شهد الأسبوع الماضي العديد من المتغيرات على الساحة الدولية، والتي ارتبطت بشكل كبير بالسياسة الخارجية المصرية، بدءًا من عودة العلاقات التركية مع الكيان الصهيوني وروسيا وتلويح أنقرة بالرغبة في المصالحة مع مصر، مرورًا بزيارة وزير الخارجية المصري لرام الله لمقابلة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وصولًا إلى تصعيد البرلمان الإيطالي في قضية ريجيني وتبني قرار يضر بالتعاون العسكري مع مصر. تلطيف تركي مع مصر جاءت التحركات التركية الأخيرة على خط المصالحة مع الجوار بدءًا من الكيان الصهيوني فروسيا وصولًا إلى مصر مفاجئة للجميع، فبعدما شرعت حكومة أردوغان في التطبيع مع الاحتلال، وواصلت رسائلها الإيجابية مع روسيا لإعادة العلاقات بينهما بعد توترها على خلفية إسقاط تركيا طائرة روسية حربية على الحدود السورية التركية، استمرت أنقرة في هذا النهج التصالحي، وتناولت المصالحة مع مصر في تصريحات على لسان رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم الذي أكد أنه لا مانع من تطوير العلاقات الاقتصادية بين تركيا ومصر وعقد لقاءات بين مسؤولي البلدين، مشيرًا إلى أن العلاقات مع القاهرة ستبدأ على المستوى الوزاري، قائلًا "هذا قد يحدث، لا توجد عقبات، وفي الواقع نحن مستعدون، ليس لدينا أي تحفظات". وأضاف "بصورة متبادلة وزراء مصر سيأتون، ووزراؤنا سيذهبون، رجال الأعمال قد يأتون، التبادل الثقافي ممكن، وربما يتم التوصل إلى إجراء اتصالات عسكرية متبادلة، كل شيء ممكن، لا مشكلة"، مطالبًا بتنحية الخلافات جانبًا "لأنه من ناحية أخرى الحياة مستمرة. نحن نعيش في نفس المنطقة، ونحن بحاجة إلى أنفسنا". ويبدو أن هذه التصريحات التلطيفية جاءت على خلفية تغيير في سياسة تركيا لا سيما وأنها شهدت في الفترة الأخيرة نظير هذه السياسة أزمات عدة على المستوي الخارجي والداخلي، ففي الخارج أصبحت بلا أصدقاء وفي الداخل أصبحت المشاكل الأمنية مستمرة والاقتصاد في معدل الهبوط بسبب السياحة، وفي هذا الإطار سرعان ما تقبلت روسيا هذه المصالحة مع تركيا، لكن القاهرة أعربت عن عدم ارتياحها لما رأته استمرارًا للتناقض في التصريحات والمواقف التركية، والتأرجح بين إظهار الرغبة في تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية مع مصر، واستمرار عدم الاعتراف بشرعية ثورة 30 يونيو وما نتج عنها من أوضاع سياسية ومؤسسات شرعية اختارها الشعب المصري. وأكد المتحدث باسم الخارجية أحمد أبو زيد، أنه مع "ترحيبنا بكل جهد يستهدف تحسين تركيا لعلاقاتها مع مصر، إلا أنه يجب أن يكون واضحًا أن الاعتراف بشرعية إرادة الشعب المصرى ممثلة فى ثورة 30 يونيو وما نجم عنها من تولي مؤسسات شرعية مسؤولية إدارة البلاد يحتم الاعتراف بها والانخراط فى العمل معها كنقطة انطلاق لتطوير علاقة تركيا مع مصر". زيارة شكري لرام الله لم تبتعد زيارة وزير الخارجية سامح شكري لرام الله عما يحدث في المنطقة من تطورات واسعة، خاصة ما يتعلق بالمصالحة التركية الإسرائيلية التي تناولتها