائدة قانون عرفي بديلًا عن قانون الدولة، لتظل دائرة الاحتقان متسعة برعاية المسؤولين. الأحداث الطائفية الأخيرة في المنيا كشفت تمسك الدولة بالجلسات العرفية، رغم رفض الطرف المسيحي والشارع المنياوي، ومع كل أزمة تؤكد الدولة على إعمال القانون وسيادته، لكن الحكومة لم تطور إجراءاتها وطرق إدارتها للأزمات، لتواكب تطور الزمن وقيمة وخطورة الحدث. حالة الرفض للإجراءات والحلول التقليدية عكست تطور المكون الثقافي لدى الشارع المنياوي إزاء التعامل مع هذه الأحداث، بعد فشل الحلول التقليدية في غلق دائرة الاحتقان والشجار وضمانًا لمعاقبة المتسببين والمتجاوزين، حتى تصل الحقوق لأصحابها. ورغم أن المنيا أكثر المحافظات المصدرة للأحداث الطائفية على الساحة الإعلامية والرأي العام، تأتي تحركات المسؤولين بطيئة، وتخرج عنهم تصريحات متضاربة، وإجراءات تقليدية لا تتمكن من احتواء المشاجرات منذ بدايتها حتى انتهاء حالة التوتر، ما اتضح من أحداث قريتي الكرم وكوم اللوفي، إذ رفض الأهالي جهود الوساطة وإجراءات الحكومة. في قرية كوم اللوفي، كشفت الأحداث عن تعطيل القانون من قبل الطرفين، فالمسلمون أقدموا على حرق 4 منازل للمسيحيين عقب تجمهر 300 شخص منهم محتجين على تحويل منزل لكنيسة، كما بادروا بإلقاء الحجارة على قوات الأمن وقت حضورها، في حين اعتزم المسيحيون تحويل المنزل لكنيسة دون ترخيص. وقرر طارق نصر، محافظ المنيا، كعادته في كل واقعة مماثلة، صرف مبالغ تعويضية لأسر المضارين من المسيحيين، كما أقدم أعضاء بيت العائلة على جمع تبرعات لتلك الأسر، وكذا حث الأهالى على التسامح والمحبة والتعايش فى سلام، كما طالب بيان مطرانية سمالوط الدولة بتعويض المضارين. ورفضت الأسر المسيحية المضارة، وهم أيوب خلف وأشقاؤه، قبول أية تعويضات مالية، ورفضوا الجلسات العرفية، مطالبين بإعمال القانون بحسم، واتخذ الموقف عينه مسيحيو قرية الكرم بأبو قرقاص، عندما رفض أهالي السيدة التي قيل إنها تعرض للتعرية قبول أية تبرعات لإعادة إعمار منازلهم. وقال الأنبا بفنوتيوس، مطران سمالوط للأقباط الأرثوذكس، إنه يرفض الحلول العرفية، ويطالب بتطبيق القانون على الطرفين في أحداث كوم اللوفي، كما طالب بالموافقة على تصريح بناء الكنيسة المقدم منذ عشر سنوات في أرض تابعة للمطرانية، حيث يذهب المسيحيون للصلاة في كنيسة تبعد عن القرية بثماني كيلو مترات. وحول أحداث الكرم، قال الأنبا مكاريوس، أسقف عام المنيا وأبو قرقاص، إنه يرفض وجود بيت العائلة وجهود الوساطة قبل تطبيق القانون. في الوقت نفسه، لم تحدد أجهزة الأمن في الحادثين الجاني الحقيقي والمتسبب الرئيس، حتى أن النيابة أخلت سبيل المقبوض عليهم لعدم ثبوت إدانتهم، وبالتالي قصر دور الأمن على التواجد المكثف وتطويق مواقع الأحداث وفرض كردون أمني. وقال خالد الحسين، مقرر ائتلاف شباب من أجل الوطن بالمنيا، إن الظلم المجتمعي والجهل وعدم تطبيق قيم العدل والمساواة، مؤديات الطائفية والنزعات العصبية بشكل عام، وتعدد الوقائع في مختلف محافظات الصعيد، بخاصة المنيا تعكس تدني مستويات القيم المدنية التي تحول دون وقوع تلك الأحداث. ويرى الحسين أن الدولة تعد الطرف الأساس في المسؤولية، وعليها أن تولى اهتماما بالتعليم لإعداد أجيال تؤمن بالقيم المدنية والمواطنة ودولة القانون، وعليها أن تطبق صحيح القانون دون تمييز على أساس مذهبي أو ديني أو طبقي. وأضاف مقرر ائتلاف شباب من أجل الوطن، أن التناول والتعاطي الإعلامي لمثل هذه المشكلات يأتي في المرتبة الثانية من حيث المسؤولية، يليه دور المؤسسات الدينية، التي تعد المسؤول عن تشكيل الوعي الذي يضمن تحقيق المساوة والقضاء على السادية باسم الدين وتعميق أسس المواطنة والحقوق والحريات لإقامة وتحقيق السلام المجتمعي. وقدم الحسين مقترحًا مفاده تطبيق القانون أولًا، ومن ثم عقد الجلسات العرفية للتصالح حال موافقة الأطراف كافة، وكذا عقد ندوات تثقيفية للأهالي في القري حول قبول الآخر وكيفية التعامل معه، لتكون بمثابة خطوات استباقية وإجراءات احترازية. وأوضحت ماريا نعيم، رئيس جمعية أيادينا للتنمية ومقرر المجلس القومي للمرأة بالمنيا سابقا، أن المشكلات الطائفية معظمها تبدأ بشائعات وحوادث عابرة، وتتركز جميعها في القرى لتدني المستوي التعليمي والثقافي والاقتصادي، وتنتهي بالقتل والحرق والتهجير والخراب. وترى نعيم ضرورة تطبيق القانون والعدالة الناجزة والتعامل مع الشائعات في مهدها، وكذا تفعيل دور القيادات الشعبية في القرى كالعمد والمشايخ الحلول المثلى للقضاء على الطائفية، مستبعدة جدوى التوعية والتثقيف وسط الحرق والقتل، وكذا الجلسات العرفية فجميعها مسكنات لا أكثر. وأضافت أن معظم الأحداث الطائفية يكون السبب فيها إما الشروع في بناء كنائس أو إقائمة الشعائر الدينية في منازل غير مخصصة أو تحويل منزل لكنيسة، وقد تكون تلك الإجراءات شائعات يطلقها بعض المغرضين، وعلى الدولة أن تسهل عملية استصدار تراخيص بناء الكنائس. وقدم محمد عبد الظاهر، الأستاذ بجامعة الأزهر، بحثًا حول آليات القضاء على المشكلات الطائفية تضمن إنهاء المشكلات في مهدها عن طريق تطبيق القانون الجنائي، وتبني خطب الجمعة ودروس الأحد التحدث حول سماحة الإسلام والمسيحية، وكذا تفعيل مادة التربية الوطنية في المدارس، ووضع دروس عليمية عن الأدوار التاريخية المشركة بين قطبي الأمة، مع معالجة الدور الإعلامي في تناول تلك الأحداث.