رغم الأضرار البيئية والصحية التي أصابت الآلاف من فلاحي الدقهلية، وتحديدًا بقرية منية سندوب التابعة لمركز المنصورة، إلا أن مصنع الراتنجات الهندي والمتخصص في إنتاج الصناعات الكيماوية الملوثة للبيئة ما زال قائمًا. ورغم صدور 15 قرارًا بغلقه، إلا أن الحكومة المصرية لم تنفذ تلك القرارات، بل وما زالت تتعامل معه وفقًا لقانون المناطق الحرة من حيث أعفاؤه من الضرائب والجمارك، ولم تلتفت إلى أن المصنع يخالف قانون البيئة، وأنه تسبب في إتلاف زراعات آلاف الأفدنة وبوار أراضٍ كثيرة؛ نتيجة إلقائه مياه الصرف الصناعي بمركباته الكيميائية في مصرف المنصورة، بجانب الأدخنة المتصاعدة والمسببة لأمراض الجهاز التنفسي بكافة أنواعها، وهو الأمر الذي اعترض عليه العاملون بالمصنع أنفسهم، وكان الرد من القائمين على المصنع هو صدور قرار بفصلهم تعسفيًّا وتشريدهم. بداية يقول محمد كريم، أحد المزارعين بقرية منية سندوب، إن مصنع الراتنجات أنشئ عام 1963 في عهد الرئيس جمال عبد الناصر؛ لإنتاج الخشب الحبيبى والراتنجات على مساحة 18 فدانًا، وتم تسريح العاملين تحت مسمى المعاش المبكرن وخرج المئات مقابل تعويض مالي بسيط، وبدأت المهزلة البيئية عندما قامت الشركة الهندية في إنتاج الصناعات الكيماوية وتصربف مخلفاتها المسرطنة في مياه النيل دون معالجة في مصرف المنصورة الجديد، الذي يروي آلاف الأفدنة، وبهذا تم الإضرار العمدي بالأراضي الزراعية، التي قللت إنتاجها، ووصل الأمر إلى بوار الكثير منها. وأضاف أن العديد من العمال عندما اعترضوا على مصرف المنصورة المستجد بالصرف الصناعي، تم فصلهم تعسفيًّا. وقالت رباب محمود، أحد أهالي القرية، إن الانبعاثات والأدخنة الناتجة من هذا المصنع سببت لها ولأولادها مشاكل عديدة في الجهاز التنفسي، وإنها قدمت العديد من البلاغات والشكاوى لمحافظي الدقهلية السابقين والمحافظ الحالي، وبلغ لعلمها أنه صدرت عدة قرارات من جهاز شئون البيئة، ولم تنفذ. وأكد أحمد علي جمال، المحامي والمدعي بالحق المدني ضد شركة الراتنجات ل "البديل" أنه صدر 15 قرارًا بإيقاف وحدة إنتاج الفورمالين، ولم ينفذ أي قرار، لدرجة أن محافظ الدقهلية السابق ذهب إلى المصنع بقيادة القوة التنفيذية لتنفيذ أحد قرارات الغلق، وفى اليوم التالي جاء السفير الهندي، وافتتح المصنع مرة أخرى، رغمًا عن قرارات محافظ الدقهلية، متسائلًا: ما هي القوة الخارقة التي يمتلكها المستثمر الهندي ليقوم بخرق قرار البيئة، ويتحدى القوة التنفيذية التي أغلقت المصنع؟ وأضاف جمال أنه يعترض على تحويل المصنع إلى منطقة حرة وإعفائه من الجمارك والضرائب، رغم مخالفته لقانون المناطق الحرة، الذي ينص على توافق المصنع مع قانون البيئة، والحفاظ على العمالة، بينما هو يتخلص يومًا بعد يوم من العمال، بإجبارهم على الاستقالة. وحصلت "البديل" على مستندات، منها محضر الغلق الإدارى الموقع من محافظ الدقهلية السابق المهندس عمر الشوادفي، بشأن تنفيذ قرارات الغلق الصادرة ضد شركة المنصورة للراتنجات أرقام 113، و114، و115، و116 لسنة 2014. وكانت لجنة الغلق مكونة من رئيس مركز ومدينة المنصورة، ووكيل وزارة الكهرباء؛ لفصل الكهرباء نهائيًّا عن الشركة، وإخصائي سلامة وصحة مهنية، ومدير شؤون بيئة المحافظة، ومدير الأزمات برئاسة مركز المنصورة، ومدير التراخيص برئاسة مركز المنصورة، ورئيس القسم الهندسي بالوحدة المحلية. ورغم أن الغلق تم بمعرفة هذه اللجنة، إلا أن السفير الهندي افتتح الشركة في اليوم التالي كما ذكرنا. كما حصلت البديل على تقرير صادر من مدير عام السلامة والصحة المهنية، يفيد أنه أثناء تفتيشه لهذا المصنع، تبين له تغيير موقع تعبئة الفورمالين، وتركيب وحدات أوتوماتيكية، ولاحظ استعمال الخط بالكامل، وبه وصلات كثيرة غير محكمة، ينتج عنها تسريبات لسائل الفورمالين، وأنه تسبب في أضرار صحية بالغة للعاملين، وأنه تم قياس نسبة الانبعاثات لغاز الفورمالين، وجاءت نتيجة القراءة أعلى من الحد المسموح به عالميًّا.