كشفت دراسة بحثية بعنوان «مشكلة التعدي على الأراضي الزراعية.. الأسباب والجذور – المقترحات والحلول» أن مجموعة من الأسباب الاقتصادية والاجتماعية والتشريعية والسياسية والأمنية والبيئية، وراء تفشى الظاهرة، وصعوبة حلها بالطرق التقليدية، ويترتب عليها مظاهر وإشكاليات عدة تشوه قطاعات الاقتصاد الوطني، وتؤثر بشكل خطير على بنية المجتمع وشبكة علاقته الاجتماعية. قال الدكتور أحمد جمال الدين وهبة، الوكيل الأسبق لمركز البحوث الزراعية ورئيس الفريق البحثي، إن الدراسة أجريت في محافظاتالدقهلية والمنيا والشرقية والبحيرة والقليوبية؛ لارتفاع حالات التعدي قبل ثورة 25 يناير وبعدها، واتفقت المجموعات الثلاث للدراسة «المزارعون، العاملون بالزراعة، العاملون بالمحليات» على أن انخفاض العائد من الأراضي نتيجة ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج الزراعي، بالإضافة إلى صعوبة تسويق المحصول لعدم وجود سياسة سعرية واضحة من جهة، واستغلال التجار للفلاحين من جهة أخرى، كانا أبرز الأسباب الاقتصادية المفسرة لظاهرة التعدي على الأراضي الزراعية. وأضاف وهبة: «اتفقت المجموعات الثلاث للدراسة على أن الزيادة السكانية، وضيق المسكن والرغبة في إيجاد سكن لزواج الأبناء، وتمسك الأهل بسكن أبنائهم بجوارهم، ومحدودية انتشار ظاهرة تأجير المساكن في الريف، والنظرة المتدنية للفلاح ورغبته في الحراك المهني أو الجغرافي، ورغبة الشباب العائد من الخارج في بناء مسكن مستقل، كانت من بين أقوى الأسباب الاجتماعية المفسرة لظاهرة التعدي على الأراضي الزراعية». وتابع: «أوضحت نتائج الدراسة أن الثغرات – الاستثناءات- الموجودة بالقانون رقم 166 لسنة 1983، وأمر رئيس الجمهورية رقم 2 لسنة 2004 الخاص بإلغاء أمر الحاكم العسكري بوقف التعدي، وقرار وزير الزراعة رقم 985 لسنة 2009 الذي أجاز الموافقة على الترخيص بالإحلال والتجديد للمباني المخالفة، والقانون رقم 96 لسنة 1992 الذي تسبب في فقدان الحيازة الآمنة نتيجة تحرير العلاقة بين المالك والمستأجر، كانت من أقوى الأسباب التشريعية المفسرة لظاهرة التعدي على الأراضي الزراعية». وأوضح وهبة أن نتائج الدراسة أظهرت أن عدم الاستقرار السياسي، وغياب وضعف الدولة بعد ثورة 25 يناير، والشعور بالظلم من توزيع الأراضي المستصلحة على غير المستحقين، وإهمال قطاع الزراعة وعدم الاهتمام بالريف، واطمئنان المزارعين إلى العفو عن عقوبات التعدي من الحكومات الجديدة، واستغلال بعض القيادات والمسؤولين لنفوذهم، كانت من بين أقوى الأسباب السياسية التي فسرت ظاهرة التعدي على الأراضي الزراعية. وبحسب الدراسة، فإن حالة الانفلات الأمني بعد ثورة 25 يناير، وانشغال قوات الشرطة بالمظاهرات وأدوار أخرى، والإزالة الشكلية لحالات التعدي، والبطء في إزالة حالات التعدي، ومجاملة بعض أجهزة الشرطة لبعض المتعدين من أصحاب النفوذ، وعدم كفاية قوات الأمن المكلفة بإزالة التعديات، ونقص معدات الإزالة وتهالكها، والخوف من بطش واعتداءات المخالفين، كانت أبرز أسباب انتشار ظاهرة التعدي على الأراضي الزراعية. وأظهرت نتائج الدراسة أن عدم التحديد الواضح للأحوزة العمرانية، والتأخر في إعلان كردون المباني، وضيق المساحة السكنية للقرى وعدم تناسبها مع عدد السكان، وصعوبة التوسع الرأسي وربطه بعرض الشارع، وعدم وجود تخطيط عمراني للقرية يراعي الزيادة السكانية، وعدم توافر الخدمات والمرافق بالمناطق المستصلحة أو بالظهير الصحراوي، كانت من بين أقوى الأسباب الدافعة للتعدي. وقدمت الدراسة مقترحات اقتصادية تحد من التعدي على الأراضي الزراعية، تتمثل في أهمية دعم مستلزمات الإنتاج الزراعي، والاهتمام بالتسويق التعاوني للحاصلات الزراعية، وأهمية وجود سياسة سعرية واضحة ومحددة سلفاً ومحفزة للزراع، وتفعيل صندوق موازنة الأسعار وجهازي حماية الأراضي وتحسين الأراضي بوزارة الزراعة، وعودة الدورة الزراعية. ومن الناحية الاجتماعية، اقترحت الدراسة ضرورة الاهتمام ببرامج تنظيم الأسرة للحد من الزيادة السكانية وتقليل الطلب على الأرض الزراعية، والسماح بالبناء على الأرض الزراعية من الفئة الإنتاجية المنخفضة «الرابعة، والخامسة»، وأهمية نشر ثقافة تأجير المباني والمساكن في الريف، وتنفيذ مشروعات للارتقاء بجودة الحياة، والتغلب على بطالة الشباب. وتشريعيا، اقترحت ضرورة إنشاء دوائر خاصة بالمحاكم تختص بالنظر في قضايا التعدي وسرعة الفصل فيها، وكذلك أهمية توفيق الأوضاع وعدم الإزالة مع فرض الغرامات المناسبة، وعدم ربط تصاريح البناء بالمساحة المملوكة للزراع، وأهمية إعادة القوانين المحددة للعلاقة بين المالك والمستأجر وعدم تحريرها، وضرورة إعادة النظر في القوانين الحالية خاصة القانون رقم 116 لسنة 1983 وسد الثغرات الموجودة به. وطالبت الدراسة بمشاركة الإعلام ودور العبادة والجامعات والمدارس في عملية التوعية بأهمية الحفاظ على الرقعة الزراعية وعدم التعدي عليها، وضرورة تغيير ثقافة الريفيين المرتبطة بحق الفرد وحق المجتمع، وضرورة تحسين مرتبات العاملين بالمحليات للحد من الرشاوي والفساد المالي والإداري، وضرورة النقل الدوري للقيادات والمسؤولين من مواقعهم لمنع استغلال النفوذ.