قليلة هي المرات التي نراجع فيها أفكارنا السائدة والمألوفة والموروثة التي وجدنا عليها آباءنا والتي نرددها مكرراً دون ملل ودن خجل ودون مراجعة !! فنحن أصحاب ثقافة ترتاح إلي ترديد السائد ومعاودة الشائع وتكرار المألوف ولأننا لا نهتم بمراجعات فكرية تشتد الحاجة إليها تواكب الأحداث وتضع المتغيرات في الحساب فإننا تاليا نعمد إلي تكرار أخطائنا والسير في الطرق الوعرة والمعوجة نفسها ونفكر بنفس الأساليب والمناهج بطريقة تدعو إلي الضجر وبتكرار ومعاودة تجعل من المصيبة مصائب ومن الكارثة كوارث ومن الخراب خرابات فمن خراب لبناني إلي خراب فلسطيني إلي خراب صومالي إلي خراب عراقي سبقه خراب كويتي ثم خراب سوداني وخراب يمني حاليا فيما نحن مصرون علي عدم التروي وعدم التزام التحليل الدقيق للحالة وفيما نحن عاجزون عن المراجعة وفيما نحن رافضون للفهم وفيما نحن ممانعون بشدة للاستفادة من الدرس فلم نتعلم مصرياً مثلا من احتلال إنجلترا لنا وفقد سيادتنا بالكامل بسبب تصرفات منفردة للحاكم الخديو إسماعيل فبعد ما يقارب القرن هانت الأمور لدرجة أنه تم احتلال جزء من أرضنا في العام 67 من قبل من كانوا مجرد عصابات صهيونية للسبب ذاته فلقد تركنا الحاكم يتصرف في مصائرنا منفرداً مجدداً فدرس التاريخ يؤكد أنه حيث لا يكون للناس رقابة علي القرار والانفاق تكون السيادة في مهب الريح ويكون النمو وإن حدث كحمل خارج الرحم أو ورم خبيث سيؤدي في النهاية إلي الموت الأكيد. ولأننا من هواة الحركة الدائرية التي تعود بنا بعد الجهد إلي النقطة نفسها ولأننا لم نتعود انجاز أي مرحلة حتي آخرها.. أو لأنه يوجد دائما جديد نتعلمه أو نلتفت إليه أو ندركه !! فإننا ندعي المعرفة فيما لا نعرف شيئاً وندعي الادراك فيما نحن نصدم دائما بالأحداث والمتغيرات وندعي اليقظة فيما نحن نهمل بناء الدولة الوطنية الحديثة أو حتي نحاول استكمال دعائمها !! ونقول بأهمية السيادة والاستقلال ونحن لا نفعل ما يؤكد سيادتنا ويصونها ولم نكمل ما هو مطلوب منا بعد ذلك الاستقلال المزعوم.. فيما مازلنا نتمسك في وعينا العام والنخبوي أيضا بنظرية بالية تتأسس علي القطيعة بين السلطة والشعب والتي تبني علي أساس أن السلطة مجرد فعل استعماري ليس إلا فيما الناس بريئة وخيرة ولأن هذه النظرية تقوم علي تصور ضيق لكنه سائد ومغلق ينحصر بين محورين لا ثالث لهما أن السلطة شريرة وأن الشعب خير فيما تؤكد علي الفصل الشديد بينهما ولأن الحكومة فاسدة والشعب صالح ونقي فيكون الحال عند معتنقي هذه النظرية الزائفة هو الثورة !! والثورة طبعاً ستنطلق من الشعب النقي الصالح ضد الحكومة الفاسدة فينتهي الاعوجاج فوراً وتتبدل الحال حالاً جديداً ويتغير الواقع فجأة ولأن تلك النظرية في رأينا تثير الشفقة علي فهم معتقديها السطحي والبسيط فقط أصبحت أعجز من أن تفسر تلك التداخلات بين ما يسمي سلطة وما يطلق عليه الشعب حيث ذلك الانفصال المزعوم والمتوهم والذي يشبه إلي حد كبير التفسير الطبقي في زمن يحار فيه كارل ماركس نفسه أن يتحدث عن طبقات مفصولة وأن يحددها !! ولأن الواقع بتعقيداته وتداخلاته يفضح تلك النظرية ولأن العقل بإدراكه يرفض ذلك التقييم الخيالي فلابد من ادراك مضمون المثل الفرنسي لكل شعب الحكومة التي يستحقها فالسلطة الشائهة نتاج شعب شائه والسلطة المستبدة نتاج شعب مستكين والسلطة الشمولية نتاج جماهير تفكر بعقلية القطيع وتتمني الاجماع والسلطة الغاشمة نتاج شعب مفرط في حقوقه ومهمل في واجباته الوطنية والمثل العامي يقول رمزيا يا فرعون إيه فرعنك قال مالقتش حد يردني وفي تأويل آخر يلمني والحكمة تقول كثرة التنازلات تخلق في المقابل شخصية استبدادية والشعوب المستكينة والغافلة هي السبب الرئيسي لظهور حكام مستبدين ومنفلتين ومتهورين فهم النتاج الطبيعي والحصاد المتوقع فكما تزرع تحصد هذا هو الموضوع سلطة سيئة شعب سيئ هذه هي الثنائية وعكسها صحيح فيما لا يبقي إذا سلمنا بتلك الثنائية المنطقية أن ندرك خطأ تلك النظرية التي تتردد وتعاود التكرار وتخنقنا بين محوريها المتناقضين سلطة شريرة وشعب خير وأن نعي كذلك خطأ مخرجها المتوهم والمزعوم حلا وهو الثورة ولا أدري عن أي ثورة يتحدث هؤلاء وينتظرون وعن أي مخرج يبحثون إنه المنطلق الخلاصي.. الذي يعيش في انتظار الوهم!! المخرج الوحيد أن يحتل تعلم السياسة والانخراط فيها صدارة النشاط في المجتمع بعد أن تم تعطيله سنين طويلة وبعد أن دمرت مؤسساتها لا حل دون أن ينخرط الناس في الأحزاب السياسية دون مخاطر وبإحساس طاغ بأن الانضمام لأي حزب هو واجب وطني واجب المشاركة واليقظة وأن ينخرطوا في العمل الوطني وأن يتمكن المجتمع المدني من بناء مؤسساته وهذا هو أساس التحديث والسير في طريق بناء الدولة الوطنية الديمقراطية التي تأخرنا في استكمال دعائمها كثيراً. لكن يبقي السؤال أي مرض عضال يسكن النخب والجماهير معاً وإلي متي سنتمسك بتداعيات تلك النظرية البالية التي تتأسس علي الفصل بين السلطة والشعب وعلي أن السلطة فعل استعماري لنظل نردد ونحن نائمون أن الآخر هو سبب التخلف وأن الأوضاع التي نحياها مفروضة علينا وأننا لا نستطيع تغييرها أو الفكاك منها وأنه ليس بيدنا سوي الدعاء علي الظالمين والدعاء كوسيلة للتغيير !!. حكاية إبان الاحتلال الإنجليزي لمصر حكمنا حاكم إنجليزي كرومر مدة لا تقل عن 25 عاما ولأنه ابن ثقافة مغايرة لنا فقد استمع إلي إحدي الأغاني المصرية وقتها وتساءل عما يقوله المغني فقالوا له بيقول هاتولي حبيبي فرد قائلاً يروح هوه يجيب حبيبه.