ما لبث اتفاق وقف إطلاق النار، بين الجانبين السعودي واليمني، أن يبدأ سريانه حتى تم خرقه بعد ساعات، ليتبادل الطرفان السعودي واليمني الاتهامات، الأمر الذي يهدد بشكل كبير مفاوضات الكويت المرتقبة في 18 من الشهر الجاري، حيث كانت الهدنة بمثابة تمهيد واتفاق حسن نوايا بين الطرفين يمهد لإيقاف الحرب نهائيًّا. وانهارت التفاهمات كافة التي سبقت إعلان وقف إطلاق النار، وأوحت بجدية الطرفين في إجراء مفاوضات سياسية حقيقة، وتصفية النية من أجل الوصول إلى حل سياسي للأزمة المستمرة منذ أكثر من عام، حيث جاء خرق الهدنة بهذا الشكل السريع ليوحي بوجود انقسامات، خاصة أن وثيقة وقف النار لم تشمل التنظيمات المتطرفة، مثل القاعدة وداعش، حيث يعكس انهيار اتفاق وقف إطلاق النار مشكلة تعدد الولاءات والتوجهات لدى الفصائل المسلحة، خاصة تلك الموالية للتحالف السعودي. قبل ساعات من بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار، استبق التحالف العربي الذي تقوده السعودية الاتفاق بمحاولات زحف؛ بهدف كسب مواقع في أرض المعركة، تشكل موقف قوة وتكون ورقة ضغط في يد التحالف، قبل البدء في المفاوضات التي من المقرر عقدها في الكويت، حيث استغلت قوات التحالف الهدوء الذي سيطر على أحياء اليمن، واقتنصت الفرصة لتحقيق تقدم عسكري، حيث كثفت قوات التحالف هجومها على مأربوالجوف، لكن هذه المحاولات باءت بالفشل، فاضطرت القوات إلى الانسحاب من أرض المعركة مخلفة العشرات من القتلى والجرحى، بينهم قيادات ميدانية بارزة، فيما وقعت أعداد منهم في الأسر، بحسب مصادر ميدانية. بعد مرور ساعات قليلة على بدء سريان الاتفاق، انطلقت الطائرات السعودية لتحلق بكثافة في سماء المحافظات والمدن اليمنية الجنوبية، حيث شن التحالف السعودي سلسلة غارات على عدد من المناطق، وحلق بكثافة في أجواء العاصمة صنعاء، كما حاولت قوات التحالف التقدم باتجاه جبل جرة بمحافظة تعز، وقامت بعمليات إنزال أسلحة في مدينة التربة بالمحافظة نفسها، وحلّقت في سماء محافظة عمران، ومنطقة نهم شمال شرق صنعاء. لليوم الثاني على التوالي، تواصلت العمليات العسكرية بين الطرفين، لتكون النتيجة في النهاية واحدة، وهي خرق الهدنة والاتفاق، حيث قالت مصادر عسكرية موالية للجيش اليمني واللجان الشعبية: إن قوى العدوان على اليمن واصلت قصفها بمحافظة الجوف وصعدة وعمران، حيث حلق الطيران السعودي بشكل متواصل في سماء المحافظات، وفي تعز قصفت طائرات التحالف جنوب مدينة ذباب بالقرب من السلسة الجبلية، أما في لحج فقد شن الطيران غارات على المعهد الصحي. في الإطار ذاته، رصدت مصادر عسكرية يمنية، ارتكاب العدوان السعودي على اليمن، في اليوم الأول لدخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، مما يزيد عن 30 خرقًا في العاصمة صنعاء وتعز ومأربوالجوف وشبوة وحجة، وأشارت المصادر إلى أنه تم تسجيل خروقات في أمانة العاصمة، تمثلت في تحليق للطيران على مديريات الغيل والشعف والمصلوب بالجوف، واستمرار القصف بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة على مواقع الجيش واللجان الشعبية في وادي أبير، حيث تم تسجيل 12 خرقًا في مديرية نهم بمحافظة صنعاء فقط. من جانبها، أدانت حركة أنصار الله استمرار القصف الجوي والهجمات العسكرية من قِبَل التحالف السعودي، وأكد المتحدث باسم الحركة، محمد عبد السلام، ضرورة التزام ما تم الاتفاق عليه عليه، وخطورة الاستمرار في الأعمال العسكرية، لكون ذلك يقوّض عملية السلام ويقلص من فرص انعقاد الحوار المقبل وفرص نجاحه، وأشارت الحركة إلى أن استمرار عملياتها العسكرية يأتي في سياق الرد على الخروقات التي بدأها التحالف السعودي، خاصة أن الناطق الرسمي للقوات المسلحة، العميد الركن شرف غالب لقمان، أكد قبل بدء اتفاق وقف إطلاق النار التزام الجيش واللجان الشعبية بوقف إطلاق النار ابتداء من منتصف ليل الأحد، لكنه استطرد: مع احتفاظنا بحق الرد في مواجهة أي خروقات. في الإطار ذاته، أعلنت وزارة الدفاع اليمنية أن طائرات التحالف السعوديّ أنزلت أسلحةً لقوات هادي في منطقة التربة جنوب تعز، في خرق واضح لوقف إطلاق النار، وأضافت أن طائرات التحالف شنّت غارة على منطقة كلابة شمال مدينة تعز جنوبي البلاد، مشيرة إلى أن قوات الرئيس هادي، حاولت التقدم باتجاه جبل جرة شمال مدينة تعز جنوبيّ البلاد. وعلق المبعوث الدولي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ، على الخروقات بالقول: إن وقف إطلاق النار إنجاز، وإن حدوث خروقات يهدد فرص الحل، وأضاف أن هناك التزامًا كاملًا من جميع الأطراف للتوصل إلى حل سلمي، أما الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، فقد دعا جميع الأطراف إلى احترام اتفاق وقف الأعمال القتالية، ورأى المتحدث باسم الأمين العام، استيفان دوجاريك، أن اتفاق وقف الأعمال القتالية يبدو متماسكًا إلى حد كبير. يبدو أن مفاوضات الكويت المرتقبة، التي من المفترض أن تصل إلى حل سياسي للأزمة الراهنة، أو على الأقل يتم فيها التوافق حول أرضية مشتركة تكون نقطة الانطلاق إلى حل مستقبلي، تفتقد إلى الشرط الرئيس لانطلاق أي عملية أو حوار أو اتفاق سياسي، وهو حسن النوايا وتبديد الخلافات، وبناء على المعطيات السابقة، فإن هذا الشرط غير موجود في المفاوضات المقبلة، الأمر الذي يدفع إلى القول بأن أجواء انطلاق المفاوضات سلبية بشكل كبير، مما يشير إلى احتمالية فشل هذه المفاوضات والعودة إلى نقطة الصفر، خاصة بعد تصريحات عضو المجلس السياسي لحركة أنصار الله، محمد البخيتي، التي أكد فيها أن نجاح مؤتمر الكويت أو أي حوار مقبل مرتبط على نحو كبير بنجاح الهدنة.