أصبحت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي السلطة الأقوى على وجه الأرض، فلديها القدرة على جذب الجماهير والتحكم في عقولهم، تبرئ المذنب وتتهم البريء، تتصيد للمظلوم، وتجعل من الظالم بطلًا. هذا ما أدركه تنظيم داعش الإرهابي الذي رأى أن الطريق الأمثل للوصول إلى مؤيديه في أسرع وقت ممكن لنشر أفكاره المتطرفة هو اهتمامه بهذه الشبكة، وإنشاؤه المؤسسات الإعلامية المختلفة، سواء الصحف والوكالات، مثل "أعماق"، أو المجلات مثل "دابق"، أو إذاعة "البيان"، بالإضافة إلى استخدامه للإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي. وبجانب العمليات الإرهابية والمعارك العسكرية والميدانية التي يشنها ويقوم بها تنظيم داعش في العراقوسوريا من خلال مجموعات قوامها حوالي 30 ألف مقاتل، ثمة عمليات ومعارك أخرى يديرها هي الأشد خطرًا على البشرية، وتتم عبر الوسائل التكنولوجية، وتكون هذه العمليات في أغلب الأحوال لها أهمية أكثر من تلك التي تدور رحاها على الأرض، يستطيع من خلالها حسم تنظيم داعش معاركه وتوسيع وتمديد نفوذه؛ فمن خلال تلك الوسائل الإعلامية يقلب المعادلات والموازنات لمصلحته. وإذا كانت التنظيمات المتطرفة كافة قد حاولت أن تروج لأفكارها بالاستعانة ب «السوشيال ميديا» للتجنيد والتمويل، إلا أن «داعش» فاجأ الكل بقدرته الاستثنائية على استغلال المواقع الاجتماعية في نشر أيديولوجيته وتجنيد أكبر عدد من الشبان حول العالم، ومواكبة واستخدام أكثر الوسائل تطورًا وتقنية وتوظيفها لمصالحه الميدانية وأفكاره المتطرفة. تعتمد سياسة «التنظيم» الإعلامية على درجة عالية من التطور، فالقائمون منهم بهذا العمل لديهم خبرة قديمة في العمل الإعلامي، سواء المكتوب أو المرئي، حيث حشد التنظيم في بداية ظهوره وسائله كافة لاستقطاب أكبر عدد من الشباب المتقن لمواقع التواصل الأجتماعي تحت ذرائع الحفاظ على الإسلام، الأمر الذي أشعل حماسة الكثيرين للانضمام إلى هذا التنظيم. ويترجم التنظيم دعايته الإعلامية إلى أكثر من سبع لغات، منها الإنجليزية والفرنسية والألمانية والهولندية والروسية والإندونيسية، وله حسابات بهذه اللغات في مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة «تويتر» و«فيسبوك». وبحسب الوكالات العالمية فإن نشاط التنظيم دائمًا ما يكون متواصلًا على مدار ساعات اليوم. وحتى مع محاولات موقع «تويتر» إغلاق بعض الحسابات الرسمية لمراكزه الإخبارية، فإنه سرعان ما يستبدل بها أخرى، وينشط خلالها. لغة الخطاب الداعشي مع العرب مختلفة نشرت تقارير كثيرة عن الفرق بين ما يستخدمه تنظيم «داعش» من خطاب إعلامي موجه للعرب وما يبثه للغرب، فلكل منهما خطاب يريد توصيل رسالة من خلاله، فإنتاجهم الإعلامي المصور أو المقروء الموجه للعرب يعتمد على الخطاب السلفي المتشدد، ويبث في أغلب الأحيان تفسيرات متشددة منسوبة لعلماء الدين الإسلامي القدامى؛ في محاولة لإقناع الشباب بالانخراط في صفوفهم، بتذكيرهم بأن «الجهاد الذي لا حياة من دونه»، بينما الخطاب الآخر الموجه للغرب يكون أكثر تحضرًا وحداثة، حيث يوجه التنظيم للغرب مقاطع فيديو بلغاتهم وهم يداعبون القطط ويغنون ويلعبون الكرة، ويبثون صورًا للناس في يوم عمل عادي وهم في الأفران والمخابز مبتسمين، تظهر عليهم البشاشة ومشاعر الارتياح والاستقرار؛ في دلالة على أن الحياة تحت راية «داعش» طبيعية وسعيدة، لكنها تستلزم الجهاد الذي يحقق لهم العدالة الاجتماعية. كيف يستغل التنظيم مواقعه وإذاعته؟ دائمًا ما يبث تنظيم داعش الإرهابي تقارير عن تحركاته اليومية وكل معاركه على مواقعه الإلكترونية أو على شبكات التواصل الاجتماعي، وفي أغلب الأحيان تشهد تضخيمًا وتهويلًا إعلاميًّا لقيادات التنظيم وانتصاراته على الأرض، من خلال صور تسعى للتأثير على جمهور عريض، يتكون من أنصار التنظيم والمتعاطفين معه، ويتم نشر هذه الصور على أوسع نطاق، إضافة إلى التعليقات المصحوبة ووصفهم بعضهم بعضًا بكل أوصاف الجهاد والعلم والقوة والرفعة، والذي يأتي في إطار حث الجهور على الانضمام للتنظيم، كما يستخدم الأسلوب الطائفي من خلال إيصال فكرته المزعومة لكل متابعيه بأن التنظيم هو الممثل الوحيد للإسلام في العالم. كما يركز داعش في إعلامه على نشر أسماء وصور ومواقع الأشخاص المعادين لهم ورصد الجوائز لقتلهم والحث على الانتقام منهم، كما فعل مع الكساسبة في محاولة لهدم الروح المعنوية لأعدائه، فضلًا عن إدخال الخوف والرعب على المخالفين، من خلال بث الجرائم المرتكبة من قِبَله وفيديوهات القتل بأبشع صوره وأشكاله. كما يعتمد التنظيم الإرهابي على فكرة الإغراق المعلوماتي؛ في محاولة للوصول إلى أكبر عدد ممكن؛ لإقناع متابعيه، وذلك من خلال الدخول على المواقع والوكالات الكبيرة، وإغراقها بالتعليقات الممتلئة بالمدافعين عن التنظيم على الأخبار التي تتناوله بالسلب أو الإيجاب، حتى إن مواقع مثل اليوتيوب وغيره تشهد سجالات كبيرة بين مؤيدين ومعارضين لداعش على فيديوهات تحقق مشاهدات كبيرة. الباحث الأمريكي المهتم بشؤون الجماعات المسلحة جي ام بركر يقول: داعش انتهج سياسة الإغراق المعلوماتي في كل وسائل التواصل الاجتماعي، حيث إن عدد التغريدات في تويتر كان كافيًا بحيث تظهر عبارة "قادمون يا بغداد" أو غيرها من العبارات المرتبطة بها. إذا ما كتبت كلمة "بغداد"، بحيث تظهر تغريدات محددة، استطاع تنظيم داعش استثمار تويتر من خلالها، مؤكدًا أن مواقع التواصل فيها كم ترويجي لا يمكن حتى للباحث أن يتابعه من كثرته وسعته وعدده، وتجد هذا الإغراق المعلوماتي في عدد من المواقع المهمة، والتي يكثر التعليق والنقاش فيها على المواضيع التي تتناول شأن التنظيم الإرهابي. ويعتمد تنظيم داعش على جيش من المدونين والكتاب والمتفرغين لمتابعة الإعلام الاجتماعي، فبحسب أبحاث وتقارير سابقة هناك أكثر من 12 ألف حساب تويتر مرتبط ومساند للتنظيم، كما استخدم ما يسمى بقنابل تويتر "الهاشتاجات"، عبر متابعة أكثر الهاشتاجات رواجًا على تويتر، مثل هاشتاج كأس العالم 2014، ويرسل رسائل باستخدامها؛ حتى يراها كل متابع لذلك الهاشتاج، حتى ولو لم يكن مهتمًّا بما يقوله داعش، وعمل على التمييز بين اهتمامات الدول، فاستخدم تويتر في الخليج، لكن في سورياوالعراق والدول العربية الأخرى يستخدم الفيس بوك. محاولات مواجهته وفشل الإعلام الرسمي أعلن المتحدث باسم شركة جوجل عن إجراء تحقيق واسع حول كيفية استغلال داعش جوجل بلاي لبيع تطبيق رسمي ينشر أخبار التنظيم أولًا بأول، مستغلًّا حسابات تويتر لإرسال أكثر من 40 ألف تغريدة نيابة عن التنظيم دون معرفتهم خلال يوم واحد إبان الهجوم على الموصل. وفي هذا الإطار أكد فيس بوك أنه يعمل على قمع داعش إلكترونيًّا، حيث صرح رئيس الفيس بوك في مؤتمر دافوس الاقتصادي العام الماضي أنه من الممكن القضاء على داعش إلكترونيًّا بغلق حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، كما صرح بأنه سيتم العمل على اكتشاف المحتوى الذي يتضمن أفكارًا متطرفة أو إرهابية أتوماتيكيًّا ومسحه تلقائيًّا فور اكتشافه، لكن حتى الآن لم تظهر ملامح القضاء علي هذا التنظيم الإرهابي إلكترونيًّا، فهو يتمدد ويتزايد متابعوه والمنضمون إليه. وترجع أحد الأسباب غير المباشرة لكسب تنظيم داعش هذه المعركة، ما يقابله من فراغ إعلامي مجابه له، حيث لا يزال ضعيفًا، ويستند على مفاهيم غير مقبولة مجتمعيًّا، كترديد مصطلح "الإرهاب" وغيره، وهذا ينطبق على الإعلام الرسمي العربي العام والخاص. يبقى الحل، كما يوضح الخبراء في الإعلام المضاد الذي يعد أفضل وسائل الحرب على إعلام «داعش»، عن طريق محاربة أفكارهم وتفنيد أيديولوجيتهم وأفكارهم المتطرفة، واستخدام الإعلام الاجتماعي بحرفية؛ للوصول إلى الشباب؛ لإثارة شكوكهم حول أهداف التنظيم الخبيثة من استقطابهم.