لم يتوقف أمر الفاطميين على إرساء قواعد خلافتهم في مصر وحسب، بل جعلوها منطلقا وقاعدة لتحقيق ومد نفوذهم السياسي، فمنذ الفتح العربي لمصر وهي ولاية تابعة للخلافة الإسلامية، تنفذ ما يملى عليها من المدينة ومن بعدها الشام ثم بغداد، حسب مركز الخلافة آنذاك، لكن الفاطميين جعلوها خلافة مستقلة استقلالا تاما، تقف على قدم المساواة مع أي خلافة أخرى. ومن ثم بدأ دور مصر ورخاؤها بشكل واضح، غير أنهم لم يتوخوا في سياستهم سيطرة عنصر بعينه، كما فعل الأمويون والعباسيون، ولعل ما ساعدهم في ذلك تقدم الدعوة الاسلامية وتمكنها من نفوس المسلمين، أي لا فرق بين عربي وأعجمي، ويكمن الاختلاف الأهم بين الفاطميين وغيرهم، أن الفاطميين كانوا لا ينظرون إلى مصر لمواردها وثرواتها فقط، بل أخذوا في الاعتبار الشعب قبل المال، فأصبحت مصر قاعدة أصيلة في الدفاع عن الكيان الإسلامي. الجهاد وتوحيد مصر والشام كان الجهاد في عصر الفاطميين عنصرا رئيسا في سياستهم الحربية كي يحافظوا على خلافتهم وإن لم يتوسعوا فيها، وكان الجهاد لديهم لا يكون غلا ضد دولة غير مسلمة، فقد اعتبر الفاطميون الجهاد دعامة من دعائم إسلامهم وركنا من أركانه. ضعفت الخلافة الإسلامية في نهاية العصر العباسي كل ضعف، فلجأ خلفاء بني العباس للهدنة مع الروم، بل جعلوا بينهم وبين الروم دولة حاجزة تقوم بالجهاد لصالح حمايتهم على الثغور الرومية في الشام، وهي دولة بني حمدان، ومن ثم بدأ الروم في إعادة ما تم فتحه من بلادهم فأصبحت تمثل خطرا شديدا على بلاد الإسلام. ومن هنا جاء يقول ابن تغر بردي إن سبب مجئ الفاطميين للشرق هو استيلاء الروم على الشام، وقال المعز عندما جاء الإسكندرية إنه لم يسر لازدياد في ملك أو رجال، ولكن سار للجهاد، ويقصد الجهاد ضد الروم، وحينما كان المعز في المغرب وقبل أن ياتي إلى مصر، حث الإخشيد على الجهاد ضد الروم، الذين استولوا على إقريطش كريت وحولوها من مسلمة لمسيحية حتى الآن. هنا كان لابد للفاطميين من قاعدة متينة لحرب الروم، فجاءت مصر والشام، ويعتبر الفاطميون أول من عملوا على الوحدة بين هذين القطرين في تاريخ مصر الإسلامية، وذلك على الرغم من الصعوبات التي واجهتهم، ولكنهم قاتلوا لبقاء هذه الوحدة، والدليل على تمسكهم بذلك توحيد العملة والميزانية ونظام القضاء وغيره. سياسة الفاطميين مع البيزنطيين كانت غزوة مؤتة 8ه/629م هي البداية ونقطة انطلاق الحروب بين العرب والبيزنطيين، فبتأسيس الدولة الإسلامية، أصاب دولة بيزنطة الضعف بسبب الضربات التي وجهها العرب لهم، فضلا عن انحسار دولتهم وتراجع حدودها إلى أقصى بلاد آسيا الصغرى، حيث تمكن العرب من فتح مستعمراتهم في الشرق، وفي الوقت ذاته كانت تقع الحدود البيزنطية تحت ضغط البلغار والروس، مما أنهكها وكاد يمحوها أبدا، لكن بقدوم الأسرة المقدونية البيزنطية 253:449ه/ 867:1057م قويت شوكتها من جديد، وافق ذلك خور قوى الخلافة العباسية في بغداد بسبب غزوات القرامطة للعراق والشام، وتدخل الفرس والترك في شؤون الدولة، فانقسمت الخلافة العباسية واستقل كل وال بولايته، علم البيزنطيون بهذه الاضطرابات فوضعوها في الاعتبار وانطلقت منها مخططاتهم. على الرغم من هذه الحالة المهترئة التي شهدتها الدولة الاسلامية في هذه الفترة، كانت الخلافة الفاطمية أحسن حالا وتماسكا، إذ قام المعز لدين الله بغزو بلاد بيزنطة سنة 346ه / 957م فأخذ قلوية، وهزم أسطول البيزنطيين هزيمة ساحقة، جعلت الامبراطور البيزنطي قسطنطين السابع يأتيه صاغرًا. كانت صقلية ذروة النزاع بين الفاطميين والبيزنطيين، فكان المعز شديد الحفاظ على بسط نفوذه والحفاظ على سيادته فيها، فأرسل جيشا بقيادة الحسن بن عمار تمكن من إلحاق الهزيمة بالبيزنطيين الذين يحاصرون رمطة قلعة حصينة بصقلية وقتل قائدهم مانويل، ذلك غير سقوط أغلب جيش بيزنطة في موقعة الحفرة في السنة التالية. أجبرت هذه الانتصارات المتتالية للفاطميين الامبراطور البيزنطي نقفور موكاس على طلب الهدنة معى الخليفة المعز، و بموجبها تنازل المعز عن مدينتي طبرمين ورمطة في صقلية، مما أغضب عرب صقلية، ويبدو أن المعز فعل هذا كي يوحد قوته لفتح مصر، لتكون المنارة الأولى له في حرب الروم، ولكن لم يكن المعز موفقا في هذا الصلح فقد سيطر الروم على شرق الجزيرة وأصبحت بؤرا لنشاطهم ضد الوجود الإسلامي. زحف البيزنطيون للشام وعاثوا فيها فسادا، مما حمل الفاطميين على صناعة أسطول بحري كبير في الإسكندرية ودمياط، وأخذ هذا الأسطول في الإبحار إلى موانئ الشام في عكا وصور وعسقلان، وأبحر أيضا نحو عيذاب على البحر الأحمر، مما جعل البحر الأحمر كله بحرا فاطميا، من ثم وجه المعز عنايته إلى استرداد ما خضع للبيزنطيين، ولكن تأخر ذلك لانشغاله ولا سيما حرب القرامطة. على كل لم تنته غزوات الفاطميين للروم، ولا سيما عندما زاد نفوذهم وتنامي قدراتهم العسكرية التي جاءت من خلال استقرار أحوالهم في مصر، وكان من ملامح هذه القوة أن أجمع الكثير من المؤرخين على أن عصر الفاطميين في مصر كان عصرا ذهبيا، وقد بلغ أوجه في عهد العزيز الفاطمي، الذي اتسعت رقعة دولته من مصر إلى شبه جزيرة العرب والشام شرقا، للمحيط الأطلسي غربا، وجبال طوروس شمالا، واليمن جنوبا، مما حد من نشاط الدولة البيزنطية على حساب البلدان والإمارات العربية الإسلامية، وذلك من أواخر القرن الرابع الهجري العاشر الميلادي، وبه فقد مدت الدولة الفاطمية القوى الإسلامية بدم جديد وعنصر قوي تدفق في عروقهم.