تحاول تركيا إعادة العلاقات مع روسيا بعد أن باتت أنقرة تعيش فيما يشبه عزلة دولية بعدما تدهورت علاقاتها مع أمريكا وبعض الدول الأوروبية والعربية، حيث تبنى بعض المسؤولين الأتراك خلال الفترة الأخيرة لهجة إيجابية تجاه روسيا، لكن هذه اللهجة لاتزال غير مُرضية بالنسبة لموسكو التي تطالب أنقرة باعتذار صريح عن حادث إسقاط طائرة روسية على الحدود التركية الروسية نوفمبر الماضي. محاولات تركية جديدة قال نائب رئيس الوزراء التركي والناطق باسم الحكومة، نعمان كورتولموش، خلال أول اجتماع للحكومة التركية بعد نيلها ثقة البرلمان، الاثنين، إن علاقة بلاده مع روسيا مهمة ومن الممكن أن تتحسن في وقت قريب، معربًا عن قناعته بأن روسياوتركيا لا يمكنهما التضحية بالعلاقات المتبادلة، وأعرب كورتولموش، عن اعتقاده بأنه لا توجد مشاكل لا يمكن تخطيها مع روسيا، مؤكدًا أن العلاقات ستتحسن قريبًا، وأعاد كورتولموش التذكير بتصريحات الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، قائلًا: لو أن الطيران التركي علم أنها طائرة روسية لتصرف بشكل مختلف، وأضاف أن تركيا لم تسقط الطائرة عمدًا. تصريحات نائب رئيس الوزراء التركي والناطق باسم الحكومة، جاءت بعد تصريحات متشابهه أطلقها وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، الذي اقترح إنشاء فريق عمل مشترك لتطبيع العلاقات الروسية التركية، يتولى أعضاؤه دراسة الخطوات اللازمة ويقدمون أفكارًا لهذا الغرض، وقال جاويش أوغلو: نحن نقترح إنشاء مجموعة عمل مشتركة، لمناقشة الخطوات المستقبلية للبلدين، لكن اقتراح وزير الخارجية التركي، لم يلق رضى القيادة الروسية، حيث قال المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، إن فكرة أنقرة حول تشكيل مجموعة لتطبيع العلاقات مع روسيا لن تحل المشكلة، وأن من يستطيع حل المشاكل بين البلدين هي القيادة التركية فقط. تجاوب روسي.. بشروط تزامنت المحاولات التركية التي أتخذها بعض المسؤولين الأتراك على استحياء، مع تصريحات أخرى أطلقها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وربط خلالها إعادة العلاقات بين البلدين باعتذار صريح من أنقرة، حيث أعلن بوتين أن روسيا تود استئناف العلاقات مع تركيا، وتنتظر خطوات محددة من قبل أنقرة في هذا الاتجاه، لكنها لم تبادر بتلك الخطوات، وأشار الرئيس الروسي إلى أن روسيا لا تحارب في سوريا جيوشًا نظامية، بل تقاتل مجموعات إرهابية، قائلا: بالطبع لم يخطر ببالنا أن مقاتلة تركية يمكن أن تضرب قاذفتنا المكشوفة بالنسبة للمقاتلة، لم نكن نريد محاربة تركيا، وإلا لكنا تصرفنا بشكل آخر ووسائل أخرى، آمل ألا تصل بنا الأمور إلى هذا الحد أبدًا. وأعاد بوتين إلى الأذهان أن السلطات التركية قدمت إيضاحات دون أن تقدم اعتذارا ولم تعبر عن استعدادها للتعويض، وقال الرئيس الروسي، إننا نسمع تصريحات حول الرغبة في استئناف العلاقات، نحن أيضًا نود استئناف العلاقات، لكن ليس نحن من قوضها، نحن قمنا بكل ما بوسعنا طوال عقود لنقل العلاقات الروسية التركية إلى مستوى غير مسبوق للشراكة وصداقة الشعبين الروسي والتركي