شهدت الأسابيع الماضية تراجعًا حادًّا في أسعار النفط العالمية، حيث هبط إلى أدنى مستوى له منذ 13 عامًا، فسعر برميل النفط الذي وصل في منتصف عام 2014 إلى 120 دولارًا، هبط إلى 29 دولارًا مطلع العام الحالي؛ وهو ما أثار الكثير من الجدل حول أسباب الهبوط وطرق معالجته بالدول التي تعتمد على النفط كمصدر أساسي لاقتصادها. أسباب هبوط أسعار النفط يُعَدُّ السبب الرئيسي لهبوط أسعار النفط هو زيادة العرض لدول الأوبك، وبالأخص السعودية، التي تستمر في إنتاج الكثير من النفط، بالإضافة للفائض النفطي الموجود في جميع المراكز النفطية من المخزون التجاري والاستراتيجي، والذي قد يزيد على 3 ملايين برميل في اليوم حاليًّا، مع استمرار جميع الدول المنتجة للنفط في مواصلة زيادة إنتاجها وتضاعف إنتاج النفط الأمريكي. أكثر الدول تأثرًا بهبوط أسعار النفط أصبحت الدول المنتجة للنفط، والتي تعتمد على الاقتصاد الريعي في مأزق حقيقي. ومن أكثر الدول تأثرًا السعودية وفنزويلاوإيرانونيجيرياوروسيا، وغيرها من الدول التي تعتمد اقتصاداتها على واردات النفط بشكل أساسي، وعكست تصريحات وزير النفط الفنزويلي إيولخيو ديل بينو خطورة الوضع، بقوله: إذا حصل وامتلأت مستودعات التخزين في العالم من فوائض السوق، فإن الأسعار ستستمر في التراجع، وسنصبح على شفا كارثة. السعودية تُعَدُّ السعودية من أكثر الدول الخليجية تأثرًا بالأزمة، فإذا كانت الكويت والإمارات قادرتين على سد العجز لسنوات طويلة عن طريق الاعتماد على الاحتياطي المالي الضخم لديها، فإن هذه الاحتياطات معرضة للنفاد في السعودية خلال خمس سنوات، إذا استمر الوضع على ما هو عليه، وذلك حسب توقعات صندوق النقد الدولي؛ فعدد سكان السعودية يفوق عدد دول المجلس الخليجي مجتمعة، فضلًا عن أنها تقود "التحالف العربي" في عدوانها على اليمن الذي كلفها حتى الآن أكثر من 60 مليار دولار، كما أنها تمول العديد من الحركات السياسية والميليشيات العسكرية في سوريا واليمن وحكومات حليفة لها في المنطقة، كما هو الحال في مصر والأردن والمغرب ولبنان والباكستان، إضافة إلى سعيها لقيادة تحالف جديد تحت مسمى "التحالف الإسلامي العسكري". وتشير المعلومات إلى أن الاحتياطات المالية السعودية تراجعت من 750 إلى 670 مليار دولار منذ بداية 2015، بينما تقدر احتياطات الكويت بأكثر من 600 مليار دولار، في حين تزيد الاحتياطات الإماراتية على 750 مليار دولار. حلول سعودية تعول السعودية على الاحتياطات المالية؛ لتمويل العجز في الموازنة الحكومية، حيث سحبت السعودية نحو 70 مليار دولار خلال الأشهر الستة الأخيرة من استثماراتها في جميع أنحاء العالم؛ وذلك لسد العجز في الميزانية، الذي بلغ عام 2015 رقمًا قياسيًّا، هو 98 مليار دولار، فيما تراجعت احتياطاتها المالية بنحو 73 مليار دولار مع بدء انخفاض أسعار النفط الخام يونيو 2014. وتدرس الحكومة السعودية رفع أسعار المحروقات، بعد سحب عشرات المليارات من الاحتياطات وبيع سندات بعدة مليارات أخرى، كما تسعى لفرض المزيد من الضرائب على المواطنين. الإيرادات غير النفطية في السعودية حققت تطورًا، لكنه ما زال دون المستوى؛ إذ ارتفعت بنسبة 29% في عام 2015، إلا أنها لم تتجاوز 45 