لا تزال تداعيات الاتفاق النووي الإيراني تلقي بظلالها على شبكة العلاقات الدولية، ولا تزال تلعب دورًا رئيسًا في تكوين تحالفات وانهيار أخرى، وفي الوقت ذاته تحاول الولاياتالمتحدةالأمريكية أن تلعب على الأوراق الرابحة كافة، فمن ناحية تنصب نفسها في دور الحليف والحامي للشعوب العربية، ومن ناحية أخرى تسابق الزمن لكسب مصالحها وتحقيق أهدافها في جميع دول العالم. حط وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، السبت الماضي في السعودية، حاملًا على عاتقه هموم طمأنة الحلفاء الخليجيين، وإقناعهم بعدم الخروج من تحت العباءة والهيمنة الأمريكية، حيث التقى كيري خلال الزيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، ونجله ولي ولي العهد، وزير الدفاع، محمد بن سلمان، وكذلك وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي الست الذين جاءوا إلى الرياض للقاء كيري. مخاوف خليجية عقب إعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية التزام إيران بالاتفاق النووي الذي تم توقيعه في 17 يونيو الماضي، خرجت معظم دول العالم لترحب بدخول الاتفاق النووي حيز التنفيذ، وبدأت هذه الدول تتسابق للحصول على حصة في الأسوق الإيرانية، التي باتت مفتوحة أمام الجميع بعد رفع الحظر عنها، بينما اتفقت دولتان على إدانة الاتفاق، هما إسرائيل والسعودية، وخرجت تقارير تلوح باحتمال لجوء السعودية وإسرائيل إلى التعاون لمواجهة إيران، وهنا بدأت واشنطن تحركاتها لإنقاذ نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، والذي بات مُهددًا بعد توقيع الاتفاق النووي، الذي اعتبرته بعض الدول بمثابة تخلي إدارة واشنطن عن حلفائها، فيما استطاعت دول أخرى استعماله كورقة ضغط لابتزاز الإدارة الأمريكية، وعلى رأسها الكيان الصهيوني. انطلقت الجهود الأمريكية لمحاولة تهدئة مخاوف دول الخليج من دفء العلاقات الأمريكيةالإيرانية، خاصة بعد شعور الدول الخليجية، على رأسها السعودية بميل واشنطن تجاه طهران خلال الفترة الأخيرة، الذي ظهر جليًّا بتخاذل الإدارة الأمريكية في الوقوف مع السعودية خلال أزمتها الأخيرة مع إيران، وترحيبها بالاتفاق النووي الإيراني الذي اعتبرته إنجازًا تاريخيًّا، رغم سخط البيت الخليجي عليه، مما دفع السعودية إلى محاولة البحث عن شريك استراتيجي جديد قد يحل محل الحليف الأمريكي الذي انخرط في تعاون استراتيجي مع العدو اللدود لدول الخليج. طمأنة المخاوف على حساب إيران طمأنة مخاوف الدول الخليجية لم يكن ينجح لولا مهاجمة وزير الخارجية الأمريكي لإيران، في محاولة لكسب ثقة البيت الخليجي، حيث سعى جون كيري إلى تبديد المخاوف الخليجية على حساب انتقاد تصرفات طهران، وتأكيد وجود نقاط خلاف بين واشنطن والجمهورية الإيرانية، ونفي وجود أي مشروع مصالحة مع إيران، بقوله: إن الولاياتالمتحدة تبقى قلقة إزاء بعض النشاطات التي تقوم بها إيران في المنطقة، خصوصًا دعمها لمجموعات مثل حزب الله اللبناني، وبرنامجها للصواريخ البالستية، الذي دفع الولاياتالمتحدة إلى فرض عقوبات جديدة على طهران، رغم التسوية بشأن البرنامج النووي. وبشأن العدوان السعودي على اليمن، أقر وزير الخارجية الأمريكي لأول مرة صراحة بمشاركة بلاده في العدوان الغاشم على اليمن، وقال كيري: بحثنا أوضاع اليمن ونتابع بقلق كبير الأعمال التي يرتكبها الحوثيون، وندعم التحالف الذي تقوده السعودية. وسعى الوزير الأمريكي إلى التأكيد أن العلاقة بين أمريكا ودول الخليج مبنية على المصالح المشتركة وهي استراتيجية، وليس هناك أدنى شك من تقوية هذه العلاقات والرقي بها، وأمريكا تكرر التزامها بالوقوف مع هذه الدول إذا تعرضت لأي اعتداء، مؤكدًا أن واشنطن لن تتخاذل في حماية دول الخليج، مشيرًا إلى وجود تطابق كبير في وجهات النظر بين الجانبين السعودي والأمريكي في عدة ملفات. من جهته قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير: إن إيران لا تزال تدعم الإرهاب ودول الخليج تعمل مع أمريكا لمواجهة تدخلات طهران بالمنطقة، مؤكدًا أن تصريحات المسؤولين الإيرانيين هجومية ولا نعلم مدى مصداقيتها والسعودية، والدول العربية مستعدة للدفاع عن شعبها وأرضها، وأضاف أن الرياض تتعاون مع واشنطن لإنهاء دور الأسد في سوريا والانقلاب في اليمن. هل تحقق الهدف من الزيارة؟ بعيدًا عن التصريحات الدبلوماسية والحديث الأمريكي المعسول الذي أغرق الدول الخليجية، يأتي السؤال الأهم: هل حقق كيري الهدف الأمريكي من الزيارة، هل اقتنعت الدول الخليجية بتصريحات المسؤول الأمريكي الذي لم يأت فيها بجديد؟ الإجابة عن هذا السؤال ستكشفه الأيام المقبلة، لكن التوقعات والمؤشرات ترمي إلى صعوبة تحقق الهدف الأمريكي رغم الجهود المبذولة، فالدول الخليجية والزعيمة السعودية لم تعد تصدق الأحاديث الأمريكية التي يثبت عكسها بعد أيام قليلة من التصريح بها، فكثيرًا ما ردد المسؤولين الأمريكيين عبارة «ملتزمون بأمن السعودية والدول الخليجية»، لكن في الأوقات العصيبة تتوارى الأفعال، وتتحكم المصالح في رسم خطوط السياسة الأمريكية، وهو ما ظهر جليًّا في الأزمات كافة، التي مرت بها المملكة، بداية من الأزمة في سوريا مرورًا بالعدوان السعودي على اليمن، وصولًا إلى الأزمة الدبلوماسية بين الرياضوطهران. باتت أمريكا تدرك أن الخزائن الخليجية نفدت، كما أنها لم تعد بحاجة إلى نفط الشرق الأوسط، إضافة إلى أن الإدارة الأمريكية لا تريد الدخول في حروب بالوكالة عن السعودية والدول الخليجية، مما يجعل أمريكا ليست بحاجة إلى تحالف قوي مع السعودية مثلما كان سابقًا.