قال الدكتور سرحان سليمان الباحث: إن مصر تواجه ندرة في مياه الري، مما دفع الحكومة إلى تحديد المساحات المنزرعة بالأرز، طبقًا للكميات الموجودة من مياه الري، مما قد يكون له تأثيرات على كميات الإنتاج من الأرز، وبالتالي على نسبة الاكتفاء الذاتي من المحصول. وأضاف الباحث الاقتصادي في دراسة بحثية بعنوان «محددات الاستهلاك القومي من الأرز في مصر والسيناريوهات المتوقعة في ظل تبني الدولة سياسة تحديد رقعة الأرز المزروعة»، أن مصر تواجه مشكلة ندرة مياه؛ لأن الأرز من المحاصيل التي تحتاج كميات مياه كبيرة، بالإضافة إلى زيادة عدد السكان، وما يترتب عليه من زيادة استهلاك للمياه، فقد تبنت الدولة سياسة تحديد المساحة المزروعة بالأرز، رغم اعتماد نسبة كبيرة من المزارعين على محصول الأرز كمصدر لدخولهم، وباعتباره من المحاصيل الأكثر ربحية للمزارع المصري، ومما لا شك فيه أن تبني الدولة سياسة تحديد مساحة الأرز المزروعة يؤثر على خفض الكميات المنتجة من المحصول، مما سيلقى بظلاله على معدلات الاكتفاء الذاتي منه، التي تتراوح ما بين 70٪ 90٪. وأوضح الدكتور سليمان أن محصول الأرز يحتل أهمية كبيرة في بنيان الاقتصاد القومي المصري، فقد بلغت القيمة النقدية لإنتاجه المحلي نحو 11,4 مليار جنيه، تمثل نحو 3,8٪ من قيمة الإنتاج الزراعي، وترتفع إلى 7,7٪ من قيمة الإنتاج النباتي في عام 2011، لافتًا إلى أنه من ضمن محاصيل الحبوب التي تتمتع فيها مصر باكتفاء ذاتي وفائض للتصدير، كما أنه يعتبر أحد الزروع المهمة في التركيب المحصولي، مشيرًا إلى أن الأرز له أهمية خاصة بزراعته في الأراضي الملحية، خاصة في مناطق شمال الدلتا، حيث يعمل على غسيل التربة من الأملاح، كما تقوم عليه العديد من الصناعات الحيوية، إلى جانب كثير من الصناعات الأخرى، التي تعتمد على المنتجات الثانوية لضرب الأرز؛ مثل صناعة العلف الحيواني والنشا وغيرها. ولفت إلى أن الأرز يمثل مصدرًا رئيسًا لغذاء معظم سكان مصر، خاصة في المحافظات الساحلية مع اختلاف طبقاتهم؛ لأنه يعد البديل الأول للخبز، فقد بلغت كمية الاستهلاك من الأرز في مصر نحو 2.85 مليون طن، بما يعادل نحو 50.3٪ من جملة الإنتاج من الأرز عام 2011، كما بلغ معدل الاكتفاء الذاتي من الأرز نحو 148.7٪ لنفس العام، ويزرع نحو 1,4 مليون فدان أرز صيفي في مصر، تمثل نحو 30,4٪ من إجمالي مساحة المحاصيل الصيفية، وتمثل نحو 9٪ من إجمالي المساحة المحصولية في عام 2011، وتعد مصر أكبر منتج للأرز في منطقة الشرق الأوسط، حيث بلغ إنتاجها نحو 5,67 مليون طن، تمثل نحو 1,25٪ من إنتاج العالم، ويعد محصول الأرز من المحاصيل التصديرية المهمة في مصر، فقد بلغت قيمة صادراته نحو 2,06 مليار جنية مصري، تمثل حوالي 32,3٪ من جملة الصادرات الزراعية المصرية كمتوسط خلال الفترة «2009 2012» وبذلك يعتبر الأرز مصدرًا مهمًّا للنقد الأجنبي لتمويل عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، واتبعت الدولة العديد من السياسات التي عملت على زيادة الإنتاجية من الأرز، باستخدام التقاوي الجيدة والإرشاد ونقل التكنولوجيا، بالإضافة إلى سياسة إلغاء التوريد الإجباري ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادي، مما انعكس على زيادة الإنتاج الكلي. وأشار إلى أن هناك صعوبات تعترض محصول الأرز ظهرت في السنوات الأخيرة، أهمها مشكلة محدودية مياه الري، مما جعل الدولة تتبنى سياسة تحديد المساحة المزروعة وحظر الصادرات، وغيرها من السياسات التي يمكن عن طريقها تقليل استهلاك المياه، بتحديد مساحات الأرز المزروعة، وبالتالي قد يؤثر القرار على نسبة الاكتفاء الذاتي من المحصول، وتعتبر دراسة الطلب من الدراسات الاقتصادية المهمة التي يمكن الاستعانة بها في تحديد احتياجات الدولة والأفراد لفترات زمنية مستقبلية، مما يعد ذا أهمية بالنسبة لواضعي كل من السياسة الاقتصادية والسياسة الزراعية، حيث يتأثر نمط الاستهلاك الأرزي بالعديد من المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية. وأوصى الباحث من خلال الدراسة بالتنسيق بين القائمين على السياسة الزراعية والجهات البحثية؛ من اجل وضع استراتيجيات تتوافق مع المتغيرات الإنتاجية والاستهلاكية لمحصول الأرز، والاهتمام برفع الكفاءة الإنتاجية له؛ لتعويض النقص الذي يمكن أن يصاحب تحديد المساحة المزروعة به، الأخذ في الاعتبار التأثيرات التي يمكن أن يتعرض لها المستهلك المصري في حالة نقص الإنتاج القومي من المحصول، باعتباره غذاءً رئيسًا لمعظم السكان، بجانب الاهتمام باستخدام التكنولوجيا الحديثة في زراعة الأرز، سواء الأصناف أو العمليات الزراعية وغيرها؛ للتغلب على نقص الطاقة الإنتاجية في حالة تحديد الرقعة المزروعة، برفع الإنتاجية الفدانية ورفع كفاءة العمليات الإنتاجية والتسويقية. وأوضح الباحث الاقتصادي أنه بالفعل بدأت الدولة في استيراد كميات من الأرز في الخارج، كان آخرها الإعلان عن عزمها على استيراد 80 ألف طن، علاوة على ارتفاع أسعار الأرز الأبيض وتخطت الثمانية جنيهات للكيلو، مما يدل على صدق نتائج الدراسة البحثية التي لم يلتفت اليها المسؤلين، مما يدل على وجود فجوة بين الأبحاث ونتائجها ومتخذي القرارات، ويؤكد أن معظم مشكلات مصر الزراعية يقع جزء منها بسبب عدم التخطيط المسبق والتوقعات المبنية على أساس علمي، وأنه يمكن تفادي كثير من المشكلات لو تبنت الدولة خطواتها بشكل مدروس وعلمى ومخطط.