تشهد الفترة الحالية صراعا مشتعلا بين عدد من النقابات المهنية والسلطة الحاكمة, أبرزها نقابة الصحفيين «قلعة الحريات» التي تم اقتحامها من قبل وزارة الداخلية، منتهكة الدستور والقانون والأعراف المحلية والدولية كافة، بالإضافة إلى أزمة نقابة الأطباء مع رجال الشرطة؛ إثر الاعتداء المتكرر على الأطباء داخل المستشفيات أثناء ممارسة عملهم من بعض أمناء وضباط الشرطة. ولم تكن نقابة المحامين بمنأى عن بطش الداخلية، فلا يمر أسبوع إلا ويحدث اعتداء على أحد المحامين داخل قسم شرطة من قبل أحد أفراده، الأمر الذي ولّد حالة من الغضب في الشارع المصري، ويرى عدد من السياسيين أن انتفاضة نقابة الصحفيين اليوم وما سبقتها «الأطباء والمحامين»، تعد بمثابة حراك ثوري جديد، بدأ مع التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية، تقوده النقابات المهنية بدلا عن الأحزاب السياسية التي جلست على مقاعد المتفرجين. «الداخلية» تثأر من الصحفيين تشهد نقابة الصحفيين حالة من الغضب العارم، بعد اقتحام قوات الأمن «قلعة الحريات» بالمخالفة للقوانين والدساتير الأعراف؛ بحجة إلقاء القبض على الزميلين عمرو بدر ومحمود السقا، الأمر الذي أثارت غضب جموع الصحفيين، ورأوا أن ما حدث إهانة وإهدار كرامة لا يمكن الصمت عليه، في ظل تعميق الكارثة باستمرار حصار مقر النقابة من قبل وزارة الداخلية. وأوضحت نقابة الصحفيين أن اقتحام مقرها سابقة أولى من نوعها، وادعاءات وزارة الداخلية بالتنسيق مع النقيب قبل عملية الاقتحام، كاذبة، مضيفة في بيانها: «ليس معقولًا ولا مقبولًا أن يتم ذلك أو ينطلي على أحد، والحقيقة أن ما حدث جريمة متكاملة الأركان في حق النقابة وإهدار القانون والدستور، وعملية اقتحام جريمة غير مسبوقة ومتعمدة استهدفت انتهاك حُرمة النقابة وترويع الزملاء الصحفيين المتواجدين بالمبنى بدخول». وتابعت: «حوالي 40 عنصرا أمنيا مسلحا أثاروا الفوضى، واعتدى أحدهم على فرد أمن النقابة بلكمه في عينيه، كما دفع فردا آخر عند محاولتهما منعهما من دخول النقابة، وألقوا القبض على الزميلين، وكل هذا يؤكد كذب ادعاءات الداخلية، وعدم إخطارها النقابة التي لجأ إليها الزميلان قبل يوم واحد من واقعة الاقتحام لإجراء اتصالات مع النيابة العامة لبحث السُبل القانونية لتنفيذ أمر الضبط والإحضار بطريقة قانونية وتسليم أنفسهم للنيابة مباشرة»، كما تقدمت النقابة ببلاغ للنائب العام، مطالبة باتخاذ الإجراءات القانونية حيالها. ولم تكن واقعة اقتحام مقر النقابة بداية الصراع بين وزارة الداخلية ونقابة الصحفيين، الذي تجلى في أقبح ثورة يوم 15 أبريل بمحاصر شارع النقابة التي احتضنت المظاهرات الرافضة التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، وفرض رجال الشرطة حالة أمنية قصوي بمحيط النقابة، واستكملت حالة القمع في 25 أبريل الماضي؛ حينما رفضت قوات الأمن السماح للصحفيين بالدخول لنقابتهم. تقول حنان فكري، عضو مجلس نقابة الصحفيين، إن النقابة ترفض ما حدث بكل المعايير, مضيفة أن الدولة تعترف بالحق في التظاهر، والدليل إقرار قانون للتظاهر، والنص عليه في الدستور، لكن للأسف، الداخلية تسىء معاملة الصحفيين، متابعة: «الداخلية تثأر من الصحفيين؛ لنقلهم الحقائق ورصد انتهاكات ومخالفات بعض الضباط وأمناء الشرطة المخالفين للقانون». وأضافت فكري ل«البديل» أن المطلب الأساسي الذي تنادي به نقابة الصحفيين، إقالة وزير الداخلية، مؤكدة أن كارثة اقتحام النقابة لم تحدث في عصر مبارك، فسلالم «الصحفيين» شهدت وقفات عديدة لحركة كفاية و6 أبريل في عهد المخلوع، ولم يحاول أحد من السلطة تشويه الصحفيين كما يحدث اليوم. اعتداءات «ميري» على الأطباء.. وانتفاضة نقابية شهدت نقابة الأطباء في الفترة الماضية سلسلة طويلة من الشكاوى تقدم بها العديد من الأطباء بعد تعدي أمناء الشرطة على طبيب بمستشفى المطرية، ما دفع الأطباء إلى عقد جمعية عمومية طارئة في شهر فبراير الماضي، وخرجت بعدة مطالب منها دعم أطباء المطرية، وتحويل كل من يتعسف ضد الأطباء للتحقيق بآداب المهنة، وإصدار بيان توضيحي من النقابة، حول تكرار حوادث الاعتداء على الأطباء، وتوضيح حق الامتناع الاضطراري عن العمل في حالة تهديد حياة الأطباء والفريق الطبي والمرضى، وتقديم هذا البيان للنيابة، واتخاذ جميع القرارات اللازمة التي تكفل الحفاظ على كرامة الأطباء وحمايتهم أثناء تأدية عملهم، تقديم الخدمات الطبية المجانية للمرضى، مع الاحتفاظ بحق الجمعية العمومية في جميع سبل التصعيد القانونية حال عدم استجابة المسؤولين لمطالب الأطباء المشروعة. كما شملت المطالب إقالة الدكتور أحمد عماد الدين، وزير الصحة، ولم يتوقف الأمر على ذلك، بل امتد ليشمل مطالبة نقابة الأطباء بتحويل وزير الصحة إلى لجنة تأديب؛ لعدم التزامه بآداب المهنة، إلى جانب تصريحاته بأن عددًا كبيرًا من الأطباء لا يصلحون لمزاولة المهنة. ودعا الوزير إلى إقامة دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة، تطالب بوقف تنفيذ القرارات الصادرة من الجمعية العمومية غير العادية لنقابة الأطباء المنعقدة في 12 فبراير 2016 واختصمت الدعوى، التى حملت رقم 33037 لسنة 70، كلًّا من الدكتور حسين خيري، نقيب الأطباء، والأمين العام لنقابة الأطباء؛ لإلغاء القرارات التي اتخذتها الجمعية العمومية، ولم تكن حادثة المطرية الأولى من نوعها، بل سبقتها سلسلة من اعتداءات أمناء الشرطة على الأطباء في الفترة السابقة، مما أدى إلى تأجج الصراع بين الداخلية والأطباء. وعلقت الدكتورة امتياز حسونة، عضو مجلس نقابة الأطباء قائلة: إنه تم التعدي على الأطباء في الفترة الأخيرة بطريقة سافرة، رغم أن القانون يقر بمحاكمة أي شخص يتعدى على شخص أثناء تأدية عمله محاكمة عسكرية، لكن ما أثار حفيظة الأطباء إثر أزمة طبيب مستشفى المطرية هو عدم استجابة السلطات إلى المطالب المشروعة التي نادى بها الأطباء، رغم كونها مطالب مبنية على أسس وأهداف، أبرزها الدفاع عن المنظومة الطبية بمصر. وأضافت حسونة ل«البديل» أن نقابة الأطباء ليست مسيسة، كما يدعي بعض المغرضين، وأزمة طبيب مستشفى المطرية لم تكن وقودًا لإثارة آراء سياسية داخل النقابة، لكن الأمر يصب في النهاية لتوفير مكان آمن للطبيب؛ كي يمارس عمله ويقدم خدمات طبية للمرضى، مختتمة: «نقابة الأطباء ليست مسيسة، ولا نود الدخول في صراع مع السلطة». سلسلة