قبل خمس سنوات، وتحديدًا في 9 يوليو 2011، تم انفصال جمهورية جنوب السودان عن الشمال؛ لتصبح أحدث دولة مستقلة في العالم. وجاء هذا الانفصال بناء على رغبة الجنوبيين وقتها في عدم فرض الهوية العربية على كل سكان السودان، الأمر الذي كان له الأثر البالغ في السير باتجاه الانفصال. المثير للدهشة أن السبب الرئيسي لانفصال جنوب السودان عن شماله المتمثل في رفضهم التطبع بالهوية العربية لم يكن حائلًا، ولم يوقعهم في حرج، جراء مطالبتهم الأخيرة بالانضمام للجامعة الدول العربية. سعي جنوب السودان للانضمام للجامعة العربية أكد وزير الخارجية في جنوب السودان، دينق ألور، أن حكومة بلاده عازمة على حل كل القضايا العالقة مع الحكومة السودانية وطي صفحة الخلافات بين البلدين دفعة واحدة. وأضاف ألور في حوار أجراهمع صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية، ونشرته اليوم الثلاثاء، أن علاقة بلاده مع العالم العربي جيدة جدًّا، موضحًا أن العلاقة مع مصر ودول الخليج والسعودية حاليًّا في قمة نضجها، كما توجد سفارات لدى جنوب السودان في السعودية والإمارات والكويت، وحاليًّا تعمل الخارجية على افتتاح سفارة في قطر. وأضاف الوزير أن جنوب السودان أقرب دولة إفريقية إلى العالم العربي، ويتكلم العربية، لكن بلغة خاصة تعرف ب "عربي جوبا". ولدى سؤاله حول احتمال تقدم بلاده بطلب عضوية لدى جامعة الدول العربية ولو بصفة مراقب، قال ألور: "سأزور مصر قريبًا؛ لبحث هذا الموضوع". انضمام جنوب السودان يعزز تطبيع الجامعة العربية مع الكيان الصهيوني يبدو أن المعيار الجيد للانضمام إلى الجامعة العربية هو أن تكون الدولة الراغبة للانضمام تتمتع بعلاقة طيبة مع السعودية، وبمجرد تحقيقها لهذا الشرط، فإنها تصبح جاهزة لعملية الانضمام، فكل ما يؤهل جنوب السودان للاندماج بالجامعة العربية هو أنها تمتلك علاقة جيدة بالسعودية، وفقًا لتعبير وزير خارجيتها ألور. ويرى مراقبون أن من حق جنوب السودان الطبيعي الانفصال عن السودان؛ بسبب اعتراضها على الهوية العربية والإسلامية، فأهل السودان لا يعتنقون دينًا واحدًا، فهنالك مسلمون ومسيحيون ويهود، ولكن ليس من حق جنوب السودان التقدم بطلب الانضمام للجامعة العربية، فجنوب السودان لا تعترف ضمنيًّا بأي مكون عروبي أو إسلامي يربطها بالدول العربية، كما أنها بدأت بتحديد مصالحها ومساراتها السياسية بعيدًا عن قضية العرب المركزية وهي فلسطين، فجنوب السودان لا تخفي تقاربها الوثيق مع الكيان الصهيوني، وكان هذا من خلال تبادل الزيارات فيما بينهما، ففي 7 ديسمبر 2011 وصل رئيس وزراء كيان الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إلى جنوب السودان؛ ليجري خلالها مباحثات مع سلفاكير ميارديت رئيس دولة الجنوب، وفي 21 ديسمبر 2011 أجرى سلفاكير ميارديت محادثات في الكيان الصهيوني، في أول زيارة يقوم بها لتل أبيب منذ استقلال بلاده في يوليو الماضي. كما أنه وبعد يوم من إعلان استقلال جنوب السودان عن شمالها، اعترف الكيان الصهيوني بها في 10 يوليو 2011. وفي 15 يوليو أعلنت جنوب السودان عن نيتها إقامة العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع الكيان الصهيوني، وفي 28 يوليو أعلنت تل أبيب عن ترحيبها بإقامة العلاقات الدبلوماسية مع جنوب السودان. وأبرز كتاب حمل عنوان «مهمة الموساد في جنوب السودان» دور الكيان الصهيوني في جنوب السودان، حيث يؤرخ الكتاب لدور ضابط في «الموساد»، داڤيد بن عوزئيل، في تدريب الانفصاليين وتوجيههم وتسليحهم، منذ ستينيات القرن الماضي، وصولاً إلى «استقلالهم» في عام 2011، الأمر الذي يعدّ «إنجازًا إسرائيليًّا ونجاحًا خاصًّا للموساد». ويرى محللون أن الاختراق الجديد الذي قد يحدثه انضمام جنوب السودان للجامعة العربية لا يقتصر على علاقتها بالكيان الصهيوني، فكثير من الدول العربية والإسلامية تقيم علاقات مع هذا الكيان الصهيوني، ولكن المفارقة الجديدة تكمن في أن جنوب السودان لا تمتلك الهوية العربية ولا الإسلامية، وفي حال قبولها في الجامعة العربية سيصبح الكلام عن انضمام أي دولة لا تمتلك لغتنا ولا هويتنا أمرًا مقبولًا بما في ذلك الكيان الصهيوني، بالإضافة إلى أن حكومات الدول العربية المطبعة مع إسرائيل لا تملك قاعدة شعبية تؤيدها في مسعاها هذا، بينما في جنوب السودان الحكومة والشعب لا يوجد لديهما خطوط حمراء في أي نوع من التقارب مع الكيان الصهيوني، ما يجعل جنوب السودان منفذًا إفريقيًّا لتوغل الكيان الصهيوني في العالم العربي. وفي حال قبول جنوب السودان بجامعة الدول العربية، فإن هذا الأمر سيبعدها أكثر مما هي مبتعدة عن القضية الفلسطينية التي خلفتها وراء ظهرها منذ زمن، فالجامعة العربية بدأت في إبعاد الدول العربية المناهضة لإسرائيل كسوريا، كما أصدرت قرارات باعتبار حزب الله المقاوم للكيان الصهيوني منظمة إرهابية، في المقابل تسعى الجامعة العربية لضم الدول المطبعة مع الكيان الصهيوني الغاصب. موقف الجامعة العربية من جنوب السودان في يوليو 2011 أكد نائب الأمين العام للجامعة العربية، السفير أحمد بن حلى، أحقية جنوب السودان بعد انفصالها عن الشمال في الانضمام للجامعة العربية، خاصة أن ميثاق الجامعة العربية ينص على ضرورة إقرار دساتير دول الجامعة العربية للغة العربية كلغة رسمية، وهو ما ينطبق على جنوب السودان. الجدير ذكره أنه بعد انفصال حكومة جنوب السودان سياسيًّا عن الشمال، سعى وزراؤها ليكون الانفصال كاملًا، وتجلى ذلك بدعوة وزير التربية والتعليم حسين مايكل ميلي للتخلص من المناهج التي تستخدم اللغة العربية في جميع مدارس الجنوب، والاتجاه إلى تكثيف تدريس اللغة الإنجليزية، حيث إن لغة التعليم والحكومة والأعمال في جنوب السودان هي الإنجليزية، وهي اللغة الرسمية لجنوب السودان منذ عام 1928. وفي يناير 2011 قال فارمينا كويت منار، ممثل حكومة جنوب السودان في مصر وجامعة الدول العربية، إن المصالح السياسة التي سيرسمها سياسيو الجنوب هي التي ستحدد انضمامهم إلى جامعة الدول العربية من عدمه.