بينما تشهد العلاقات بين روسيا والاتحاد الأوروبي توترًا واسعًا على خلفية الأزمة الأوكرانية وتحركات الناتو المستمرة في دول أوروبا الشرقية، تتعامل موسكو مع أثينا بمنظور مختلف، حيث يربط البلدين علاقات قوية، يفرضها الواقع السياسي الإقليمي والبعد التاريخي الذي طالما كان شاهدًا على حميمية العلاقة الروسية اليونانية منذ آلاف السنين. وفي اليومين الماضيين وقعت اليونان وروسيا حزمة من الاتفاقيات الآلية لتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين، وذلك قبل شهر واحد من قرار الاتحاد المرتقب، والذي سيحدد مستقبل العقوبات المفروضة على روسيا بالتمديد أو الوقف. وجاءت هذه الاتفاقيات خلال زيارة الرئيس الروسي فلادمير بوتين لليونان؛ للقاء رئيس الوزراء اليوناني تسيبراس، وهو اللقاء الثاني بين الزعيمين في أقل من عام، حيث كان هناك اتفاق قبل تسعة أشهر بشأن إنشاء خط أنابيب الغاز الطبيعي بين موسكو واليونان؛ ليمر عبر تركيا «تركيش ستريم»، لكن التوترات بين موسكو وأنقرة عرقلت المشروع. وثمة من يرى أن المساعي الروسية اليونانية لتعزيز التعاون ورسالة الرئيسين بأن هناك تقاربًا وعلاقات محمومة بين الجانبين جاءت لعدة أسباب، في مقدمتها الحصار المفروض من الاتحاد الأوربي، وتوتر علاقات روسيا واليونان مع تركيا. خروج موسكو من الحصار الأوروبي يبدو رهان بوتين قويًّا على «الشقيق» اليوناني؛ لتفكيك الحصار الأوروبي المفروض على روسيا،فالبلدان تجمعهما «قرون من الصداقة والقيم الحضارية المشتركة»، لاسيما مع قرب بت الاتحاد الأوروبي في مسألة تمديد العقوبات التي فرضت على موسكو خلال النزاع الأوكراني. ومع اقتراب موعد هذا القرار تمارس روسيا ضغوطًا على عدد من الدول الأوروبية، وتهدد بتمديد الحظر على المنتجات الغذائية إلى 2017، وهو الحظر الذي تسبب في فائت كبير في الربح للمزارعين الأوروبيين. وتحاول روسيا أيضًا من خلال شركائها إيقاف العقوبات. فبخلاف اليونان التي ترى أنه لا فائدة من تمديد العقوبات على موسكو، تتحفظ إيطاليا والمجر على هذا الأمر؛ مما دفع وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير للاعتراف بأن الأمر سيكون "أصعب" هذه السنة إذا تم تمديد العقوبة على الروس، وذلك على خلفية الرد الروسي. وتحدث شتاينماير عن إمكانية عمل رفع "تدريجي" لهذه الإجراءات إذا تحقق تقدم بحلول نهاية يونيو في تطبيق اتفاقيات مينسك حول النزاع الأوكراني. وقبيل ذلك بدت مجموعة السبع في اليابان أكثر حزمًا بتأكيدها أن العقوبات يمكن أن ترفع "عندما تنفذ روسيا" التزامات مينسك، لكن يمكن تشديدها إذا جرى عكس ذلك. وفي لقاء مع الصحفيين بحضور رئيس الحكومة اليوناني الكسيس تسيبراس، رفض الرئيس الروسي هذا الموقف، واكتفى بالقول إن "مسألة العقوبات ليست مشكلتنا. نحن لم نفرضها، بل اتخذنا إجراءات للرد عليها. عندما ترفع، سنقوم بخطوات مماثلة حيال شركائنا". من جهته أشاد تسيبراس بالعلاقات الممتازة مع روسيا، لكن أكد أن أثينا لا تنوي الابتعاد عن تصويت عام على تمديد العقوبات، مشيرًا إلى أن "اليونان تنتمي إلى الاتحاد الأوروبي، وتحترم تعهداتها حيال الهيئات الدولية التي تنتمي إليها"، مدينًا في الوقت نفسه "الحلقة المفرغة" الحالية "للعقوبات والعسكرة وخطاب الحرب