النجار: مصطفى ست مريم مؤسس فكرة الذئاب المنفردة أديب: فكرتها تقوم على استنزاف الخصم وتنفيذ عمليات بشكل منفصل بعد أن تعرض تنظيم داعش الإرهابي لسلسلة إخفاقات متكررة في كل من سوريا والعراق، حيث تم تحرير الفلوجة والرمادي اللتين كان التنظيم يسيطر عليهما بالعراق، كما حقق الجيش العربي السوري انتصارات عديدة على التنظيم الذي بدأ ينكمش في الرقة وحلب، وفقد الكثير من الأراضي التي كان يسيطر عليها في الفترة الماضية، استوحى داعش فكرة الذئاب المنفردة من تنظيم القاعدة، والتي كانت تتركز في نقل أفكار التنظيم إلى خارج حدود الدول التي يتواجد بها؛ لنشر العديد من العمليات الإرهابية في معظم دول العالم. وهو ما حدث في عدة دول، منها فرنسا وأمريكا وألمانيا، وآخرها السعودية، ففي ولاية تكساس فجر انتحاري نفسه في نادٍ للمثليين، وخلف وراءه ما يزيد على 120 قتيلًا. وهذه مهمة الذئاب المنفردة، حيث يقوم شخص مقتنع بأفكار التنظيم بتفجير نفسه وسط أي تجمع للمواطنين؛ ليقتل المئات دون مشاركة من التنظيم له، وبهذا ينشر التنظيم إرهابه دون عناء أو سفر لأي دولة. هشام النجار، الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، أرجع المرجعية الحركية للذئاب المنفردة إلى أبو مصعب السوري المعروف ب "مصطفى ست مريم" المُنظِّر الأهم لتنظيم القاعدة حركيًّا، إلى جانب منظرها الفقهي والفكري سيد إمام. وأضاف النجار في تصريح ل "البديل" أن مصطفى ست مريم صاحب فكرة لا مركزية التنظيم، وتحويلها لفكرة ملهمة يقوم بتفعيلها على الأرض كل من يؤمن بها، ويتبناها دون ارتباط تنظيمي أو تكليف من قائد مركزي، وكانت تتغذى في الأساس بعد الحرب الأفغانية من العائدين من هذه الحرب ومن الحدود الباكستانية الأفغانية. وأوضح النجار أن الفكرة الموجودة اليوم تتغذى من العائدين من الحرب السورية ومن الحدود التركية السورية، سواء إلى قلب أوروبا أو إلى المنطقة العربية، ومنهم من ينتمي فكريًّا للقاعدة، ومنهم من ينتمي لداعش ويتبنى أفكاره. وأكد النجار أن داعش تنظيم ثأري دموي، لا يملك استراتيجية أو رؤية متكاملة، سواء على المستوى السياسي أو الجيواستراتيجي أو الحضاري. وأبسط دليل على ذلك أنه عندما أعلن عن تحوله من تنظيم إلى "دولة" – بحسب زعمه – لم يستطع التحول لطور الدولة بمفهومها الحضاري وفق التصور الإسلامي والعصري معًا، وهي دولة العقد الاجتماعي التي ترعى التنوع والتعددية والتداول وإستقلال السلطات ومراقبة السلطة التنفيذية والشورى والحريات والمواطنة… الخ. ويعتبر تعاطي داعش مع الواقع كتنظيم دموي أحادي شمولي مُعادٍ للتنوع والتعددية والشورى أحد أهم أسباب نبذه سياسيًّا وعدم قبوله في إطار التسويات الجاري التوافق عليها. ولفت النجار إلى أن داعش مجرد أداة في يد أطراف أخرى، سواء أنظمة تسعى للبقاء بحجة محاربة الإرهاب، فتعطي داعش من الدعم والحرية في الانتشار؛ ليكون هذا فزاعة للمواطنين أو للخارج عن طريق هذه الذئاب المنفردة، أو فى يد الغرب والولايات المتحدةالأمريكية في إطار بحثها عن أدوات تتمكن من خلالها من الهيمنة على المنطقة وإضعاف دولها ومؤسساتها العسكرية والمدنية، وتوظيف داعش في الصراع الطائفي، وصولاً لترسيخ واقع مذهبي متصارع