وصلت بالفعل إلى مستوى عال، مضيفا أن اتصالات تجري بين الجانبين، والأتراك يعرفون موقف موسكو، لكنهم لا يقومون بالخطوات التي تنتظرها. الخطوات التركية الجديدة وبادرة حسن النية التي ظهرت في تصريحات المسؤولين الأتراك تجاه العلاقات الروسية التركية، دفعت بعض المراقبين إلى الحديث عن تغير السياسات التركية الخارجية بعد أن استقالت حكومة "أحمد داوود أوغلو"، وتولى "بن علي يلديريم"، حيث يرى المراقبين أن رئيس الوزراء الجديد، والحليف الوثيق للرئيس رجب طيب اردوغان، يسعى إلى إصلاح العلاقات مع عدد من شركاء تركيا السابقين، ومن بينهم روسيا وإسرائيل. أوراق ضغط تسعى تركيا إلى تجنبها ورغم فرض روسيا بالعديد من العقوبات على تركيا واتخاذها لهجة وخطوات تصعيدية عقب إسقاط أنقرة للمقاتلة الروسية، إلا أن بعض المراقبين يرون أن موسكو لاتزال تحمل في جعبتها بعض أوراق الضغط السياسية والاقتصادية ضد تركيا التي لم تلعب عليها بعد، وهو ما تعلمه أنقرة جيدًا وتسعى إلى تجنب الوصول إلى مرحلة اللعب على هذه الأوراق. يأتي على رأس أوراق الضغط ما هددت به روسيا سابقًا حول إيقاف عقود الشركات الروسية بشأن محطات الطاقة النووية المزمع إنشاؤها جنوب غرب تركيا، على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وهي العقود التي اسندتها الحكومة التركية لشركة روساتوم الروسية خلال عام 2013، وتتضمن بناء أربعة مفاعلات نووية بقدرة إنتاجية قدرها 1200 ميجاواط، وتقدر قيمة المشروع بعشرين مليار دولار. عسكريًا، تتخوف تركيا من تكثيف روسيا دعمها لحزب العمال الكردستاني "بي كي كي" في معركته ضد أنقرة، والذي تصنفه تركيا وحلفاؤها الغربيون على أنه منظمة إرهابية، وهو الاتهام الذي طالما وجهه الرئيس التركي إلى موسكو، فيما يدور التخوف الأكبر من أن يمتد الدعم العسكري إلى سياسي، من خلال فتح مكاتب لحزب الشعوب الديمقراطي في موسكو. في ذات الإطار، تتخوف أنقرة من تقديم روسيا أسلحة متطورة لحزب الاتحاد الديمقراطي، الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني، والذي يهدف إلى تحقيق الحلم الكردي من خلال السيطرة على ممر جرابلس- أعزاز وربط كانتون عفرين بمناطق شمال شرق سوريا، وإنشاء منطقة ذات حكم ذاتي للأكراد، وهو ما ترفضه السلطات التركية تمامًا وتعتبره تهديدًا لأمنها القومي. أما في الشأن الاقتصادي، فعلى الرغم من أن روسيا قد نجحت في استخدام هذه الورقة للإضرار بالأوضاع الاقتصادية التركية من خلال فرض عقوبات اقتصادية على أنقرة، إلا أنها لاتزال تملك إمكانية الضغط من خلال استخدام ورقة القطاع السياحي الذي تحاول أنقرة استعادة قوتها الاقتصادية من خلاله بعد أن شهدت البلاد أكبر انخفاض في معدلات السياحة الشهرية في أكثر من 17 عام، حيث انخفضت أعداد السياح بنسبة 28% لتصل إلى 1.75 مليون سائح في أبريل 2016، مقارنة بالشهر نفسه في العام الماضي، علمًا بأن الاقتصاد التركي يعتمد على السياحة والصناعات المتعلقة بالسفر بأكثر من 12% من الناتج المحلي الإجمالي، وقطاع السياحة التركي يعتمد على السياح الروس بشكل أساسي، حيث يمثلون نسبة 79%.