رأت كل التنظيمات التي اتخذت الجهاد المسلح سبيلاً وحيداً لتحقيق أهدافها، ومنها «القاعدة»، و«الجهاد الإسلامي»، أن ثورات الربيع العربي ستؤدي إلى مجابهة بين الإسلاميين والعلمانيين، وتسقط أجهزة أمن واستخبارات، وبالتالي ستضعف الدولة المركزية، فيعطيها ذلك فرصة حقيقية للتجمع والتوسع، وإيجاد نسخ جديدة من المجموعات المسلحة، تقفز على الجغرافيا، وتمتلك الجرأة الاستراتيجية، لتقوم بعملية نكاية وإنهاك للدول المرشحة، عبر مجموعات شريكة أو متحالفة، كأنصار بيت المقدس وأنصار الشريعة، أو عبر ما يسمى «الذئاب المتوحدة»، وهو ما حدث فى اليمن ومصر وليبيا، حتى يصلوا للمرحلة الأخيرة وهي «التمكين».
ووضع فيلسوف تنظيم «القاعدة»، أبو مصعب مصطفى ست مريم نقلا عن الحياة اللندنية، استراتيجية ضمَّنها في كتابه «دعوة المقاومة الإسلامية» ضمت حديثه عن الجهاد الفردي «الذئاب المتوحدة»، والخلايا الصغيرة، والتنظيمات (القُطرية - السرية- الهرمية) والجهاد في الجبهات المفتوحة، وهي التي وجدت في المنطقة كلها منذ التسعينات، وعلى سبيل المثال في مصر: جماعة «جند الله» التي تأسست في محافظة الإسكندرية، والغربية، والبحيرة، على يد المهندس عزت النجار، كما ظهر تنظيم «المطرية»، و«تنظيم بورسعيد»، و«تنظيم الجيزة»، الذي أسسه محمد عبد الدايم، وتنظيم «الجيش الإسلامي»، الذي تزعمه أحمد نبوي، و«تنظيم الأزهر»، الذي تزعمه طارق أحمد السيد، و»تنظيم الإسكندرية» الذي كان من أخطر التنظيمات الصغيرة، و«تنظيم العمرانية»، و«مجموعة الشوبك» في الجيزة، وتنظيم دهب وشرم الشيخ.
من المهم الإشارة إلى أن معظم هذه التنظيمات، أفرج عنها عقب ثورة 25 يناير، وبعض أفرادها، تركوا تنظيماتهم وانشقوا عنها، وآخرون في حال كمون. ورأى الجهاديون المسلحون الجدد أن الاستراتيجية الجديدة يجب أن تتضمن جهاد الإرهاب الفردي، والخلايا الصغيرة، وأن ساحات العمل الأساسية ستكون أقسام الشرطة، والأهداف الاقتصادية. هذا ما كتبه أحدهم بعد الثورة المصرية، في كتاب تحت عنوان «مصر والطريق إلى أمة الخلافة»، أكد محتواه ضرورة استهداف جنود الجيش وتفكيك المؤسسة العسكرية، في طريق الوصول إلى التمكين داخل المجتمع. وقال الكتاب، إن الجيش وحلفاءه من أجهزة أمنية وفلول نظام مبارك، من يملكون أهم مفاصل الدولة، والإخوان وحلفاءهم من جماعة إسلامية و«حازمين»؛ نسبة إلى حازم أبو إسماعيل، و«قطبيين»؛ نسبة إلى سيد قطب، وسلفيين (غير السكندريين)، هم القادرون على مواجهتهم، وإنه يجب أن يكون هدفنا نحن تفكيك هذه المنظومة من أصلها، وإضعاف الجيش يكون بإشغاله الدائم، وباستهداف قياداته الفاعلة، وباستهداف اقتصاده، ولا مانع أن نستغل موقف عوام الإسلاميين من الجيش، بخاصة في أوقات الاختلاف الواضح بينه وبين حلف الإخوان، لكن نعمل «لخدمة مشروعنا التفكيكي، لا لخدمة مشروع الإخوان الترقيعي». بناءً عليه اعتبر الجهاديون المسلحون الجدد أن بؤر العمل المسلح، لا بد أن ينظر إليها من خلال طبيعة الشعب، والحركة، وطبيعة الأرض، وبعدها يأتي الدعم المادي، وأن جيل القاعدة هو الذي سيصل إلى الخلافة، وهو جيل يصاغ في أجواء الحركة والجهاد. وظهرت خلايا مسلحة إقليمية لها تواصل مع مثيلاتها في أكثر من دولة، وهي أكثر تجانساً من الناحية الفكرية، ففي التسعينات كان الجهاديون يفكرون محلياً وينفذون محلياً بينما الكثير منهم الآن يتحدثون عالمياً وينفذون محلياً. هذا ما أراده الظواهري، الذي استهدف إيجاد نسخ بديلة من القاعدة، واحتفاظ كل بلد بنسخته الخاصة، فظهر لاعبون أساسيون في المنطقة، كأنصار الشريعة في اليمن وليبيا وتونس ومصر، التي قدمت بياناتها «مؤسسة البيان الإعلامية» المرتبطة بالمُنظر الجهادي أحمد عشوش الذي أصدر فتوى تدعو إلى قتل أولئك المتورطين في إنتاج فيلم «براءة المسلمين»، قبل اعتقاله، كما ظهرت «داعش»، و«النصرة» في الشام، و«جند الله» في غزة، والعشرات من التنظيمات الأخرى.
على سبيل المثال في مصر ظهر «جند الإسلام، والتوحيد والجهاد، وأنصار الإسلام، والقطبيون». أما «أنصار بيت المقدس»، التي نفذت عمليتها الأولى في العام 2011، فتنتشر في محافظات شمال سيناء، وبورسعيد والسويس والإسماعيلية والقاهرة، وبني سويف، والدقهلية، والشرقية.
ثم ظهرت مجموعة حليفة وهي «أجناد مصر»، التي ظهرت من خلال بيانها الأول ضمن حملة «القصاص الحياة»، يوم 24 كانون الثاني (يناير) الماضي. واتضح من خلال بيانات تلك الجماعات أنها تدعي الانتساب إلى «القاعدة»، وأنها تتبنى أفكار سيد قطب، إذ تُقسِّم الدول إلى دار حرب ودار إسلام، وتعتنق المفاهيم النظرية في كتاب جاهلية القرن العشرين، والحاكمية، والطاغوت والولاء والبراء، والجهاد، والتأويلات والمضامين التكفيرية، التي تنعكس على الأحكام الشرعية ومبررات الأيديولوجيا الجهادية ومسوّغاتها المختلفة، وما ينبثق منها من استراتيجيات وعمليات مسلحة وتفجيرية.
الأخطر من ذلك خلايا الإرهاب الفردي التي يطلق عليها «الذئاب المتوحدة»، والمقصود بها، المجموعات التي ليست لها رأس، ولا تخضع إلى قيادة محددة، بل تعتمد على نفسها، وأفكارها التي تلقتها غالباً عبر الفضاء الرقمي، وكان أكبر الأسباب في ظهورها، غياب المرجعية، وتأويلات منظريها الصغار، وتصدير الإخوان بعد 30 يونيو لهم خطاباً يؤكد أن هناك انقلاباً على الإسلام. وتقوم عمليات الذئب المنفردة المتوحدة على الاعتماد على أفراد غير معروفين أمنياً، وعلى مبدأ التمويل الذاتي والاستعانة بالمواد التي تدخل في صناعة المتفجرات والتي يمكن الحصول عليها في الأسواق من دون ان تجلب الانتباه والمراقبة.