الصحافة العبرية بصورة واسعة، وأكدت تغييب أنقرة السلطة الفلسطينية في هذا الاتفاق في الوقت الذي أبدت فيه تركيا رغبتها في وضع «حماس» كطرف في الاتفاق، فيما كانت زيارة شكري لفلسطين بحسب التصريحات الرسمية لدعم القضية الفلسطينية والرئيس أبو مازن. حيث نقل شكري خلال الزيارة رسالة تضامن ودعم من الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى أبو مازن، وتأكيد على أن القضية الفلسطينية ستظل دائمًا على قمة أولويات السياسة الخارجية المصرية. وأكد شكري أن مصر ستواصل مساعيها لتحقيق المصالحة الفلسطينية، بما يضمن استعادة السلطة الوطنية لمركزها كسلطة شرعية وممارسة كافة مسؤولياتها. وقال: "اطلعت خلال لقائي مع الرئيس عباس على جهود المصالحة الفلسطينية، ونحن دائمًا ندعم وحدة الصف الفلسطيني والتوافق بين كافة العناصر السياسية في المجتمع الفلسطيني، بما يعزز من القدرة على التفاوض والوصول إلى النقطة التي نسعى إليها دائمًا وهي إقامة الدولة الفلسطينية". وشدد وزير الخارجية على أن إطار رفع الحصار عن قطاع غزة كان واضحًا ومعتمدًا من قبل مؤتمر القاهرة لإعادة إعمار غزة بعد العدوان الإسرائيلي الأخير، ويقضي بضرورة استعادة السلطة الوطنية لدورها وسيطرتها على معابر القطاع، واستعادة مركزها كسلطة شرعية توفر الخدمات للمواطنين في غزة كما في الضفة. البرلمان الإيطالي وفي تطور جديد لملف الشاب «ريجيني» بدأت مرحلة جديدة من التصعيد الإيطالي على المستوى العسكري ضد مصر بوقف البرلمان الإيطالي تزويد مصر بقطع غيار لطائرات (إف-16) الحربية، بهدف زيادة الضغط على القاهرة وذلك بحسب الجانب الإيطالي؛ للمساعدة على إظهار الحقيقة بسرعة أكبر. وافق 159 عضوًا على القانون، ورفضه 55، وامتنع عن التصويت 17 عضوًا بعد مناقشات طويلة وساخنة على حد وصف الصحف الإيطالية، التي أشارت إلى أن مقترح القانون النائب جيان كارلو شدد على أنه لا يريد أن يكون القانون عملًا عدائيًّا ضد الحكومة المصرية. وأعرب رئيس حزب اليمين الإيطالى، باولو رومانى، عن استيائه من قرار البرلمان، واصفًا إياه بالأسوأ «على الإطلاق»، ونقلت صحيفة «لا ريبوبليكا» الإيطالية عنه قوله «القرار يعد من أسوأ الصفحات فى تاريخ البرلمان الإيطالى.. أخجل من انتمائى لبرلمان يتخذ مثل هذه القرارات»، مضيفًا «السياسة الخارجية لبلد ما لا تُدار بهذه الطريقة العبثية». وأضاف عضو مجلس الشيوخ وزير الدفاع السابق ماريو ماورو أن قطع الغيار تم بالفعل تسليمها إلى مصر، لكن رئيس لجنة الدفاع نيكولا لاتوري أكد أن الإمدادات لم تسلم بعد، ولكنها ما زالت معبأة في ميناء تارانتو". من جانبها ردت وزارة الخارجية على ذلك مؤكدة أن مصر تابعت بعدم ارتياح القرار الصادر عن مجلس الشيوخ الإيطالي بتعليق تزويدها بقطع غيار لطائرات حربية اتصالاً بحادث مقتل الطالب الإيطالي ريجيني، وهو الأمر الذي لا يتسق مع حجم التعاون القائم بين سلطات التحقيق في البلدين منذ بداية الكشف عن الحادث، والعلاقة الخاصة التي تجمع بين البلدين على كافة المستويات.