(1) الدرس الوحيد المُستفاد من إقالة المستشار الزند وإعفاءه من منصبه من قِبل رئيس الوزراء شريف إسماعيل بهذه الطريقة؛ أن لا أحد في مصر بمأمن من غدر دولة العسكر، حتى لو كان من أشد حلفائها أو الداعمين والمنظرين لها، فقط يرحل ببساطة عندما يُصبح عبئًا عليها، أو لو غرد خارج حظيرتها، مثلما حدث مع توفيق عكاشة فأُسقطت عضويته من البرلمان. إقالة الزند بالقطع لها علاقة مباشرة بتصريحاته بخصوص النبي صلى الله عليه وسلم، فلا مانع أن يظهر الجنرال بمظهر الرئيس المؤمن، حامي حمى الإسلام، فصورته أمام القاعدة التي يستند إليها من المصريين لا يجب أن يتم تشويهها، وبالتالي يجب مغازلتها باللعب على أوتار المشاعر الدينية، خصوصًا أن تلك التصريحات صاحبتها إنتقادات حادة وواسعة في أوساط المصريين، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، ولا يجدي نفعًا تداركها أو الاعتذار عنها. دولة الاستبداد لا تُبالى ولا تُحاسب ما يصدره حُلفائها من تصريحات، طالما وجودهم يخدم مصالحها، ما عليها فعله هو تبرير هذه التصريحات عن طريق أذرعها الإعلامية، أو تجاهلها حتي يهدأ الرأي العام بعد أيام وينشغل بقضية أخرى، ولو كانت تأبه بما يُقال لحاسبته عندما احتقر وأساء إلى شعب مصر عندما قال "نحن هنا على أرض هذا الوطن أسياد، وغيرنا هم العبيد"، أو عندما حرض علنيا على العنف، أو حركت الدعاوي القضائية المقامة ضد مرتضى منصور الذي يعيث في القنوات الفضائية سبًا وشتمًا للمخالفين له، ويحرض علنًا على بعض الشخصيات العامة. (2) إنها القشة التى قسمت ظهر البعير، فبعد الانسجام التام يأتي وقت الرحيل في سلام، دون محاسبة على ما اقترفوه في حق الوطن من خطايا، فكل مسؤول مصري تتم إقالته، يجمع أغراضه ويصطحب جميع أفراد أسرته، ويطير إلى دولة الإمارات حيث تكون وجهته ومستقره. فهي قِبلة المغضوب عليهم من الشعب وليس النظام، والمطاردين من قضايا الفساد. فعلها قبل الزند وزير الداخلية السابق محمد إبراهيم، الذي تمت إقالته من قبل إبراهيم محلب، رئيس الوزراء حينها، وذلك بعد واقعة استاد الدفاع الجوي، الذي راح ضحيته 20 شخصًا من الألتراس، ورئيس الوزراء الأسبق أحمد شفيق، والمرشح الرئاسي الأسبق، فبعد خسارته بجولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية أمام مرشح الإخوان محمد مرسي، توجه إلى دولة الإمارات هو وأسرته، ولم يعد إلى مصر إلى الآن. وسبق هؤلاء جميعًا رشيد محمد رشيد، وزير التجارة والصناعة في عهد المخلوع مبارك، فقد سافر عقب ثورة يناير مباشرة، برغم قرار النائب العام الأسبق عبد المجيد محمود بمنعه هو وبعض الوزراء ورجال الحزب الوطني من السفر خارج البلاد، على خلفية إتهامه بالاستيلاء على المال العام، وتعمد إخفاء 31 مليون دولار في بنك "HSBC" بسويسرا. (3) حلت علينا هذه الأيام الذكرى الأولى لسنوية المغفور له مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصري، بشرم الشيخ، وبعد أن روج النظام بأن هذا المؤتمر سيحقق نجاحًا منقطع النظير، وأثبت ثقة العالم كله في مكانة مصر وأهميتها، وقدرات حكومتها ورئيسها، وأن إجمالي الاتفاقيات التي وقعت بالمؤتمر مائة وثلاثين مليار دولار، وأن عدد المشاركين في أعمال المؤتمر نحو مائة دولة وألفين وخمسمائة مستثمر بحضور ثلاثين رئيسًا وملكًا وأميرًا، ليبعث للجميع برسالة لا تخطئها العين بأن مصر قادمة لا محالة. إنتهى عُرس المؤتمر الإقتصادي، وبدلًا من أن يتحول المؤتمر إلى عقود، أصبحت ذكراه مجرد وعود، وأسفر عن 55 مشروعًا، لم يتم توقيع سوى سبعة مشروعات فقط منهم، تتركز معظمهم في قطاعي الإسكان والكهرباء؛ بسبب غياب الرؤية الاقتصادية المتكاملة، والعمل بإسلوب لا يتواكب مع طبيعة السوق، وعدم وجود قوانين تساعد على جذب المستثمرين، وعدم عرض دراسات جادة عليهم، بخلاف البيروقراطية والفساد الذي إنتشر في جميع أرجاء الدولة، والمبالغة الشديدة في إظهار هذا المؤتمر وكأنه سينقل مصر إلى مصاف الدول المتقدمة فور إنتهائه. أفلس نظام عبد الفتاح السيسى، ولم تعد الوعود بالرخاء الاقتصادي تُجدي نفعًا مع الناس، بعد أن اكتشفوا زيف إدعاءاتها، ولمسوا بأنفسهم واقع الفشل الاقتصادي الذي تعيشه البلاد، بخلاف انسداد الأفق السياسي في ظل بيئة القمع الأمني الشديدة، ولم يكتشف النظام بعد أنه يسير عكس عقارب الساعة، وأن سياسة القمع والبطش التي ينتهجها لن تُحقق له الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي؛ لأنه لا يوجد بيئة سياسية مستقرة تقوم على العدالة الإجتماعية والحرية، بيئة خالية من الفساد، تُحاسب المسؤولين عندما يخطئون، وليس حمايتهم واعتبارهم فوق القانون، العدل فوق كل شيء، وعندما يتحقق العدل، ويتم محاسبة كل فرد أجرم في حق هذا الوطن، حينها فقط سنقول أن مصر تستطيع الآن أن تكون قادرة على المضي قدمًا نحو التنمية والرخاء ومواكبة العالم نحو التقدم.