استعادت قوات الجيش السوري، أمس السبت، السيطرة على مدينة تدمر بريف حمص الشرقي وسط سوريا، وانتزعتها من تنظيم داعش الإرهابي، الذي بسط سيطرته على المدينة الآثرية في مايو الماضي، ونقل التلفزيون السوري عن مصدر عسكري، أن الجيش والقوات المتحالفة معه تحكم السيطرة على مدينة تدمر بالكامل، وذلك بعد أن خاض الجيش السوري معارك ضارية على عدة محاور، وهو ما أجبر داعش على الانسحاب والتراجع شرقًا باتجاه السخنة، وآخرون إلى الرقة ودير الزور، تاركين تدمر تحت سيطرة الحكومة. ماذا عن أثار المدينة؟ تحولت تدمر من مدينة أثرية حيوية وواجهة سياحية تعج بالزائرين إلى مدينة مُدمرة بعد أن عاث فيها التنظيم الإرهابي فسادًا، وخرب محتوياتها الأثرية وحضارتها، وهو ما أدانته واستنكرته جميع المنظمات والهيئات المعنية بالأثار والحضارة. فور إعلان تحرير مدينة تدمر، بدأت التساؤلات تتبادر حول مصير الأثار التي دمرها التنظيم، أم أن الوقت بات متأخرًا للحديث عن استعادة المدينة بهاءها؟. قال مدير عام الآثار والمتاحف في سوريا، مأمون عبد الكريم، إن المعابد الرومانية القديمة والمداخل الأثرية التي نسفها مسلحو داعش العام الماضي، ستعود إلى ما كانت عليه، مضيفًا أنه تم الاطلاع على لقطات مصورة من تدمر خلال الأيام القليلة الماضية، بما في ذلك بعض الصور التي التقطت باستخدام طائرة دون طيار حلقت فوق المدينة، والتي اتضح من خلالها أن الأوضاع مطمئنة، ومازال الكثير من المباني قائمة، بما في ذلك الجدران المحيطة بمعبد بل والمسرح الروماني وساحة الأعمدة والمصلبة "التترابيل"، ووعد مدير عام الآثار والمتاحف بإحياء آثار الحقبة الرومانية لتكون رسالة ضد الإرهاب. أثار تدمر.. عندما ينتقم داعش من الحجر منذ أن دخل التنظيم المتطرف مدينة تدمر بدأ كعادته إفساد أي معالم للمدينة، ناهيك عن المجازر التي يرتكبها بحق الأهالي، خاصة المؤيدين للجيش السوري والمتمسكين بوحدة بلادهم، وكانت البداية مع تفجير تمثال أسد اللات الأثري في 3 يوليو الماضي، وذلك عندما أقدم التنظيم على تفجير التمثال الذي كان موجودًا في حديقة متحف المدينة، وكان تمثال أسد اللات قطعة فريدة بارتفاع أكثر من ثلاثة أمتار وتزن 15 طنًا، ويتكون من الحجر الكلسي الطري، وعثر عليه عام 1977، وتم ترميمه وعرضه في المتحف، ويعود إلى القرن الأول قبل الميلاد. في 23 أغسطس الماضي، فجر داعش معبد بعل شمين الشهير، من خلال تفخيخه بالعبوات الناسفة، مما أدى إلى تدمير الهيكل وانهيار الأعمدة، فيما وصفه التدمريون بسيد السماء وإله الخصب والنماء والنبع، وبعل شمين هو إله فينيقي يعود إلى الألف الثاني قبل الميلاد، وقد أسماه اليونان زيوس، وشُيد معبد بعل شمين فوق آخر أقدم منه يعود إلى بداية القرن الأول، وبُني على مراحل، فقد بدأ العمل فيه عام 17 ميلادي، ثم جرى توسيعه في عهد الإمبراطور الروماني هادريان عام 130. في مطلع سبتمبر الماضي، فجر تنظيم داعش معبد بل الأثري، ليصبح ثاني معبد يدمره داعش في غضون أسبوع، لكن اختلفت الأراء حول تعرضه لأضرار من عدمه، حيث قال مدير الآثار في سوريا، مأمون عبد الكريم، إن المعبد لايزال صامدًا رغم محاولة مسلحي داعش تفجيره، مؤكدًا أنه بالرغم من وقوع انفجار شديد داخل محيط المعبد، لكن هيكله الأساسي وأعمدته وحرمه لم يتعرضوا لأضرار، فيما قال أحد سكان المدينة إن الضرر الذي أصاب المعبد كان كبيرًا جدًا بعد أن وضع المسلحون داخله كمية كبيرة من المتفجرات، وقال ساكن آخر للمدينة، إنه تدمير شام للأحجار والأعمدة، مضيفًا أنه كان تفجيرًا يسمعه الأصم ولم يتبق من المعبد إلا الجدار. ويعتبر هذا المعبد أكثر الأبنية الدينية التي أقُيمت في القرن الأول بعد الميلاد في الشرق الأوسط، والذي بقي محافظًا على حاله، وقد تم بناء المعبد على مراحل متعددة، حيث استغرق بناءه نحو قرن من الزمن، إذ بدأ تشييده في عام 32 وانتهى في القرن الثاني. في 4 سبتمبر الماضي، فجر التنظيم ثلاثة مدافن برجية في مدينة تدمر، وتعود هذه المدافن إلى العهد الهيلنستي، وكان آخرها في عام 128، وقد استعملت هذه القبور حتى القرن الثالث، ويعود معظمها إلى القرن الأول قبل الميلاد، ومن ضمنها مدفن إيلابل الذي بني عام 103 ميلادية، والمكون من 4 طوابق فوق الأرض وطابق تحتها، ومدفن جمباليك الذي يعود إلى عام 83 ميلادي، ويتميز بأعمدته وبقايا المنحوتات الموجودة فيه. في 5 أكتوبر الماضي، فجر التنظيم تمثال قوس النصر الأثري، الذي شيد منذ ألفي عام في مدينة تدمر، وهو من الأثار الرئيسية في المدينة، ويقع تمثال قوس النصر عند مدخل شارع الأعمدة في هذه المدينة التاريخية ويطلق عليه "أيقونة تدمر".