يبدو أن الحرب الباردة التي توقع الكثيرون تصاعدها واستمرارها بين تركياوروسيا على خلفية الأزمة التي اشتعلت، بعد إسقاط أنقرة طائرة روسية عسكرية على الحدود التركية السورية في أوخر العام الماضي، ستنتهي أو تخفض حدة لهجتها في الفترة المقبلة، لاسيما مع الرغبة والإلحاح التركي على تحسين العلاقات مع الروس في رسائل متعددة تبنى فيها بعض المسؤولين الأتراك لهجة إيجابية تجاه السوفييت، لكن هذه اللهجة لا تزال غير مرضية للجانب الروسي، الذي أكد أن على تركيا اتخاذ "خطوات معينة" من أجل رأب الصدع بين البلدين. البداية جاءت عندما قال نائب رئيس الوزراء التركي نعمان كورتولموش، خلال أول اجتماع للحكومة التركية الجديدة بعد نيلها ثقة البرلمان، إن علاقة بلاده مع روسيا مهمة، ومن الممكن أن تتحسن في وقت قريب، معربًا عن قناعته بأن روسياوتركيا لا يمكنهما التضحية بالعلاقات المتبادلة، وبعد أيام عاودت أنقرة في رسالة بعثها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى بوتين بمناسبة «يوم روسيا»، أعرب فيها «عن أمله في أن تعود العلاقات بين موسكووأنقرة إلى طبيعتها، وترتقي إلى المستوى اللائق، قائلًا: «سيادة الرئيس الموقر، نيابة عن الشعب التركي، أود في شخصكم تهنئة جميع الروس بحلول "يوم روسيا"، كما أتمنى أن تنتقل العلاقات بين روسياوتركيا في الفترة المقبلة، إلى المستوى الذي يليق بها». وأعقبت هذه الرسائل إعلان معاون الرئيس التركي أن ثمة توقعات قوية بشأن تحسن في العلاقات التركية مع روسيا، وأنه لا بد أن يكون لهذا أثره الإيجابي على الاقتصاد والسياحة في تركيا. وردًّا على هذه الرسائل الإيجابية أكدت روسيا رغبتها في استعادة العلاقات الجيدة مع تركيا مقابل أن تأخذ أنقرة خطوات لإصلاح ما أفسده إسقاطها لطائرة حربية روسية العام الماضي، قائلًا: "نحب ونرغب في تطبيع العلاقات بيننا وعودتها إلى فترة التعاون الجيد الذي كان من مصلحة الطرفين» لكن في الوقت ذاته أوضح الرئيس فلاديمير بوتين بما لا يدع مجالًا للشك أنه بعد ما حدث لن يكون في الإمكان تطبيع العلاقات قبل اتخاذ أنقرة للخطوات الضرورية»، في إشارة إلى إصرار روسيا على اعتذار تركيا ودفعها تعويضًا عن إسقاط الطائرة. وثمة من يرى من المراقبين أن الرغبة التركية في عودة العلاقات مع روسيا تأتي على خلفية عدة أسباب كانت هي الدافع الأساسي لها، بدءًا من توتر العلاقات الأوروبية التركية، وصولًا إلى صعود نفوذ الأكراد في سوريا وتهديد تركيا بتأجيج النزعة الانفصالية الداخلية لدى أكراد تركيا. توتر العلاقات التركية الأوروبية تعددت الرسائل التركية الإيجابية تجاه موسكو بعد وصول أنقرة ودول الاتحاد الأوروبي إلى طريق مسدود فيما يخص الاتفاقيات بينهما على ملف اللاجئيين وانضمام تركيا إلى الاتحاد وإعفاء المواطنين الأتراك من تأشيرة دخول دول الاتحاد فيما يعرف بالشنجن. وجاءت استقالة يورج هابر، مبعوث الاتحاد الأوروبي إلى تركيا؛ لتكون المسمار الأخير في نعش اتفاق اللاجئيين بين تركيا والاتحاد، الذي كان يحد من تدفق المهاجرين إلى أوروبا، لكن كثيرًا من الانتقادات التي وجهت للسجل المتدهور في مجالي حقوق الإنسان والحريات بتركيا أدت إلى توتر العلاقات مرة أخرى وإضعاف فرص دخول أنقرة في الاتحاد الأوروبي. وأوضح مسؤول في الاتحاد الأوروبي أن استقالة هابر ليست لأسباب شخصية، حيث صرحت الناطقة باسم المفوضية الأوروبية مايا كويانيتش أن هابر سيترك منصبه اعتبارًا من اغسطس، وكانت وزارة الخارجية التركية قد استدعت هابر في مايو؛ للاحتجاج على تعليقاته على اتفاق الهجرة. وشعر المسؤولون الأتراك بالإهانة؛ لاستخدامه مقولة ألمانية مسيئة نقلتها الصحف المحلية؛ ليصف تعثر الخطة التي تخفف قيود التأشيرة للأتراك المسافرين إلى أوروبا في إطار اتفاق هجرة أوسع نطاقًا، وناقشت تركيا والاتحاد الأوروبي الإعفاء من تأشيرة السفر منذ عام 2013، واتفقا في مارس على المضي في تنفيذ ذلك في إطار اتفاق لوقف الهجرة غير الشرعية من تركيا إلى الاتحاد الأوروبي ومعاودة مناقشة التعجيل في محادثات حصول تركيا على عضوية الاتحاد، لكن أي تقدم لم يحرز؛ نظرًا إلى إصرار الاتحاد الأوروبي على ضرورة تعديل تركيا قوانين مكافحة الإرهاب، لكن تركيا قالت إن هذا الأمر غير وارد. صعود الأكراد في سوريا والتخوف من الدعم الروسي من جانب آخر يرى مراقبون أن عزم تركيا منع قيام منطقة حكم ذاتي للأكراد في شمال سوريا يدفع أنقرة إلى الرغبة في تحسين علاقتها مع روسيا، لا سيما وأن موسكو لاعب رئيسي في الملف السوري ولها علاقات وطيده مع النظام، فضلًا عن المكاسب السياسية والعسكرية التي أحرزتها في الفترة الأخيرة على الصعيد السوري. وفي ضوء ذلك تشير تصريحات المسؤلين الأتراك في الفترة الأخيرة إلى تخفيف المساعي المطالبة برحيل الرئيس بشار الأسد حليف موسكو، حيث تخاف أنقرة من أن تعزز سيطرة "وحدات حماية الشعب" الكردية المدعومة من قبل واشنطن على أراضٍ في شمال سوريا، من تمرد "حزب العمال الكردستاني"، الهادف للحصول على استقلال في جنوبتركيا قرب الحدود السورية. من جهته قال محمد يجين، المحلل في مؤسسة "يو. إس. إيه. كيه" البحثية، لوكالة "رويترز"، إن النفوذ الكردي في سوريا لا يترك لتركيا سوى خيارين، هما استئناف محادثات السلام مع «حزب العمال الكردستاني»، وهو ما تستبعده الحكومة حاليًّا، أو الاعتماد غير المباشر على سورياوروسيا ك «حائط صد»؛ لعدم تمكين الكرد من إنشاء منطقة حكم ذاتي.