ضمن رؤية مصر 2030.. تفاصيل مشاركة جامعة العريش بالندوة التثقيفية المجمعة لجامعات أقليم القناة وسيناء (صور)    بينها عيد الأضحى 2025.. 13 يوما إجازة تنتظر الموظفين الشهر المقبل (تفاصيل)    وزير الاستثمار يبحث مع شركة مدن العقارية تطورات مشروع رأس الحكمة    سعر الذهب اليوم الجمعة 23 مايو 2025.. وفقا لآخر التحديثات    الكيلو ب 225 جنيها.. طرح خراف حية قبل عيد الأضحى بالأقصر    البريد المصري يحذر المواطنين من حملات احتيال إلكترونية جديدة    إزالة 13 حالة مخالفة وتنفيذ 11 حالة تعد على أراضى زراعية فى الأقصر    مسئول لبناني: الدولة لن تتوانى عن استرداد حقها وتحرير أراضيها المحتلة    جرائم طعن تهز أوروبا.. خلاف ينتهى بوفاة أب.. وذعر السلاح الأبيض ينتشر بالمدارس    قبل بيراميدز.. ماذا قدمت الفرق المصرية في أول نهائي لدوري أبطال إفريقيا    الأهلي يجهّز ملف شامل للرد على شكوى بيراميدز بالمحكمة الرياضية    تفاصيل مخطط 5 عناصر إجرامية لغسل 60 مليون جنيه    وفاة موظفة بديوان عام محافظة المنيا صدمتها سيارة    ضبط مدير مسئول عن شركة إنتاج فنى "بدون ترخيص" بالجيزة    ننشر مواصفات امتحان العلوم للصف السادس الابتدائي الترم الثاني    "نجوم الساحل" يتذيل شباك التذاكر    "طلعت من التورتة".. 25 صورة من حفل عيد ميلاد اسماء جلال    قصور الثقافة تعرض مسرحية تك تك بوم على مسرح الأنفوشي    خطيب المسجد النبوى يوجه رسالة مؤثرة لحجاج بيت الله    التأمين الصحى: نسبة تسجيل المواطنين بالمنظومة بلغت 65% حتى الآن    أخبار الطقس في السعودية اليوم الجمعة 23 مايو 2025    منها «استقبال القبلة وإخفاء آلة الذبح».. «الإفتاء» توضح آداب ذبح الأضحية    القاهرة الإخبارية: الاحتلال استهدف أهالي حاولوا الوصول إلى شاحنات المساعدات    محافظ الجيزة: الانتهاء من إعداد المخططات الاستراتيجية العامة ل11 مدينة و160 قرية    "فيفا" يعلن استمرار إيقاف القيد عن 7 أندية مصرية.. ورفع العقوبة عن الزمالك بعد تسوية النزاعات    «الإسكان» تتعاون مع «الثقافة» لتحويل المدن الجديدة إلى متاحف مفتوحة    غدًا.. جلسة عامة لمناقشة مشروع قانون تعديل بعض أحكام "الشيوخ"    استمرار تدفق الأقماح المحلية لشون وصوامع الشرقية    أرني سلوت ينتقد ألكسندر أرنولد بسبب تراجع مستواه في التدريبات    شرطة الاحتلال تعتقل 4 متظاهرين ضد الحكومة بسبب فشل إتمام صفقة المحتجزين    انطلاق قافلة الواعظات للسيدات بمساجد مدينة طلخا في الدقهلية    أسعار الحديد والأسمنت اليوم فى مصر 23-5-2025    وفد الصحة العالمية يزور معهد تيودور بلهارس لتعزيز التعاون    تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء.. تحرير 137 مخالفة لمحلات لم تلتزم بقرار الغلق خلال 24 ساعة    رئيس "التنظيم والإدارة" يبحث مع "القومي للطفولة" تعزيز التعاون    "بئر غرس" بالمدينة المنورة.. ماء أحبه الرسول الكريم وأوصى أن يُغسَّل منه    الحوثيون يعلنون استهداف مطار بن جوريون بصاروخ باليستي    صلاح يتوج بجائزة أفضل لاعب في البريميرليج من «بي بي سي»    غلق كلي لطريق الواحات بسبب أعمال كوبري زويل.. وتحويلات مرورية لمدة يومين    رئيس بعثة الحج الرسمية: وصول 9360 حاجا من بعثة القرعة إلى مكة المكرمة وسط استعدادات مكثفة (صور)    الدوري الإيطالي.. كونتي يقترب من تحقيق إنجاز تاريخي مع نابولي    الخارجية: الاتحاد الأفريقى يعتمد ترشيح خالد العنانى لمنصب مدير عام يونسكو    ضبط 379 قضية مخدرات وتنفيذ 88 ألف حكم قضائى فى 24 ساعة    الهلال يفاوض أوسيمين    الأمين العام للأمم المُتحدة يعلن تعيين ياسمين فؤاد أمينة تنفيذية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر    يدخل دخول رحمة.. عضو ب«الأزهر للفتوى»: يُستحب للإنسان البدء بالبسملة في كل أمر    رئيس الأركان الإسرائيلي يستدعي رئيس «الشاباك» الجديد    عمر مرموش يهدد رقم فودين فى قائمة هدافى مانشستر سيتى    بسمة وهبة ل مها الصغير: أفتكري أيامك الحلوة مع السقا عشان ولادك    رمضان يدفع الملايين.. تسوية قضائية بين الفنان وMBC    جامعة القاهرة تعلن عن النشر الدولى لأول دراسة بحثية مصرية كاملة بالطب الدقيق    زلزال بقوة 6.3 درجة يهز جزيرة سومطرة الإندونيسية    دينا فؤاد تبكي على الهواء.. ما السبب؟ (فيديو)    موعد نهائي كأس أفريقيا لليد بين الأهلي والزمالك    نموذج امتحان مادة الmath للصف الثالث الإعدادي الترم الثاني بالقاهرة    أدعية مستحبة في صيام العشر الأوائل من ذي الحجة    خدمات عالمية.. أغلى مدارس انترناشيونال في مصر 2025    جانتس: نتنياهو تجاوز خطًا أحمر بتجاهله توجيهات المستشارة القضائية في تعيين رئيس الشاباك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نصف عقد من الثورة .. الفزع في مقابل البقاء
نشر في البديل يوم 21 - 01 - 2016

ثلاثةٌ جدّهن هزل و هزلهن هزل، أسباب الثورة ومدنية الدولة وترنح الإنقلاب، فكما أن هناك من يتحدثون عن الدولة المدنية الحديثة وفي أدمغتهم أن تلك الدولة القائمة قد تصلح أساسا لها، وهو ما يعتبر هزلا، يتحدث آخرون عن ترنح الإنقلاب دونما حتي محاولة منهم لفهم لماذا كان هناك انقلابا؟ ولماذا توفرت أسباب نجاحه؟ وهو ما يعتبر هزلا كذلك، فبكل تأكيد أن من ينخرطون في تفنيد أسباب الثورة ووجودها اليوم هم الهزل ذاته.. لقد قامت الثورة منذ نصف عقد ولا ينكر وجود أسبابها إلا فاسد أو مخبر أو الديك لهيطة!
ولكن فيما يبدو، من النقاشات العبثية الدائرة، أن ثورة يناير لم تكن حدثا نادرا مر عابرا بحياة سكان الوادي الطيب سهلي المعشر سهلي الإنقياد وحسب، بل اتضح أنه محيرا أيضا للكثيرين، حتي لأولئك الذين انخرطوا فيه. يحدث هذا عندما ينخرط الناس في الجدل حول أسباب الثورة، وكأنهم يعيدون اكتشاف ثورتهم من جديد، هل حقا قامت الثورة بسبب التوريث وغياب الديمقراطية، بسبب الفساد، بسبب التفاوت الطبقي الحاد بين المواطنين للحد الذي تجد فيه أبراجا فارهة تطل علي عشوائيات تفتقر حتي للمقومات الدنيا للحياة؟!
أسئلة كتلك تفتح الباب واسعا لكل الإجابات، بما في ذلك نظرية المؤامرة والمخططات الصهيوأمريكية وإيران وحزب الله وكتائب السحر الأسود والوحش المقنّع و سلاحف النينجا.. يحدث ذلك دائما عندما تطرح أسئلة عبثية فإن أردت إجابة جادة فعليك أن تطرح سؤلا جادا، والسؤال الجاد في تقديري هو لماذا لم تقم الثورة قبل ذلك؟!
ما يساق من أسباب للثورة ليس وليد أيام أو شهور أو حتي سنوات مبارك الأخيرة، فقد كانت الأسباب دائما حاضرة في مصر الحديثة منذ تأسيسها، فمصر لم تعرف تجربة ديمقراطية حقيقية، و حتي تلك الفترة التي تسمي بالحقبة الليبرالية، لم تكن ليبرالية كما يتخيل البعض، ولا كانت ديمقراطية كما يفترض، والفساد كان حاضرا بشتي صوره منذ التأسيس علي يد الباشا و رجاله، و تاريخنا الطويل مع السفاحين لا ينتهي، وكذا مع البصاصين ومقدمي الدرك، ودائما ما كان الحكم مُورّثا بشكل أو بآخر، ودائما ما كان هناك حاكم سفيه وحاشية بكروش ومؤخرات ممتلئة، و هناك أيضا الهزيلون المتسخون الذن يبحثون عن قوتهم في أكوام القمامة، ودائما ما كان مناديب الدولة الفاسدون حاضرون بقوة في كل عهد، و ربما لهذا ظلت أفلام الريحاني التي أنتجت في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي حية ومعبرة عن واقع لا زلنا نعيشه، فناظر الوقف الفاسد في فيلم أبو حلموس لا زال حيا يُرزق، وكذلك شحاتة أفندي بخيت الموظف الحلنجي، الذي يعرف تماما كيف يستّف الأوراق، ولا زال جابر أفندي الموظف الشريف الذي يتم فصله من عمله في وسية عمر الألفي لأمانته في فيلم سي عمر موجودا أيضا.
