في خطابه للاحتفال بعيد الشرطة، انتقد الرئيس عبد الفتاح السيسي مجلس النواب، بعد رفضه قانون الخدمة المدنية بأغلبية كبيرة، ووصفه بأنه أهم قوانين الإصلاح في الدولة، مؤكدًا أن الإصلاح والتقدم لهما ضريبة يجب أن ندفعها، وأن الدولة بها 6 ملايين موظف نحتاج منهم مليون موظف. ويرى الدكتور رائد سلامة الخبير الاقتصادي أنه على الرغم من وجود ترهل في الجهاز الإداري للدولة وعمالة زائدة في كثير من القطاعات، إلا أن تلك الزيادة يقابلها نقص في قطاعات أخرى، وهو ما يقتضي إعادة هيكلة الجهاز الإداري كله في استراتيجية حكومية واضحة؛ لاستغلال كل يد عاملة. وأضاف سلامة أن هناك تحدِّيًا أمام الدولة يتمثل في كيفية الاستغلال الأمثل لكل يد عاملة؛ لطرح قيمة مضافة بالمجتمع دون غطاء، وإلا فالتضخم قادم لا محالة، كما أنه من غير المعقول أبدًا أن يتم إلقاء الملايين من المصريين خارج دائرة العمل التي هي محدودة بالأساس، بما ينذر بمزيد من الاختلالات الاجتماعية، مشددًا على أنه لا ينبغي التعامل مع مشكلات مصر كل على حدة وبمعزل عن رؤية حكومية شاملة متكاملة تضع مسألة التنمية في الحسبان، من خلال تخطيط لبناء دولة تسعى لتحقيق استقلال وطني حقيقي، تشكل الثروة البشرية أهم مكوناتها؛ لأجل خلق منظومة تصنيع ثقيل وزراعة مطورة، وهما مهمتان تستدعيان حشد كل إمكانات المجتمع المادية والبشرية لا الاستغناء عنها. وأشار إلى أن تقليل أعداد الموظفين لخفض الإنفاق العام ليس هو الحل، ولكن إعادة الهيكلة هي الحل، من خلال تحديد ما يحتاجه كل قطاع بالدولة من موارد بشرية، ثم توزيع الفائض على القطاعات التي بها نقص، بعد إجراء التدريبات الواجبة، بعيدًا عن وصفة صندوق النقد والبنك الدولي والبنك الأوروبي، التي تفرض خفض الإنفاق العام من خلال تقليل عدد العاملين والتقشف وخفض الإنفاق العام والدعم وزيادة الضرائب. وكشف إلهامي الميرغني، الباحث الاقتصادي ونائب رئيس حزب التحالف، ل «البديل» أن الحكومة يعمل بها نحو 5.4 مليون موظف فقط، والهيئات الاقتصادية بها 341 ألفًا، والقطاع العام وقطاع الأعمال العام به 878.9 ألف، والحكومة تشمل «المركزية والهيئات الخدمية والمحليات» طبقًا لأرقام الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. وأضاف الميرغني أن تقليص عدد موظفي الحكومة إلى مليون موظف يعني أن 1.9 مليون في التعليم و695 ألف في الصحة كلهم سيتحولون إلى قطاع خاص، ويبقى فقط 972 ألف موظف بالداخلية والعدل، وباقي المؤسسات تتحول إلى قطاع خاص، مؤكدًا أن قوانين خصخصة التعليم والصحة جاهزة، وأن مجلس النواب سوف يصدق عليها، وما يشغل الحكومة هو رضا صندوق النقد والبنك الدولي وغرق مصر في المزيد من الديون. وأوضح أن تحديد الفائض أو العجز في الوظائف علم له أصول وليس كلامًا مرسلًا، وأن تحليل الوظائف ومعرفة العبء الوظيفي وعدد ساعات العمل لتحديد عدد الموظفين اللازم من كل وظيفة على مستوى مختلف وحدات الجهاز الإداري للدولة أمر هام، لكن المبالغة غير العلمية حول أن الجهاز الإداري يمكن أن يعمل بحوالي 20% أو أقل من طاقته الحالية تعكس توجهًا لخصخصة التعليم والصحة ومختلف وظائف الدولة، وتركها للقطاع الخاص، واكتفاء الدولة بوضع المعايير والمراقبة. وتابع "سبق أن أعلن أشرف سلمان، وزير الاستثمار، أمام مؤتمر «اليورومني» أنه يجب تحرير التعليم؛ وبالتالي فتصريحات الرئيس ليست بجديدة على توجهات الدولة، التي تجهز مشروعات قوانين لخصخصة التعليم قبل الجامعي والجامعي، وخصخصة الصحة والخدمات الصحية وإطلاق يد القطاع الخاص". وأكد رضا عيسي، الباحث الاقتصادي، ل «البديل» أن "تصريح الرئيس غريب؛ حيث إنه لم يوضح أي مليون موظف سيبقي عليهم؟ هل موظفي وزارة الداخلية، أم وزارة التربية والتعليم؟ مشيرًا إلى أن حجة توفير تكلفة الأجور لن تدخل علينا؛ حيث إن هناك بندًا آخر في الموازنة العامة أعلى من الأجور، وهو فوائد الدين الخارجي". وأوضح عيسي أن "هذا الاتجاه يأخذنا إلى طريق خصخصة الخدمات، حيث إن الدولة لن تقدم خدمات، ولكن ستشتريها من القطاع الخاص بتكلفة أعلى، فنحن لا نتعلم من الماضي، فهذا نوع جديد من الخصخصة"، متسائلًا: أين سيذهب 5 ملايين موظف؟ إلى المعاش المبكر، أم ماذا؟ واختتم بأن الدولة ما زالت مفتقدة للرؤية التي تسير فيها، حيث سبق وباعت القطاع العام للقطاع الخاص، وعادت مرة أخرى إلى الأسواق عن طريق السلع التي يبيعها الجيش بأسعار رخيصة؛ لأن القطاع الخاص نزل بأسعار فاحشة للحصول على أرباح كبيرة.