مليار دولار. وعلى ما يبدو فإن حلول السعودية المتمثلة في الاقتراض ورفع الأسعار وتجميد بعض المشاريع الكبيرة كمترو الرياض ليست كافية لسد العجز؛ ما دفعها للإعلان عن تحضيرات لخصخصة أجزاء من شركة "أرامكو" النفطية المملوكة للدولة؛ بصفتها القطاع الأول المعرض لخسائر هيكلية. وتعتزم السعودية تأسيس صندوق سيادي جديد؛ لإدارة جزء من ثروتها النفطية وتنويع استثماراتها، وطلبت من بنوك استثمارية وجهات استشارية تقديم مقترحات للمشروع. إيران يعتمد الاقتصاد الإيراني بشكل كبير على تصدير النفط والغاز، حيث تمتلك إيران 10% من احتياطيات النفط بالعالم، وهي عضو في منظمة البلدان المصدر للنفط أوبك، وتنتج 4 ملايين برميل يوميًّا، أكثر من نصفها يُصدَّر إلى الخارج، فيما تذهب الكمية الباقية للاستهلاك المحلي. وفقًا لتقرير التنمية الصادر عن البنك الدولي، رفعت الحكومة الإيرانية في نهاية 2014 سعر صرف الدولار في البنك المركزي من 25 ألف ريال إلى 26 ألفًا وخمسمائة؛ بسبب هبوط سعر النفط من مائة دولار إلى سبعين دولارًا للبرميل. حلول إيرانية يُعَدُّ الاتفاق النووي خطوة هامة تصب في صالح الاقتصاد الإيراني، حيث أعيد 30 مليار دولار من أرصدة إيران المجمدة، والتي تتراوح بين 100 و182 مليار دولار، كما يمكن لإيران أن ترفع منسوب إنتاجها النفطي إلى 500 ألف برميل يوميًّا. وعلى ما يبدو فإن إيران بدأت بالفعل في إيجاد حلول غير نفطية للخروج من الأزمة، من ضمنها بيع الماء الثقيل، حيث يقول نائب رئيس البرنامج النووي الإيراني إن بلاده تأمل في إعادة تصدير المياه الثقيلة التي تفيض عن حاجة المفاعل. ويؤكد الخبراء قدرة إيران على إنتاج المياه الثقيلة بما لا يقل سنويًّا عن 22 طنًّا من مفاعل آراك. وتقول إيران إنها لا تستهلك منها سوى 6 أطنان فقط. وبخلاف بيع الماء الثقيل، فإن الاستثمارات الغربية بدأت تشق طريقها نحو طهران، حيث سبقت الشركات الغربية الضخمة الاتفاق النووي إلى إيران، وجهزت منذ عدة أشهر صفقات ضخمة، تنتظر البدء في التحرك؛ لتنفيذ هذه الصفقات. العقوبات الاقتصادية على إيران كان لها جانب إيجابي من حيث الاعتماد على الذات في توسيع القاعدة الإنتاجية بالبلاد، من خلال الاعتماد على التكنولوجيا المحلية، والتي سيتم جني ثمارها بعد رفع العقوبات بصورة كلية، كما أن إيران استطاعت تطوير صناعات عسكرية زودتها بترسانة حربية كبيرة يمكن تسويقها عالميًّا. فنزويلا تُعتبَر فنزويلا من أكبر احتياطيات العالم بالنفط، وفي الوقت نفسه تُعَدُّ من أكثر البلدان تضررًا من تراجع أسعار النفط؛ فالبترول يشكل 50% من إيرادات الحكومة، كما يمثل النفط حوالي 96% من إيرادات العملة الصعبة. وفي يناير الحالي هبط سعر سلة فنزويلا إلى 24.38 دولار للبرميل، وهو أدنى مستوى منذ 12 عامًا. البنك المركزي الفنزويلي، وفي أول بيان رسمي له، قال إن الناتج المحلي الإجمالي هبط بنسبة 7.1% على أساس سنوي في الربع الثالث من العام الماضي. ولم يقتصر تأثير هبوط أسعار النفط على الجانب الاقتصادي والاجتماعي، فتبعاته طالت الجانب السياسي في فنزويلا، حيث خسر حزب رئيس البلاد نيكولاس مادورو خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة خسارة يرجعها