بدأت الحسابات الأمريكية تجاه الصين تتغير وبشكل واضح مطلع العام الجاري، فتحركات واشنطن باتت أقرب من أي وقت سابق إلى العمق الصيني، وأصبح اللعب على المكشوف وضمن الدوائر الجيوسياسية لبكين عبر الأبعاد التجارية والاقتصادية وحتى العسكرية، وأصبح التعمق في الداخل الصيني ممكنًا عبر الجار الآسيوي، فالاتفاقيات والقمم التي عقدتها الولاياتالمتحدةالأمريكية تشترك معظمها بأن لها بعدًا آسيويًّا مع دول تشهد علاقات متوترة مع الصين. اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ بعد خمس سنوات من المفاوضات الشاقة، وقعت 4 فبراير في نيوزيلندا 12 دولة اتفاقية «الشراكة عبر المحيط الهادئ» تنتمي هذه الدول لقارة آسيا وأمريكا الشمالية والجنوبية وأستراليا، وتشترك هذه الدول فيما بينها بإطلالتها على المحيط الهادئ، وتسمح هذه الاتفاقية بإقامة أكبر منطقة للتبادل الحر في العالم، مما يمكّن الولاياتالمتحدةالأمريكية من وضع قواعد التجارة الدولية بشكل يمكنها من التصدي لقوة التنين الصيني الصاعدة، فهدف الاتفاقية رفع المعوقات والحواجز أمام التجارة والاستثمار بين اليابانوماليزياوسنغافورةوفيتناموبروناي وأستراليا ونيوزيلندا والمكسيك والولاياتالمتحدةالأمريكية وكندا وتشيلي وبيرو، حيث تشكل هذه الدول مجتمعة40% من مجمل الاقتصاد العالمي، الاتفاقية الموقعة استبعدت الصين التي تستحوذ على نسبة 14% من الاقتصاد العالمي، مما يجعلها في المرتبة الثانية بعد الولاياتالمتحدةالأمريكية التي تستحوذ على نسبة 23%. لم يخفِ الرئيس الأمريكي باراك أوباما فرحته بتوقيع هذه الاقتصادية التي تعزز موقف واشنطن الاقتصادي أمام بكين، حيث قال: إن "اتفاقية الشراكة للمحيط الهادئ تسمح للولايات المتحدة وليس للصين بوضع خريطة طريق القرن ال21، وهذا أمر مهم في منطقة تتسم بالحيوية مثل منطقة آسيا والمحيط الهادئ". ورغم التوقيع على اتفاقية الشراكة إلَّا أن نص الاتفاقية ما زال بحاجة إلى مصادقة برلمانات الدول الموقعة عليه، على أن تنتهي عملية المصادقة مطلع 2018، مما يجعلها عقبة أمام طريق الاتفاقية، خاصة أن دولة كالولاياتالمتحدة تشهد حاليًا حملة الانتخابات الرئاسية، كما أن لهذه الاتفاقية أصداء معارضة لها داخل الكونجرس الأمريكي، كما توجد معارضة لهذه الاتفاقية بالداخل الشعبي في بعض الدول التي تتخوف من انعكاساتها على الوظائف والسيادة الوطنية، لاسيما أنه وردت تقارير لمنظمات غير حكومية أن هذه الاتفاقية ستؤدي إلى خلل في الأرباح لمصلحة الشركات الكبرى. في المقابل يؤكد الداعمون للاتفاقية أنها ستسمح بتحفيز النمو الاقتصادي في المنطقة، حيث تنص الاتفاقية على إلغاء نحو 18 ألف رسم جمركي على سلع صناعية وحيوانية وزراعية، كلحوم البقر ومنتجات الألبان، والسكر والأرز والمحاصيل الزراعية والمأكولات البحرية، وصولًا إلى المنتجات المصنعة والموارد والطاقة، كما وتشمل أيضًا قطاعات مثل تبادل المعلومات والملكية الفكرية التي لم تكن تشملها الاتفاقات السابقة المتعددة الأطراف. عقب تصريح أوباما الذي قال صراحة: إن الاتفاقية تحد من نفوذ الصين الاقتصادي، حاولت واشنطن استدراك ذلك الموقف عبر الممثل التجاري الأمريكي مايكل فرومان، الذي قال: إن الاتفاقية الجديدة ليست موجهة ضد أي بلد. وأضاف من المهم وجود علاقة بناءة مع الصين. وجاء رد الصين على هذه الاتفاقية سريعًا، وعبر بيان وزارة التجارة الصينية قالت فيه: إنها تعكف حاليًا على دراسة أبعاد الاتفاقية، التي لا تشارك فيها الصين. وأوضح البيان أن الشراكة عبر المحيط الهادئ اتفاقية شاملة وواسعة النطاق. قمة آسيان عقدة جديدة تضاف إلى العلاقات الأمريكيةالصينية، فرغم أن واشنطن أعلنت عبر وزارة الخارجية الأمريكية 2 فبراير 2016، أن القمة غير الرسمية التي ينظمها الرئيس باراك أوباما في كاليفورنيا 15 فبراير الجاري، ويستضيف فيها قادة الدول العشر في رابطة جنوب شرقي آسيا آسيان لن تكون موجهة ضد الصين، وأنها ليست معنية بهذه القمة، إلَّا أن بكين أعربت عبر وزارة خارجيتها عن أملها في أن تكون الولاياتالمتحدة صادقة في تصريحاتها بأن هذه القمة لن تستهدف الصين، مشيرةً إلى أن بكين ستنتظر حتى نهاية اللقاء لتعرف هل هذه التصريحات صحيحة وصادقة أم لا؟ كانت الصين من أوائل الدول التي رحبت بإعلان تأسيس مجتمع آسيان رسميا في 31 ديسمبر الماضي، الذي يضم كلًّا من إندونيسيا، ماليزيا، الفلبين، سنغافورة، تايلاند كدول مؤسسة، بالإضافة إلى بروناي، فيتنام، لاوس، بورما، وكمبوديا، إلَّا أن توقيت القمة الذي يجمعها بالولاياتالمتحدة لأول مرة يعد تهديدًا ضمنيًّا للصين، حيث تسعى فيه واشنطن إلى إظهار التزامها تجاه حلفائها الآسيويين، في الوقت الذي تشهد فيه الصين خلافات مع العديد مع هذه الدول الآسيوية حول أراض ومياه حدودية متنازع عليها، ففي بيان أصدرته القمة السنوية للرابطة آسيان أبريل 2015، قالت: الدول العشر الأعضاء تشاطر مخاوف جدية أعرب عنها قادة إزاء عمليات ردم تجريها الصين في بحر الصينالجنوبي، التي قوّضت الثقة ويمكن أن تقوّض السلام والأمن والاستقرار. وجاء البيان على خلفية أن الصين تجري عمليات ردم ضخمة لشعب مرجانية متنازع عليها في جزر سبرالتي، من أجل تشييد مدرج للطائرات يمكن استخدامه عسكريًّا وبناء موانئ اصطناعية، وتُطالب بالجزر منذ عقود، الفيليبين وفيتناموبرونايوماليزياوتايوان، علما بأن بكين تُطالب بالسيادة على 90% من بحر الصينالجنوبي، بما في ذلك مناطق قريبة من سواحل دول آسيوية أخرى. تنظر الصين بحساسية بالغة لمسألة النزاعات الحدودية في بحر الصينالجنوبي، باعتبار أن الأخير منطقة سيادية خاضعة لها بما في ذلك جزيرة تايوان، مما شكل خلافًا إقليميًّا تشترك فيه 4 دول تقع جنوب شرق آسيا، منها فيتناموالفلبين اللتان تتهمان بكين بتصعيد التوتر في هذه المنطقة الجغرافية، ومؤخرًا دخلت واشنطن على خط الأزمة بين الصينوالفلبين، حيث قال السفير الأمريكي في مانيلا فيليب جولدبرج، 3 فبراير إن بلاده ستدرس تشكيل دوريات مشتركة مع الفلبين، في مياه بحر الصينالجنوبي، في إطار الجهود لضمان حرية الملاحة في المياه، التي تزعم الصين أحقيتها فيها. حرية الملاحة اتهمت الصينالولاياتالمتحدة مطلع شهر فبراير الجاري بالسعي لفرض هيمنتها البحرية تحت عنوان حرية الملاحة، بعد أن أبحرت مدمرة تابعة للبحرية الأمريكية على مسافة 12 ميلًا بحريًّا من جزيرة متنازع عليها في بحر الصينالجنوبي، وقالت بكين: إن واشنطن تتصرف بشكل خطير وغير مسؤول، مضيفة أن ما يسمى بخطط وإجراءات حرية الملاحة التي تتبعها الولاياتالمتحدة منذ عدة سنوات، لا تتفق في واقع الأمر مع القانون الدولي المعترف به بصورة عامة. ما أثار غضب الصين أن البنتاجون لم يبلغ أيًّا من الدول التي تزعم ملكيتها للجزر بعزمه على دخول المياه الإقليمية، قبل أن ينفّذ مهمته، حيث قال: إن "هذه العملية تتحدّى محاولات الصينوتايوانوفيتنام، تقييد حقوق الملاحة وحرياتها، وتزعم أنه يجب الحصول على تصريح أو تبليغ مسبق لعبور تلك المياه"، متحججًا بأن "المزاعم المفرطة بملكية جزيرة تريتون لا تتوافق مع القانون الدولي المتجسّد في ميثاق قانون البحار"، الأمر الذي دفع الصين إلى طرد القطعة الحربية الأمريكية من الجزيرة المتنازع عليها. وكانت الولاياتالمتحدة فعلت الأمر ذاته في أكتوبر الماضي، عندما أبحرت المدمرة لاسن المزودة بصواريخ موجهة قرب إحدى الجزر الصناعية التي أقامتها الصين، مما أثار انتقادًا قويًّا من بكين.