تصر السلطات البحرينية على وضع نفسها في موضع جدل ونقاش وانتقاد طويل؛ نتيجة سياستها القائمة على تسييس القضايا وخضوعها لبعض الضغوط الخارجية، الأمر الذي اتضح مؤخرًا في قرار المحكمة البحرينية بشأن زعيم المعارضة، علي سلمان، فبدلًا من أن تمتص الغضب الشعبي المشتعل منذ عام 2011، اختارت تأجيجه وإثارة المزيد من انتقادات المجتمع الدولي. شحن التوتر وإثارة الشارع المعارض شددت محكمة الاستئناف البحرينية عقوبة السجن بحق الأمين العام لجمعية الوفاق المعارضة، علي سلمان، لتصل إلى تسع سنوات بدلًا من أربعة، الأمر الذي أثار موجة من الانتقادات العربية والدولية والحقوقية التي لم تلتفت إليها السلطات البحرينية كعادتها. تشديد الحكم يأتي في إطار استهداف السلطات البحرينية لجميع رموز المعارضة منذ ثورة 2011، التي طالبت بإصلاحات سياسية واسعة في المملكة، على رأس هذه المعارضة، تأتي جمعية الوفاق المعارضة التي تعتبر أكبر تكتلات المعارضة في البحرين ويتزعمها علي سلمان، الذي تم اعتقاله يوم 28 ديسمبر عام 2014، وحكم عليه في 16 يونيو الماضي بالسجن أربع سنوات، بتهم التحريض علانية على بغض طائفة من الناس بما من شأنه اضطراب السلم العام، والتحريض علانية على عدم الانقياد للقوانين وتحسين أمور تشكل جرائم، إضافة إلى إهانة وزارة الداخلية بوصف منتسبيها بالمرتزقة، وزعم انتماء بعضهم إلى تنظيمات إرهابية. ردود فعل بحرينية غاضبة عقب الحكم على سلمان، انطلقت موجة ردود فعل غاضبة ووصفته بأنه جائر وظالم ومُسيس، فقال نائب الأمين العام لجمعية الوفاق، حسين الديهي، إن الحكم على سلمان كان لمطالبته بالعدالة والمساواة ونبذ التمييز الطائفي والقبلي وتحكيم الإرادة الشعبية والتداول السلمي للسلطة، مؤكدًا أن الحكم يعد انتصارا وعزة وكرامة له، وهزيمة وتخلف للسلطة ويعكس بجلاء من صاحب الحق ومن المهزوم. ووجه الديهي رسالة للسلطة قائلا: بالحكم على سلمان، حكمتم على أنفسكم بأن تعيشوا القلق والوجل من المستقبل، أما نحن فمطمئنون وواثقون من مستقبلنا، وصلتنا رسالتكم، ونحن على أتم الاستعداد لها ولتبعاتها، وهيأنا أنفسنا لهذا اليوم وللأيام القادمة، ولن تنالوا من عزيمتنا، مضيفا أن الحكم بالسجن 9 سنوات أو 90 سنة على زعيم المعارضة ليست سوى أرقام لا تعني بالنسبة لشعب البحرين شيئًا، فهم يعلمون حتمية الانتصار، مؤكدًا أن السخط يتضاعف على السلطة بسبب الحكم، والرفض يتوسع، بما يزيد رأس مال القوى المعارضة، أما السلطة فلن تجن منه إلا وبالًا. في السياق، شهدت مناطق واسعة في البحرين، احتجاجات غاضبة بعد ساعات من إصدار الحكم؛ فتظاهر المئات في العاصمة المنامة ومناطق متفرقة، رغم الحظر الذي تفرضه السلطات على التظاهر، فيما رفع المتظاهرون صورًا لأمين عام الجمعية المعارضة، ورددوا شعارات تطالب بالإفراج الفوري عنه. واحتشدت وفود شعبية في البحرين داخل منزل علي سلمان، بمنطقة البلاد القديم في العاصمة المنامة؛ للتنديد بالحكم الصادر في حقه من محكمة الاستئناف، وطالبت بالإفراج الفوري عنه كون تم اعتقاله بسبب مطالبته بحقوق شعب البحرين الإنسانية. انتقادات دولية أبدت حكومة ألمانيا الاتحادية استياءها الشديد مما وصفته ب"الحكم القاسي"، ضد زعيم المعارضة البحرينية، علي سلمان، وقال المتحدث باسم الخارجية الألمانية، إن هناك شكوكا جدية حول ما إذا كانت الإجراءات القضائية تمتثل لمبادئ المحاكمة العادلة، معبرًا عن خشية ألمانيا أن يؤدي هذا الحكم إلى تعقيد استئناف الحوار الوطني، مضيفا: يجب أن تستمر عملية المصالحة بين الشيعة والسنة في البحرين، إن الاستقرار والازدهار في البحرين على المدى الطويل لا يمكن أن يتحقق إلا على أساس سيادة القانون والتعددية واحترام حقوق الإنسان، وهذا يشمل الحق في حرية التعبير. ومن جانبها، أيدت فرنسا الرأي الألماني، فعبرت عن بالغ قلقها من الحكم، وشددت على ضرورة التمسك بحرية الرأي والتعبير وعلى حق الجميع في محاكمة عادلة ومنصفة، وقال الناطق الرسمي باسم الخارجية الفرنسية، رومان نادال: فرنسا علمت بموضوع الحكم على سلمان، وهي قلقة بهذا الشأن وتتابع القضية عن كثب. أما الاتحاد الأوروبي، فأكد أن تشديد عقوبة السجن بحق الأمين العام لجمعية الوفاق البحرينية، يُعرض الفرص المتبقية للمصالحة الوطنية في البحرين للخطر، وقال الاتحاد في بيان له: إننا نأمل أن يتم إعادة النظر في الحكم الصادر بحق سلمان، بطريقة عادلة وشفافة وفي ظل احترام البحرين الكامل لالتزاماتها الدولية. المنظمات والهيئات الحقوقية أيضًا عبرت عن إدانتها للحكم الصادر بحق، زعيم المعارضة البحرينية، فاعتبرت منظمة العفو الدولية أن إدانة السلطات البحرينية لسلمان ورفعها مدة سجنه من أربع إلى تسع سنوات، على خلفية إلقائه خطبًا انتقد فيها الحكومة، تعدٍ صارخ على الحق في حرية التعبير. وقال نائب مدير منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المنظمة، جيمس لينش، إن إدانة الشيخ سلمان تحمل بوضوح دوافع سياسية، تهدف إيصال رسالة إلى الآخرين، مفادها أن المطالب الشرعية والسلمية حتى لن تمر من دون عقاب"، مضيفًا أن سلمان سجين رأي ولا يجب أن يخضع للمحاكمة أساسًا، ويجب الإفراج عنه فورًا ومن دون أي شروط. وإلى جانب منظمة العفو، أدانت 5 منظمات حقوقية «مركز البحرين لحقوق الإنسان، والأمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين، ومعهد البحرين للحقوق والديمقراطية، والمركز الأوروبي للديمقراطية وحقوق الإنسان، ومنظّمة هيومن رايتس والعدالة بكندا» الحكم، ووصفوه بالمُسيس والجائر.