لم تقم الثورة قبل يناير برغم توفر أسبابها؛ لأن الثورة تحتاج لما هو أكثر من أسباب، تحتاج إلي الملهمين الذين يبشرّون بعالم أفضل، و الملهم لا يخاطب السلطة أو يقدم لها عرائض المطالب، بل يطرح ذاته بديلا لها، و لا يجالس المواطنين ليشرح لهم درايته بمعاناتهم، بل ليعدهم بأحلام مغايرة ومصائر مختلفة، فالجماهير تحتاج للأمل أكثر من حاجتها للتضامن، غير أن الله ابتلانا بنخب شاخت وتكلست وافتقرت الهمة و الخيال، حتي صارت لا تعرف من المعارضة سوي موقف الضد، و لا تتصرف حيال الجواسم سوي ببيانات إبراء الذمة، و من يُعرّف نفسه بالضد ليس ملهما ولا مبشرا بعوالم جديدة، لكن الجماهير الباحثة عن الأمل تلقّفت إلهامها من خارج الحدود ومن وراء تخوم الدولة علي أي حال، فتجاوزت نخبها المذعورة وهي ماضية في طريقها للثورة.
الناس تعرف أحوالها جيدا، تعلم متي تباغت ومتي تتقهقر ومتي تنسحب، يشعرون بوطأة الأزمات ويعانون، يرون الفساد والقمع ويكتوون به، يغلقون أبوابهم ويلوذون بالكتمان في أوقات الجنون، هم متجاوزون لدولتهم ولنخبهم ولمثقفيهم، فهم حقا من يُسيّرون حيواتهم ويحفظون أمن أنفسهم ويديرون عجلة اقتصادهم، فمن يتصوّر أن الدولة هي من تحفظ الأمن أو تنتج أو تعيل المواطنين هو إما مذعور جاهل أو فاسد مذعور. لكن ما ينقص الناس هو من يلهمهم للفعل، ومن يثق باختياراتهم ويثق في قدرتهم علي تصحيح أخطائهم إن أخطأوا. هم لا يريدون وصيّا ولا متذيّلا، ولا يثقون في المسميات، فلطالما تم التلاعب بها، و لا يريدون من يعرّف نفسه بالضد، ولا من لا يدري ماهية ما يمثّل.
هم يثقون في حدسهم حيال ما هو جديد، وفي خبرتهم، يعرفون الأشياء بوصفها لا بمسماها، و هو ما لم يجدوه في نخب رفعوها إلى القيادة. لا يعني هذا اكتمال المعرفة أو انتفاء تزييف الوعي، ولكن الشعوب تصنع تجربتها وتخطئ وتصيب في خياراتها، و لا سبيل إلى نجاح التجربة سوي استمرارها، فالديمقراطيات المستقرة لم تولد هكذا، و مخاضها لم يكن سهلا ولا منعطفاتها كانت آمنة، لكنها تركت لنا إرثا وعلامات تضئ الطريق.
وكما تبدو المقارنات بين تجربتنا والديمقرطيات المستقرة مخلّة، قد تكون المقارنات مع ثورات أخري أيضا مخلّة، ربما تبدو ثورتنا شديدة الشبه بالثورة الفرنسية، وربما تكون الإجابة تونس كما يعتقد البعض، و ربما تركيا، وربما علينا أن نبحث نحن عن إجابة سؤالنا بأنفسنا، ولكن الأهم أن على من يحملون هم الثورة علي عواتقهم سواءً اعتبرو أنفسهم نخبة أو جنود مشاة أن يعرّفوا أنفسهم أولا بالإيجاب لا بالسلب، و أن يبشّروا بعالم أفضل له ملامح و تفاصيل ويحمل إجابات لحلحلة الأزمة، عالم يعالج الأسباب، ولا يعاود طرحها مجددا هربا من الإجابة.
و لنتذكر أنه عندما تمر الأنظمة المجرمة بمنعطفات تهدد بقائها تلجأ إلى المواجهة، فإن لم تر في ذاتها القدرة على المواجهة عندها تلجأ إلى محاولة تعطيل الزمن أو شراء الوقت، لكن عند ذلك عليها أن تقدم شيئا في المقابل، فصدام حسين عندما كان مهزوما ومحاصرا قايض محاصريه بالنفط في مقابل الوقت، فهذا ما كان يمتلكه، وإسرائيل عندما أرهقتها المقاومة اقترحت قليلا من الأرض مقابل الوقت أيضا، فهذا ما امتلكته لتقدمه، أما نظامنا المجرم التافه المحاصر بفشله وعجزه فيشتري الوقت في مقابل الفزع، فهذا ما يمتلكه، فلا شئ آخر يقدمه لرعاياه سوي الفزع، وتلك بضاعة لا تشتري الكثير!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.