لم ينتشر ما يسمى بالإسلاموفوبيا في المجتمع الغربي من فراغ، فالمسؤول الأول بعد التنظيمات الإرهابية البعيدة كل البعد عن الإسلام الصحيح هو المجتمع الغربي نفسه، وعلى رأسه بعض الدوائر الرسمية فيه. ففي النموذج الأمريكي نلاحظ أن هناك تخوفًا أمنيًّا ملحوظًا من المسلمين، حتى إذ كانوا مواطنين يحملون الجنسية الأمريكية، كما أن السماح لشخص مثل ترامب للدخول في السباق الانتخابي الرئاسي بالرغم من معرفة عنصريته وتطرفه يوضح أن نظام الحكم في أمريكا لا يمانع من الحشد ضد المسلمين؛ لذك انتشر ما يُعرَف بظاهرة الإسلاموفبيا بهذه الطريقة الواسعة. وتتصاعد الهجمة التي تحملها هذه الظاهرة ضد المسلمين في أمريكا، أى الخوف والشك فى كل ما هو مسلم؛ لتشمل وبطريقة مخيفة التضييق على الأطفال المسلمين، حيث تتكرر الأزمات والملاحقات في الفترة الأخيرة لهؤلاء الأطفال؛ بدعوى التضييق على الفكر الإسلامي المتشدد في أمريكا، ووضع المسلمين دائمًا تحت أعين القوات الأمنية، بل واعتقالهم «من باب الاحتياط والحذر»؛ حتى تتأكد من براءتهم من تلك التهم غير الموجودة من الأساس. حادثة المعلمة والطفل المسلم وضعت معلمة أمريكية صبيًّا مسلمًا يبلغ من العمر 12 عامًا في موقف محرج أمام زملائه، بعد أن وصفته بالإرهابي لكونه مسلمًا دون أي أسباب لهذا الاتهام، حيث كان الطفل يشاهد فيلمًا بريطانيًّا اسمه "سددها مثل بيكهام" مع زملائه، بعد أن أكمل بعض الاختبارات المدرسية في مقاطعة فورت بيند، وإذ تفاجئ المعلمة الجميع، وتوجه الإهانة للطفل. ويقول التلميذ المسلم "كنا في الفصل نشاهد فيلمًا.. وكنت أضحك فقط على الفيلم، حين قالت المعلمة لي: ما كنت لأضحك لو كنت مكانك. قلت: لماذا؟ فقالت: لأننا جميعًا نعتقد أنك إرهابي". عبارة المعلمة هذه جعلت التلاميذ زملاء وليد يسخرون منه، ويشبهونه ب "القنبلة الموقوتة". من هنا حاولت إدارة المدرسة الأمريكية حصر الموقف وتضييق تداعياته، خاصة بعد أن اشتعلت موجة من الهجوم على المدرسة والتعاطف مع الطفل المسلم على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، واتخذت إجراءات فورية بخصوص هذه المعلمة، حيث تم إيقافها عن العمل ووضعها ضمن برنامج الإجازة مدفوعة الأجر، فيما تأمل عائلة التلميذ المسلم وليد أبو شعبان أن يتم فصلها، وأن تضع إدارة المدرسة للتلاميذ والمعلمين برنامجًا يدعو إلى التسامح الديني. حادثة اعتقال الطفل أحمد في أمريكا حادثة التلميذ وليد أبو شعبان لم تكن الأولى من نوعها، حيث اعتقلت السلطات الأمريكية في سبتمبر من العام الماضي تلميذًا مسلمًا، يبلغ من العمر 14 عامًا، ويُدعَى أحمد محمد، بعد أن اعتقد أساتذته في ولاية تكساس أن الساعة التي صنعها هي عبوة ناسفة. وأقدمت الشرطة على استجواب التلميذ وكأنه أحد الإرهابيين الخطرين، بعد أن رنت ساعة اخترعها في قسم التكنولوجيا، قبل أن يلتحق بحصة اللغة الإنجليزية، وهو داخل الصف، وتقرر آنذاك إرساله إلى إصلاحية، حيث لم تقتنع الشرطة ببراءته من أي نية إرهابية، كما رفضت إغلاق الملف، واستمرت في مراقبته. إحراج أطفال لطرد عائلتهم من طائرة الأمريكية موقف آخر يوضح مدى تعامل الدوائر الرسمية الأمريكية بعنصرية مع المسلمين، حيث طلب كابتن طائرة تابعة لخطوط الطيران الأمريكية "يونايتد آير لاين" بشكل مثير وغريب من عائلة مسلمة مكونة من خمسة أفراد أن يتركوا الطائرة قبل إقلاعها؛ بسبب مظهرهم الإسلامي، ولكنه لم يعلن ذلك، وتعلل بأن طلبه لأسباب متعلقة ب "السلامة". وقالت صحيفة الإندبندنت إن العائلة وأطفالها الثلاثة طُلِبَ منها النزول من الطائرة، التى كان من المفترض أن تتجه من شيكاجو إلى واشنطن قبل إقلاعها مباشرة، مشيرة إلى أن العائلة طلبت من المضيفة تزويدها بمقاعد سلامة للأطفال، ولكن لم تطلب ترك الرحلة، وهو الأمر الذي بدا واضحًا عليه التمييز لأنهم مسلمون. وأوضحت الصحيفة أن مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية أرسل خطابًا لشركة الطيران الأمريكية، مستنكرًا الموقف الذى تعرضت له الأسرة، وجاء فيه على لسان مدير فرع المجلس فى شيكاجو أحمد رحاب: "نحن تعبنا من طرد ركاب مسلمين من الطائرات لأتفه الأسباب، تحت زعم الأمن، فالأمن يعنى تأمين المسافرين، وليس مضايقتهم وإهانتهم"، وإحراج اطفالهم وإحساسهم بالتمييز والعنصرية اتجاههم. حشد المجتمع الأمريكي ومعاملة علماء الإسلام هذه المواقف لم تكن الأولى من نوعها، فدائمًا ما اعتادت الدوائر الرسمية الأمريكية على توجيه التهم ضد المسلمين دون وجه حق تحت زعم الأمن، وذلك بحسب كثير من التقارير.لكن المثير للجدل وللقلق هو: لماذا تنتشر ظاهرة الإسلافوبيا في المجتمع الأمريكي بهذه الطريقة الواسعة، على الرغم من أن هناك مواطنين أمريكيين مسلمين ناجحين في كافة المجالات؟! إلا أنه يبدو أن هذا التأييد الواسع من المجتمع الأمريكي لهذه الظاهرة العنصرية جاء على خلفية عملية الحشد الواسعة لها، والتي ظهرت منذ فترة، بداية من حادث 11 سبتمبر، إلى ظهور رؤى ترامب المتطرفة على الساحة، والتي يروج لما يسميه ب "خطر الإسلام" على البشرية، وأنه لا بد من منع جميع المسلمين من الاندماج في حياتهم الاجتماعية والمهنية. وعلى الرغم من أن انتشار وتمدد التطرف في المنطقة العربية أصبح واقعًا على شاكلة تنظيمات داعش والنصرة، إلا أن هذا التأييد يمثل بالفعل خطرًا وقلقًا حقيقيين على المسلمين؛ نظرًا لعدم قدرة علماء العالم الإسلامي على توضيح الحقائق وتصحيح المفاهيم المغلوطة، وبيان حقيقة الإسلام ومعانيه السامية، في مواجهة مَن يحاولون استغلال ما صدر عن التنظيمات المتطرفة والترويج له ونشره على أنه هو الإسلام الحقيقي.