شهدت الذكرى الخامسة لثورة الخامس والعشرين يناير حراكًا شعبيًا فاق نظيره قبل خمس سنوات، فازدحمت الشوارع وامتلأت الميادين، وخرج المصريون من كل حدب وصوب ينسلون، وانتفض الجميع، رافعين شعارًا واحدًا «ارحل» لنظام فشل في كل المناحي، وضيّع أحلامهم السابقة في «عيش وحرية وعدالة اجتماعية وكرامة إنسانية»، واستبدلها ب«تجويع وقمع وطبقية ودكتاتورية ومهانة».. كل ما سبق كان جزءًا من خيالي وبعضًا من آمالي وأحلامي التي لم تتحقق بعد. يبدو أن النظام الحالي نجح مؤقتًا في فرض قبضته الأمنية على الشوارع والميادين، ليجبر المصريين على عدم النزول، ساعده في ذلك برودة الجو، وحالة اليأس والخمول عند الكثيرين ممن فقدوا الأمل في التغيير، بعدما انتفضوا في ثورتين خلال أقل من ثلاث سنوات، لكن الفساد والعفن متوطن في جذور وأعماق النظام الذي تغير رأسه مرتين دون أن يتبدل. لعب النظام الحالي على أوتار حساسة لدى للمصريين، وصدّر لهم أوهامًا عديدة، أبرزها أن الهلاك دونه، فتنظيم داعش الإرهابي على أعتاب سيناء، ينتظر سقوطه لينقض عليها انقضاض الأسد على فريسته، وجماعة الإخوان الإرهابية تتحين الفرصة للعودة والانتقام، والانقسام والدمار والحروب تنتظر المصريين كليبيا وسوريا واليمن والعراق، وإسرائيل تتربص، وحماس تترقب، وأمريكا تخطط. منذ خمس سنوات، عندما خرج المصريون على مبارك، لم يتوقع أشد المتفائلين وقتها، إقالة الحكومة، حتى تحقق الحلم بتصدع النظام بأكمله وتهاوت ركائزه وأركانه، ومن وقتها «حاجز الخوف اتكسر»، والأمر لم يستوعبه النظام الحالي، الذي يلوح دائمًا بالعصى الأمنية التى لا تنجح طوال الوقت، بل توقد نارًا داخلية قد يولد من رحمها بركان في أي وقت، يحرق معه الجميع. حاولت أمس تطويع كل الظروف للتواجد في العاصمة؛ حتى أستطيع النزول والمشاركة في أي حراك يحدث، لكن خيبة أمل أصابتني بعدما خلت الشوارع والميادين من المصريين، وكانت أشبه بثكنة عسكرية تحتلها قوات من الجيش والشرطة مدججين بشتى أنواع السلاح، وكأن الحرب اندلعت، وسألت نفسي وقتها عدة أسئلة: «ما الرسالة التي يريد النظام إيصالها.. هل قمع أم ترهيب أم تأمين أم استعراض قوة.. أم ماذا؟». المثير لي ولكثيرين، موقف الأحزاب والقوى السياسية المعارضة، أو التى تسمي نفسها كذلك، هل كفت عن التظاهر بعدما تغيرت أحوال البلد للأحسن، أم اكتفت بمعارضة الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي، أم انساقت للنظام، أم تتأهب للخروج بخطة جهنمية لانتشال البلد من الظلم والفساد والقمع؟. لا شك أننا نعيش في حالة ريبة تتطلب التفكير في الخطوة جيدًا قبل القيام بأي فعل، لكن ما لا شك فيه أنه سوف يولد من رحم الصمت ثورة.