المحللون إلى غضب المواطنين من طريقة تعاطي الحكومة للأزمة الاقتصادية إزاء انهيار أسعار النفط. فنزويلا وطرق الحل طالب وزير النفط الفنزويلي إيولوخيو ديل بينو منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" باعتماد سعر متوازن للنفط، قائلًا: لا نريد مثل هذا النمط من دورة تراجع السعر وارتفاعه؛ فهي ضارة بالمستهلكين والمنتجين على حد سواء. نحتاج إلى أن نرسل إشارة استقرار إلى السوق. وإشارة الاستقرار هذه ليست ما نقوم به حاليًّا. نحن ندمر سعر النفط الخام، والمضاربةهي المسيطرة على السوق. وتابع: نحن لا نتفق مع الموقف السعودي. وأصدرت الحكومة الفنزويلية مرسومًا رئاسيًّا 15 يناير الحالي، تعلن فيه حالة طوارئ اقتصادية لمدة شهرين في فنزويلا، ولم يتضمن المرسوم الذي سيناقشه البرلمان الأسبوع القادم أي تغييرات رئيسية في السياسة، مثل تخفيض قيمة العملة، أو زيادة في أسعار الوقود المدعومة. نيجيريا تحتل نيجيريا المركز الثالث عشر، سواء في الإنتاج أو الاحتياطي النفطي على مستوى العالم. وبالرغم من ذلك تضرر أكبر اقتصاد في إفريقيا بشكل بالغ من هبوط أسعار النفط خلال العام الماضي؛ لأن مبيعات النفط الخام تمثل 90% من عائدات الحكومة النيجيرية. حلول نيجيرية تحاول نيجيريا البحث في قطاعات أخرى غير النفطية؛ في محاولة لإيجاد حلول للخروج من أزمتها الاقتصادية الراهنة، حيث تعمل خلال العام الحالي على تحقيق نسبة نمو تتجاوز 4.7٪، عبر التركيز على قطاعات الطاقة والإسكان والنقل. توجهت الحكومة النيجيرية إلى حلول خارجية، ففي أعقاب اجتماع مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد مع الرئيس النيجيري محمد بخاري في أبوجا 5 يناير الحالي، قالت لاغارد: إن صندوق النقد الدولي جاهز لمساعدة الحكومة النيجيرية؛ لتنفيذ انضباط مالي واتباع سياسة نقدية ناجحة. لكنها في الوقت نفسه نفت أن يكون سبب زيارتها لنيجيريامناقشة أية قروض تطلبها البلاد من صندوق النقد. وتوقعت أن يصل فريق خبراء الصندوق إلى العاصمة النيجيرية الشهر الجاري؛ بهدف مناقشة المادة الرابعة، التي تنص على دراسة الخبراء لاقتصاد البلاد ووضعه المالي، وتقديم النصائح اللازمة للنهوض بالاقتصاد، وتخفيض نسب الدين العام، ورفع أرقام الناتج المحلي. ترتيب الدول المنتجة للنفط يُذكَر أن روسيا في مقدمة الدول الأكثر إنتاجًا للنفط، حيث يبلغ إنتاجها 10 ملايين و730 ألف برميل نفط يوميًّا، تليها السعودية، حيث تنتج 9 ملايين و570 ألف برميل، ثم الولاياتالمتحدةالأمريكية، وتنتج 9 ملايين و23 ألفًا، وإيران كانت تنتج 4 ملايين و231 ألف برميل قبل تطبيق العقوبات الاقتصادية، ثم الصين، وتنتج 4 ملايين و 73 ألفًا، وتأتي كندا سابعًا ب 3 ملايين و 592 ألفًا، تليها العراق بإنتاج يبلغ 3 ملايين و400 ألف، فالإمارات وتنتج 3 ملايين و87 ألفًا، فالمكسيك بمليونين 934 ألفًا، والكويت بمليونين و682 ألفًا. ويختلف ترتيب الدول صعودًا أو هبوطًا وفقًا لإحصاءات الإنتاج النفطي لكل سنة. ففي عام 2013 حققت فنزويلا المركز التاسع على العالم، حيث أنتجت أكثر من 3 ملايين برميل يوميًّا، وفي نفس العام أحرزت نيجيريا المركز الثالث عشر، حيث بلغ إنتاجها اليومي 2.5 مليون برميل.