ومفتت ومتشرذم حول إسرائيل. وتابع النجار أن داعش يعيش حالة من الوهم الطفولي، وصنع كذبة حمل مشروع "الخلافة"، وصدقه أعضاؤه، وهو أول أسباب فشله، من خلال إعلان العداء والصراع مع الجميع، سواء تنظيمات أخرى يدعوها بالقوة لمبايعة زعيم التنظيم، مثل تنظيم القاعدة، أو دول يسعى لتحويلها لإمارات تابعة للخليفة المزعوم في بغداد، وهو مشروع وهمي مستحيل التحقق ومدمر لحامله، ولا يخدم مرحليًّا إلا الغرب ومشروع الشرق الأوسط الجديد، بإشعال الصراع الأيدلوجي والمذهبي في العالم الإسلامى والمنطقة العربية. وأكد أن مواقف وتحركات داعش عن طريق هذه الذئاب ما زالت مجرد ردود أفعال انفعالية وثأرية، أو تحرك لهدف مرحلي بعينه من قوى إقليمية ودولية تملك هي الاستراتيجية والرؤية الشاملة والاستشرافية للأحداث. مشيرًا إلى أن داعش عند هذا الحد قام بدوره تقريبًا في الشرق الأوسط، مضيفًا "ويبدو أن العالم لن يسكت حيال نفوذ وتوسع جديد لتلك التنظيمات في ليبيا واليمن أو على شاطئ المتوسط"؛ ولذلك يسعى الجميع الآن للتخلص منه، حتى داعموه السابقون، وهو ما يحعله يثأر لنفسه، ويبحث عن بدائل ومراكز ثقل جديدة وملاذات لنشاطه فى مراكز بعيدة، خاصة فى آسيا وإفريقيا، تحت عنوانين: الأول توفير الدعم المادي بعد تأثر اقتصاد التنظيم في الشرق الأوسط وتخفيف الضغوط على التنظيم في مناطق نفوذه في سوريا والعراق، والثاني: منافسة تنظيم القاعدة وعدم ترك الفرصة له؛ ليحرز مكاسب على حساب انهيار مشروع الخلافة الوهمي الذي أطلقه داعش.. فداعش يعلن عن نفسه كقاعدة جديدة منتشرة في العالم كله، ويتخلى شيئًا فشيئًا عن حلم الاستيلاء على أرض واسعة؛ لإقامة مشروعه الوهمي عليها، بعد فشله في حماية هذا المشروع حضاريًّا وسياسيًّا ودبلوماسيًّا وأخيرًا عسكريًّا. واتفق معه في الرأي منير أديب، الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، قائلًا إن الذئاب المنفردة أسلوب لجأ إليه التنظيم بعد خسائره الجسيمة، والأساس الذي تعتمد عليه هذه الذئاب هو استنزاف الخصم، بتنفيذ عمليات عسكرية بشكل منفرد؛ لتحقيق أكبر قدرٍ من الخسائر أمام الأجهزة الأمنية التي تجد صعوبة في التعامل الأمني مع الأفراد المسلحين بشكل منفرد، إذ يغيب عنها قاعدة المعلومات والبيانات، فإذا نجحت في القبض على أحدهم، لا تستطيع القبض على آخرين؛ بسبب عدم وجود رابط بين هذه المجموعات أو الأفراد، ودائمًا ما يكون التواصل بين هذه المجموعات من خلال شبكة الإنترنت، حيث تغيب عنها الرقابة الإلكترونية التي تتيح لأجهزة الأمن القدرة على الوصول للجرائم الإلكترونية بسهولة شديدة. وكشف أديب أن الذئاب المنفردة هي الجيل الجديد لتنظيم القاعدة، ورغم الاختلاف في الأسماء، إلا أن هناك اتفاقًا مع القاعدة في المضمون. فهؤلاء الشباب تربوا على أفكار القاعدة في بلدانهم، ولكنهم لم يتمكنوا من أن يرتموا في حضن التنظيم، فكان البديل الاستفادة من قدرتهم على تنفيذ العمليات، ولكن بطريقه منفردة ترهق أجهزة الأمن، وتحقق آلامًا موجعة في تفاصيل جسد الدولة والأمن معًا. واستفادت الذئاب المنفردة من وضع التنظيمات الجهادية التي تسقط بحكم الشبكة التنظيمية؛ ولذلك كانت فكرتها حول العمل التنظيم من خلال شخص واحد.