الباردة" قبل أن يؤكد أن اليونان يمكنها أن تلعب دور "جسر صداقة وتعاون" بين روسيا والاتحاد الأوروبي، وبين روسيا وحلف شمال الأطلسي. ولا تزال العلاقات بين موسكو وحلف الناتو متوترة بعد نشر مكونات من الدرع الأمريكية المضادة للصواريخ في رومانيا، ووجه بوتين تحذيرًا لرومانيا وبولندا من أثنيا، أكد فيه أن هذين"البلدين قد يجدان أنفسهما في مرمى صواريخ بلاده؛ بسبب وجود أجزاء من الدرع الصاروخية الأمريكية على أراضيهما"، مؤكدا أن هذا الأمر يشكل تهديدًا لأمن روسيا، مضيفًا أن موسكو أوضحت مرارًا أنها ستضطر لاتخاذ إجراءات للرد، وتجاهلت واشنطن ذلك، لكنه قال في الوقت نفسه إن بلاده لن تتخذ أي إجراءات قبل مشاهدة صواريخ في المناطق المجاورة لها. العداء الروسي اليوناني المشترك تجاه تركيا على الرغم من الهدوء الحذر في العلاقات الروسية التركية في الفترة الأخيرة، بعدما شهدت تصعيدًا غير مسبوق بين الجانبين على أثر سقوط الطائرة الروسية في أواخر العام الماصي، إلا أن العلاقات بين الجانبين ما زالت تشهد توترًا ملحوظًا. وبجانب الخلافات اليونانية التركية السابقة والراهنة على جزيرة قبرص، ستكون أثيناوموسكو لديهما عداء مشترك تجاه تركيا. اجتمعت «روسيا واليونان» في الفترة الأخيرة على أن تركيا دولة عدوانية، تحمل الكثير من المشاريع لزعزعة استقرار جيرانها، فاستمرارًا للتوجه التركي المناهض لروسيا، التي توترت علاقتها معها، بعد حادث إسقاط الطائرة «سوخوى»، بدأت تركيا مؤخرًا في محاولة إثارة مشاعر عداء الماضي لدى «تتار القرم» ضد السلطات الروسية، بحجة ارتكابها سياسة تطهير جديدة فى حقهم. وكشف لينور إسلاموف، أحد زعماء ما يسمى ب«مجلس تتار القرم»، الرافض لانضمام شبه جزيرة القرم إلى روسيا، أن وزارة الدفاع التركية بدأت تقديم الدعم العسكرى لكتيبته؛ ليثر هذا التحرك التركي في جزيرة القرم غضب الروس. وفيما يخص اليونان اتهمت أثينا في الشهور القليلة الماضية تركيا بتعمد خرق مجالها الجوي، موضحة أن طائرات عسكرية تركية حلقت في المجال الجوي اليوناني؛ ما دفع القوات الجوية اليونانية إلى إجبارها على مغادرة شمال شرق بحر إيجة. ويأتى هذا الأمر في وقت ما زالت تتقاسم تركيا واليونان فيه العداء، خاصة في الملف القبرصي. وفي ضوء هذا الخلاف بين ورسيا واليونان من جهة وتركيا من جهة أخرى، تستثمر علاقات موسكووأثينا المميزة في الحد من الدور التركي، الذي تراه الدولتان موجهًا لزعزعة استقرارهما. تعزيز التعاون الاقتصادي لم تمنع العقوبات الأوروبية على روسيا، والتي تتعلق بمجالات محددة، موسكو وإثينا من توقيع "حزمة كبيرة من الاتفاقات"، تتناول خصوصًا التعاون في مجال الطاقة والسياحة الروسية في اليونان، كما تحدث بوتين عن اهتمام روسيا بخصخصة سكك الحديد اليونانية ومرفأ تيسالونيكي. وقال يوانيس مازيس، أستاذ الجغرافيا السياسية في جامعة أثينا الوطنية، إنه "سيكون على روسيا منافسة الصين التي تقوم بشراء مرافئ مهمة"، بينها مرفأ بيريوس اليوناني. وفي إشارة ضمنية إلى التحفظات الممكنة للاتحاد الأوروبي على الاستثمارات الروسية، عبر تسيبراس عن أمله في ألا تصطدم طلبات استدراج العروض "بعقبات اصطناعية وأفكار تنم عن خوف، وأن تعالج بعدل". وأضاف أن "اليونان تحتاج إلى الاستثمارات الروسية".