يشكل قانون بناء الكنائس أزمة مستمرة بين الأنظمة الحاكمة والمسيحيين لفترة طويلة، حتي بات يواجه مصيرًا مجهولًا، فالبعض يرى أن القانون لن يرى النور مرة أخرى، لاحتوائه على مواد غير متوافقة مع الرؤية القانونية للحكومة، فيما يذهب رأي آخر إلى أن الدستور الحالي يلزم مجلس النواب، بمناقشته وإصداره، في أول فصل تشريعي له، حتى لو لم تقره الحكومة. أصل الأزمة ترجع أزمة قانون بناء الكنائس بمصر إلى عهد الدولة العثمانية، تحديدًا في ولاية سعيد باشا، لمصر، حيث نص مرسوم الخط الهمايوني، الصادر عام 1856 ميلادية، في مادته الثالثة، على أن «السلطان شخصيًّا فقط هو من له الحق في ترخيص بناء الكنائس وترميمها، وكذا المقابر الخاصة بغير المسلمين»، مما أعاق بشكل مباشر بناء الكنائس، واستمر العمل بذلك المرسوم، إلى عام 1933 ميلادية، عندما وضع العزبي باشا، وزير الداخلية في ذلك الحين، 10 شروط تعجيزية لبناء الكنائس، بديلة عن مادة الخط الهمايوني السابق ذكرها، وظل القانون على ثوابته، حتى أعد جمال العطيفي، وكيل مجلس الشعب الأسبق، عام 1972 ميلادية، تقريرًا يحوي علاجًا للأزمات المتكررة الخاصة ببناء الكنائس، في أعقاب حادث الخانكة الطائفي، في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، وخرج ذلك التقرير بعدة توصيات، أهمها تعديل قوانين بناء دور عبادة المسيحيين، وإلغاء البنود التعجيزية الواردة به، ما لم يلق إرادة جادة من الدولة في تطبيقه، فذهب التقرير أدراج الرياح. عهد مبارك بسبب عدم سعي أجهزة الدولة إلى إيجاد حل قانوني، طوال فترة رئاسة الرئيس السابق محمد حسني مبارك، تراكمت مشكلات بناء الكنائس بكل المحافظات، مما أجبر الكثير من الإيبارشيات على بناء كنائس غير مرخصة، أو إقامة الطقوس المسيحية، في مباني الخدمات التابعة للكنائس؛ بسبب تعنت أجهزة الدولة، وكثيرًا ما تحدَّث البابا شنودة الثالث عن تقرير العطيفي، في وسائل الإعلام المختلفة، كحل أمثل لهذه القضية الشائكة، دون مجيب، حتى حلت ثورة 25 يناير، التي دفعت المجلس العسكري، إلى إعادة الحسابات في هذه القضية، وظهرت المساعي لإصدار قانون موحد لدور العبادة للمساجد والكنائس على السواء، إلَّا أن القانون لاقى معارضة من الجانبين؛ بسبب الاختلافات الجوهرية بين المسجد والكنيسة في المكونات الداخلية والمساحة المطلوبة والكثافة السكانية اللازمة. عصر الإخوان لم يكن حظ دور العبادة المسيحية في عصر الإخوان أفضل مما سبق، بل كا أسوأ، حيث تم الاعتداء على الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، التي افتتحها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، جنبًا إلى جنب مع البابا الراحل كيرلس السادس في مشهد غير مسبوق، حيث ظل الاعتداء بالطوب والأسلحة لمدة ساعات متوالية، لم يتدخل خلالها الرئيس المعزول محمد مرسي بكلمة واحدة، مما أثر سلبًا على علاقة جماعة الإخوان بالأقباط، وأعطى مؤشرًا إلى عدم توافر حلول مستقبلية لمشكلات بناء الكنائس في مصر. مواد القانون صرح إبراهيم الهنيدي، وزير العدالة الانتقالية السابق، في أكتوبر من العام الماضي بأن الوزارة