في الوقت الذي يدافع فيه العراق عن أمنه الداخلي، من خلال مواجهات عنيفة بين قوات الجيش العراقي والحشد الشعبي من جانب، وتنظيم داعش الإرهابي من جانب آخر، يجد انتهاكًا صارخًا لحدوده الجغرافية من الجار التركي، الذي يشن حملة موسعة للقضاء على حزب العمال الكردستاني، ويتخذه ذريعة لتوسيع نفوذه في المنطقة وإيجاد موطئ قدم في العراق. أكدت مصادر أمنية عراقية أن الجيش التركي نفذ ضربات جوية في مناطق ريفية جنوب شرق البلاد وشمال العراق؛ مستهدفًا مراكز إمدادات يستخدمها المقاتلون الأكراد، وأضافت المصادر أن 20 طائرة أقلعت من قاعدة ديار بكر الجوية مساء الجمعة الماضية، وقصفت مواقع يستخدمها مقاتلو حزب العمال الكردستاني؛ لتوفير إمدادات الغذاء والسلاح في هاكورك وأفاسين وقنديل شمال العراق. وتابعت المصادر أن ضربتين جويتين منفصلتين نُفِّذتا في إقليم شرناق بتركيا قرب الحدود العراقية، بعد تلقي معلومات استخباراتية. غارات الجيش التركي على الحدود العراقية التركية لم تكن الأولى من نوعها، حيث نفذ الجيش التركي العديد من الضربات الجوية في المنطقة في الشهور الأخيرة، بعد انهيار وقف إطلاق النار الذي دام لمدة عامين ونصف بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني، الذي تُعده أنقرة تنظيمًا إرهابيًّا، فقد استغلت تركيا الفوضى الأمنية والسياسية المنتشرة في العراق لتشن عدوانًا سافرًا على الحدود العراقية، بل وتتوغل داخل أراضيه لعدة كيلو مترات، الأمر الذي يُعد انتهاكًا صارخًا لقواعد القانون الدولي ومبادئ ميثاق الأممالمتحدة، التي شُرعت أساسًا من أجل حفظ الأمن والسلم الدوليين. سعت أنقرة منذ فترة طويلة إلى القضاء على حزب العمال الكردستاني، وهو ما أكده العديد من تصريحات المسؤولين الأتراك. وفي سبيل الوصول إلى هذا الهدف شنت تركيا حملة كبيرة وموسعة على الأكراد داخل تركيا، بدأت بالقصف البري والجوي لمقرات حزب العمال، وتطورت الحرب بينهما من الساحة العسكرية إلى الساحة السياسية، حيث حاول الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، حشد التأييد لقانون يحض على رفع الحصانة عن نواب حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد؛ بغرض ملاحقتهم قضائيًّا. الحدود التركية لم تكن الحاجز الذي أوقف الحملة التركية على الأكراد عند حدها، بل تجاوزت أنقرة الحدود لتلاحق الأكراد في سوريا، خاصة عندما نجحوا في طرد داعش من العديد من المناطق الكردية، وعلى رأسها بلدة تل أبيض في الرقّة وعين العرب «كوباني»، وهو ما بث الرعب في قلب أنقرة من أن يسيطر خصومهم على تلك المناطق الحدودية مع سوريا؛ لأن ذلك يعني إقامة دولة كردية على حدود المناطق التركية ذات الأغلبية الكردية، المطالبة بالاستقلال الثقافي والحكم الذاتي، وهي نقطة ضعف الأتراك منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى. وصلت ملاحقة تركيا للأكراد إلى العراق، من خلال شن عدوان على الحدود العراقية، الأمر الذي سعت أنقرة من خلاله إلى تنفيذ هدف معين يوضح دورها الإقليمي القوي في المنطقة، على حساب حرمة وسيادة جارتها العراقية، وكان من أبرز الانتهاكات التركية للحدود العراقية دخول الجيش التركي إلى منطقة بعشيقة، الواقعة قرب مدينة الموصل في شمال العراق، الأمر الذي صمتت أمامه كل الدول الغربية، على الرغم من أن هذا الحادث جاء بعد أسابيع قليلة من حادث إسقاط تركيا للمقاتلة الروسية، بحجة اختراق الأجواء التركية لثوانٍ معدودة، وهو ما أيدته معظم دول العالم بذريعه الاعتداء على السيادة التركية من قِبَل روسيا، الأمر الذي يكشف أن الدول الغربية تكيل بمكيالين. ومنذ وصول الرئيس التركي أردوغان إلى السلطة، وهو يسعى إلى إعادة تكوين الإمبراطورية العثمانية من جديد على حساب الجارة العراقية، وهو ما دفعه مؤخرًا إلى اختيار فزاعة تنظيم حزب العمال الكردستاني والخطر الداعشي، كذريعة لتوغل قواته العسكرية داخل الأراضي العراقية، لكن الهدف الحقيقي وراء هذا التوغل هو الوقوف بوجه روسيا التي عززت نفوذها العسكري في سوريا.