منذ عام 1987، مع بداية الانتفاضة الفلسطينية الأولى، أغلقت دور السينما في قطاع غزة أبوابها في وجه زائريها؛ بسبب الوضع السياسي والأمني غير المستقر في ذلك الوقت، وتحولت قاعاتها حتى يومنا هذا إلى أماكن مهجورة لا يزورها إلا الغبار والأتربة. سينما النصر وسط قطاع غزة كانت واحدة من أكبر دور العرض السينمائي التي تعرض أشهر الأفلام المصرية بالتزامن مع عرضها في كافة الدول العربية، أما الآن فلم يتبقَّ منها إلا لافتة تشير إلى اسمها والكثير من الغرف الخاوية والجدران السوداء، الأشبه بمدينة الأشباح. تشير بعض الكتب التاريخية إلى أن أول دار عرض سينمائي فلسطينية هي سينما أوراكل بمدينة القدس 1908، أي في عهد الانتداب البريطاني. وبعد ظهور قانون خاص بالأشرطة السينمائية عام 1927 انتشر الكثير من دور العرض السينمائي في كافة المدن الفلسطينية، وكانت تعرض الأفلام المصرية بشكل خاص، بالإضافة إلى الأفلام العربية والأجنبية والصامتة. وعن الوضع في قطاع غزة يقول المؤرخ الفلسطيني سليم المبيض إن تاريخ السينما يعود إلى أربعينيات القرن الماضي، حيث أسس رئيس البلدية في ذلك الوقت، رشاد الشوا، عام 1944، أول دار سينما عُرِفت باسم " سينما السامر". وأضاف المبيض ل "البديل": بعد ذلك فُتِحت الكثير من دور العرض في قطاع غزة، كانت أشهرها سينما النصر والسامر والجلاء وعامر والسلام وصابرين، ووصل عددها إلى 10، كانت تعرض الأفلام الأجنبية والعربية، ولكن الأكثر عرضًا كانت الأفلام المصرية. وأشار المؤرخ الفلسطيني إلى أن غزة احتفظت بخصوصيتها وطبيعتها المحافظة حتى بالنسبة لدور العرض، حيث كانت تخصص مكانًا للعائلات، وتفصل بين الرجال والنساء في المقاعد. ومع اشتعال الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1978 أُغْلِقَت أغلب دور العرض في كافة أرجاء فلسطين، بعد ذلك ومع قدوم السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة، قام مجموعة من الشباب الغاضب والتابع لحركة حماس بإحراق سينما النصر؛ احتجاجًا على استشهاد آخرين في أحداث المسجد الأقصى. ولا تزال تلك الحقبة محفورة في عقول كبار السن في قطاع غزة. تقول الحاجة عفاف رستم (70 عامًا) إنها ما زالت تتذكر ذهابها إلى سينما النصر هي وزوجها، حتى إنها تتذكر الأفلام التي شاهدتها في السينما. وأضافت رستم، خلال حديث مع مراسل البديل: أنا مصرية الأصل، لكنني تزوجت من شاب فلسطيني من غزة. وعندما أحضرني إلى هنا، وجدت بالسينما في ذلك الوقت ما يساعدني على تحمل الابتعاد عن أهلي، خصوصًا أن أغلب الأفلام التي كانت تُعرَض هي أفلام مصرية. وأكدت أنها تتمنى أن يعود ذلك الزمن الجميل كما وصفته، وأن يستطيع أبناؤها وأحفادها مشاهدة الأفلام بالسينما؛ لأن الأمر يختلف تمامًا عن مشاهدته في التلفاز. حصار غزة، والذي دام لأكثر من 10 سنوات، زاد الوضع سوءًا، ومنع آلاف الشباب من السفر والدخول إلى قاعة سينما حتى الآن. الصحفية ميسون كحيل (30 عامًا) لم تشاهد فيلمًا سينمائيًّا في حياتها، ولم تحظَ بتلك الفرصة قط، وتتمنى ذلك؛ لأن الأمر لا يقتصر على الترفيه فقط، بل تُعتبَر السينما رافدًا ثقافيًّا مهمًّا وعاملًا لنهوض المجتمع، على حد قولها. وأضافت كحيل ل "البديل": كان أبي يحكي لي عن السينما في يافا وفي غزة بعد النكبة، وكان من الحريصين على الذهاب إليها هو ووالدتي وعمي وزوجته بشكل دائم، وكنت أتشوق للذهاب إليها من كثرة حديثه عنها. رغم كل هذا الواقع المظلم، هناك الكثير من المحاولات لإنعاش الإنتاج السينمائي، بالإضافة لافتتاح قاعات عرض، حتى وإن لم تكن حسب المعايير العالمية، فقد استطاع المخرجان الفلسطينيان عرب وطرزان ناصر من غزة الترشح لجائزة السعفة الذهبية للأفلام القصيرة في مهرجان كان عام 2013 بفيلمهما "كوندوم ليد". "كوندوم ليد" هو تلاعب ساخر بالاسم الحقيقي Cast Lead، وهو اسم عملية "الرصاص المصبوب" العسكرية على غزة عام 2008-2009. يعتمد الفيلم الخالي من الحوار والموسيقى التصويرية على أصوات القصف والرصاص، ويقوم على مقاربة حالة الحرب والموت في مشاهد مغايرة لما قد يراه البعض عن صورة تساقط القذائف ومشاهد الانفجارات. وكان آخر تلك الأعمال هو فيلم "معطف كبير الحجم" من إخراج الفلسطيني المقيم في الأردن نورس أبو صالح، والذي يتناول حياة المواطنيين في الفترة ما بين عامي 1987 حتى 2011. عُرِض الفيلم في قاعة جمعية الصليب الأحمر، وتهافت إليه عشرات الشباب، في مشهد لا يدل إلا على تعطش الفلسطينيين لعروض مماثلة، رغم تواضع تلك القاعة وابتعادها عن الشكل المتعارف عليه لقاعات السينما المصرية والعربية.