ستشكل لجنة من ممثلي الكنائس المصرية والحكومة؛ لدراسة مقترحات الأقباط حول قانون بناء الكنائس، المنصوص في الدستور على إصداره بمجلس النواب المقبل، وتوافقت جميع الكنائس المصرية على مشروع قانون موحد لبناء الكنائس، وتضمن مشروع القانون، 20 مادة تنظم بناء الكنائس وملحقاتها، والأديرة والطراز المعماري لها، وفقًا لطبيعة المذاهب المسيحية، والمساحات المحددة لبناء الكنائس، وسلموه إلى وزارة العدالة الانتقالية، التي لم تقبل بعض مواد القانون، وأرجعت مصادر أسباب الخلاف، إلى إصرار الكنائس على ترخيص المباني الكنسية، غير المرخصة، طوال الفترات السابقة، التي تصل نسبتها، إلى أكثر من 50% من المباني الكنسية بمصر، بالإضافة إلى احتواء القانون على أحقية محافظ المدينة في رفض بناء الكنيسة أو أي من المباني الملحقة خلال 30 يومًا، من موافقة الجهة الإدارية المختصة، صراحة أو ضمنًا، ما لم يتوافق عليه الجانبان، مما أدى إلى توقف الإجراءات اللازمة، وعودة قانون بناء الكنائس إلى الأدراج الحكومية مرة أخرى، ومن ثم بقاء الحال على ما هو عليه، مما يتوقع معه عدم خروجه إلى النور مرة أخرى. وانتقد المستشار منصف سليمان، عضو لجنة الإصلاح التشريعي، في تصريحات صحفية، البطء في نظر قانون بناء الكنائس من جانب الحكومة، مشيرًا إلى أن الأقباط صبروا مدة طويلة لإقرار هذا القانون، الذي سيحل 80% من مشكلاتهم، على حد قوله. ويرى البعض أن عدم إقرار القانون لا يؤثر في سريان المادة الدستورية، التي تلزم مجلس النواب بإصداره في أول فصل تشريعي له، مما يدل على أن الحكومة فضلت أن يتحمل مجلس النواب مسؤولية المواد القانونية المنظمة لبناء الكنائس، نظرًا لحساسية القضية ذات التعقيدات المتراكمة عبر العصور المختلفة. ورغم تفاؤل هذه الرؤية إلَّا أنها تثير تساؤلات، عن مدى قبول أعضاء مجلس النواب المقبل لمواد قانون بناء الكنائس، وهل سيصدرونه بنفس رؤية الكنائس، أم أنه سيدخل عصرًا جديدًا من التعقيدات، والخلافات، التي لا نهاية لها؟ البياضي: 90% من الكنائس بدون ترخيص من جانبه قال صفوت البياضي، رئيس الطائفة الإنجيلية: إن المادة 235 من الدستور المصري الحالي جاء بها، أنه في أول فصل تشريعي لمجلس النواب، يصدر قانون ترميم وبناء الكنائس، إذن فرئيس الجمهورية ليس مسؤولًا عن إصدار هذا القانون، بل مجلس النواب، بخلاف قانون الأحوال الشخصية، الذي يستطيع رئيس الجمهورية إصداره. وأضاف البياضي أن قانون بناء الكنائس الحالي، به شروط مجحفة لبناء الكنائس، يسمونها الشروط «العزبية»، نسبة إلى نبيل العزبي، وكيل وزارة الداخلية الأسبق، وهي 10 شروط، منها اشتراط مسافة معينة، كما يشترط موافقة الجيران على بناء الكنيسة، فلو اعترض أحدهم لا يقبل بناؤها، ومن ضمن الشروط الغريبة، منع بناء كنيسة بجوار السكك الحديدية، أو بجوار المصارف المائية والمدارس والمعاهد والمساجد. وأوضح أنه بسبب هذه الشروط التعجيزية فإن90% من كنائس مصر الخاصة بجميع الطوائف المسيحية، مبنية بدون ترخيص، فتصريحات بناء هذه الكنائس، تصدر بخصوص بناء مخزن للكنيسة، أو مبنى خدمات، لكنه يستخدم ككنيسة.