انتهاكات الداخلية تؤجج الصراع مع المحامين وتدخل نقابة المحامين أيضا على خط الصراع مع الدولة؛ بعدما أصدر سامح عاشور، نقيب المحامين، بيانا بشأن تنظيم الدفاع عن المتظاهرين المعترضين على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية، التي بمقتضاها تنتقل السيادة على جزيرتي تيران وصنافير من مصر إلى المملكة العربية السعودية. وقررت «المحامين» تكليف نقيب كل نقابة فرعية بترأس هيئة دفاع تُشكّل من أعضاء مجلس النقابة الفرعية المختصة في دائرته والمحامين المعنيين المتطوعين، تكون مهمتهم حصر جميع حالات المحامين وغيرهم من المقبوض عليهم في التظاهرات المعارضة لاتفاقية جزيرتي تيران وصنافير، مضيفا أن الهيئة تتولى الحضور مع جميع المقبوض عليهم أثناء التحقيقات في جميع مراحله والاطلاع على ما تحرر من محاضر بشأنهم حتى مرحلة الدفاع والمرافعة الموضوعية. وانتهاكات الداخلية في حق المحامين متكررة، أبرزها التعدي على المحامي عماد فهمي، من قبل مأمور مركز فارسكور بدمياط الذي صفعه بالحذاء علي وجهه، ما أصابه بجرح عميق في الرأس، وحلقة أخرى من الصراع تجلت في تقدم النقابة ببلاغ للنائب العام تتهم فيه ضابطين بجهاز الأمن الوطني بتعذيب وقتل المحامي كريم حمدي، داخل قسم المطرية؛ لإجباره على الإدلاء باعترافات انتمائه لجماعة الإخوان. وكان نقيب المحامين كلف عبد الجواد أحمد، عضو مجلس النقابة العامة؛ لحضور التحقيقات مع عمرو بدر ومحمود السقا، بعد مداهمة مداهمة قوات الأمن نقابة الصحفيين وإلقاء القبض عليها، كما أدان عاشور الداخلية من اقتحام نقابة الصحفيين، قائلًا: «الحدث يعد الأول من نوعه في تاريخ نقابة الصحفيين»، مؤكدًا على تضامن نقابة المحامين مع الصحفيين. أكد عدد من السياسيين أن الهجمة الأمنية الشرسة على النقابات المهنية، وآخرها «الصحفيين» أمر جلل لا يمكن السكوت عليه أو تجاهله، خاصة أن الصراع بين انتهاكات النظام لم تقتصر علي الصحفيين فقط، بل تعداها إلى المحامين والأطباء، ما يؤدي إلى غضب عارم في الشارع المصري. يقول الدكتور محسن هيكل، أستاذ العلوم السياسية، إن إصرار وزارة الداخلية على انتهاكاتها يؤجج الأوضاع ويهدد أمن واستقرار البلاد، مضيفا: «اتهام الصحفيين بالخيانة بعد سماحهم لعناصر من حركة 6 أبريل بالتظاهر علي سلالم النقابة، أمر غير مشروع؛ خاصة أن سلالم النقابة ليس حكرًا علي الصحفيين». وأشار هيكل إلى التفاف الجماهير حول الانتفاضات النقابية، كما حدث مع الأطباء، واليوم يتكرر الأمر مع الصحفيين، ما يجعل النقابات تحل محل الأحزاب، وتكتسب قوة ودعم أكبر، وهو ما لا تدركه الحكومة الحالية مطلقا، كما أن تضامن النقابات مع بعضها يجعلها أكثر قوة وصودًا. ويقول الدكتور عمرو هاشم ربيع، نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن تحرك النقابات له طابع موسمي؛ أي مرتبط بقضية وقتية، على عكس القضايا التي تطرحها الأحزاب وتكون بلا قيمة أو اعتبار. ويرى ربيع أنه حتى في حالة اتحاد النقابات، فالأمر لا يمثل خطورة بالغة على النظام كما يلفت عدد من السياسيين، مختتما: «المجتمع المدني لا يمثل خطورة علي الدولة، فتحرك النقابات وقتي؛ في حالة حدوث أزمات».