استوقفني بالأمس أحد الأشخاص بلباس مدني، أثناء عودتي من العمل، طالبًا الاطلاع على بطاقتي، فسألته: مين حضرتك؟، جاوبني: من شرطة المترو، فباغته: اثبتلي ما تقول؟، فقال: اه.. طيب تعالى اثبتلك، واصطحبني إلى مكتب شرطة المترو بالفعل، وسألني: بتشغتل ايه؟، فأجبت: صحفي، فرد: طيب طلع كل اللي في جيوبك، فهممت إلى إخراج كارنيه الصحافة حتى يتأكد من هويتي فيرتدع ويتركني؛ خاصة أنني لست محل اشتباه. وبغطرسة وتعالي، مد يديه في جيوبي يفتشني على طريقة "حرامي المحافظ"، عندئذ، تملكني الغضب، وقبضت على يده لأمنعه من تفتيشي، وعلا صوتي على صوته، وقتها تدخّل "الباشا" رئيس المباحث، الذي يجلس على مكتبه في نهاية الغرفة: فيه ايه؟، فأجبته: أنا أرفض التفتيش بهذه الطريقة المهينة، فرد بسخرية: أمال سيادتك عاوز تتفتش ازاي.. وبعدين انت مين؟، فأعطيته كارنيه الصحافة، فخفض صوته قليلاً، ووقتها اقتحم الحوار الغاضب، واحد ب"3 دبابير ونسر"، وسألني على طريقة "سائقي الميكروباص": إنت إخوان، فرددت: أنا مصري، فعلا صوته: إنت إخوااان، فأجبت: أنا مصري.. إنت إخواااااااان، أنا مصرييييي. وبغرابة شديدة، استقبلت سؤال الباشا: إنت سافرت قطر قبل كدة؟ فقلت: لا، فالتقط مني التليفون؛ لتفتيشه، وطالب مني فتحه، فاستجبت، ليبدأ رحلته داخل هاتفي، يعاونه أبو 3 دبابير ونسر، الذي عاود حواره معي: إنت بتشتغل في جورنال إيه، فرددت: مكتوب أمام حضرتك في الكارنيه، وباشمئزاز قال: البديل دي اللى تبع جريدة "مكملين"؟، فكدت أضحك لولا أن الغضب كان يتملكني؛ لأن سيادة العميد ميعرفش الفرق بين الصحيفة والقناة، فأجبته: معرفش جريدة اسمها مكملين. كل ماسبق يدخل تحت إطار بطش الداخلية وسوء معاملتها مع المواطنين، وهذا يعلمه القاصي والداني، وإن كنت تأكدت منه؛ خاصة أنني كنت أسمع عنه وأراه من بعيد، لكن الكارثة جاءت بعدما استكملا سيادة الباشا رئيس المباحث وأبو 3 دبابير ونسر مناقشتي، فسألني أحدهما: إنت بتحب الرئيس السيسي؟، فرددت: ما علاقة هذا بما نحن فيه؟، فكرر السؤال الثاني: جاوبنا.. إنت بتحب الرئيس السيسي؟، فقلت: دى حرية شخصية تخصني وحدي، فأعاد الباشا السؤال للمرة الثالثة: انت بتحب السيسي؟، فمع إصرارهما، أجبت: أنا بحب مصر، فكرر: إنت بتحب السيسي؟.. أنا: بحب مصر، مُصرًا: بتحب السيسي؟، أنا: بحب مصر.. بتحب السيسي؟، أنا: بحب مصر، فزاد غضبهما، وقالا لبعضهما: ده حتى رافض يعترف بالرئيس السيسي، فوجه سيادة الباشا لي الحديث مرة أخرى، قائلاً: السيسي هو مصر ومصر هي السيسي، فرددت عليه بغضب: مصر لا يمثلها شخص أو جماعة.. مصر فوق الجميع، فصمت برهة، ونادى على أحد رجاله: خليه عندك شويه لحد ما خلص تفتيش تليفونه. جلست في الغرفة المقابلة بصحبة عدد من رجال الباشا، فحاول أحدهم تهدئتي بعدما علم أنني شرقاوي مثله، حتى تحولت الغرفة إلى مجموعة شراقوة التقطوا ضيفًا أو "بلديات" وكان بينهم من استوقفني في البداية، وحاولوا استرضائي بشتى الطرق، حتى قبّل أحدهم رأسي أكثر من مرة، وأكد لي أنني سأنصرف رغمًا عن أنف الجميع بعد دقائق معدودة!، لكنه طالبني بالتدخل لدى الباشا، الذي يعكف على تفتيش هاتفي الخالي من أي بيانات أو معلومات، لاسيما بعض الصور لأبناء أخوتي، لكي أطالبه بالصفح عن زميلهم الذي استوقفني "اشتباه بالخطأ"؛ حتى لا يسجنه. نادى عليّ الباشا مرة أخرى، وطالبني بالجلوس، وحدثني عن معاناتهم في حماية البلد والدور الأمني "الجبار" الذي يبذلونه، وباقي الشعب ينامون في آمان واطمئنان، والصحفيون أمثالي يجلسون على مكاتبهم يسبون هذا وينتقضون ذلك ثم ينصرفون بعدها إلى بيوتهم، فعارضته قائلا: كل فئة لديها معاناة وآلام وهموم، ولها دور وواجب في الحياة يجب تأديته على أكمل وجه حتى تنهض البلد، فقال لي ضاحكا: طالبة معايا أحبسك، وكأن سجن المواطنين بالمزاج!. وفي النهاية، اعتذر لي عن سوء تقدير من استوقفني، وأكد لي معاقبته، لكن تبقى الكارثة "السيسي هو مصر ومصر هي السيسي" راسخة في عقول أفراد الشرطة.