وسط مدينة المنيا وقصورها الشاهقة وبين ضفاف النيل ومحطة القطارات، يبقى ميدان «بالاس» شاهدًا على أحداث تاريخية عاصرت المحافظة، جمعت بين النضال الثوري وعصر من الفساد، وفي الذكرى الثالثة لثورة يناير يحيي الصمت قصة ميدان. ظل أشهر ميدان بالمحافظة نقطة انطلاق والتقاء انتفاضة ثورات المنيا منذ 1919، مرورًا ب25 يناير، ووصولًا إلى 30 يونيو، احتضن الثوار كما احتضن مؤخرًا معظم الفعاليات الثقافية والفنية، ومنذ عهود طويلة اتخذه الأهالي متنزهًا لهم، رغم إنشاء كورنيش النيل الذي يعد الأفضل والأطول على مستوى الجمهورية. 1919 انتفاضة ومحاكمات في ثورة 1919 عقب انتفاضة ثوار ديرمواس وإيقاف قطار الإنجليز وقتل المفتش بوب، عقد الثوار بميدان بالاس مؤتمرًا جماهيريًّا واعتصامًا مفتوحًا بقيادة الشيخ محمود عبد الرازق وتوفيق بك إسماعيل والمحامي رياض الجمل، هاجم الإنجليز المؤتمر، وألقوا القبض على قيادات الثورة، بعد عملية إنزال بحري من سفنهم الراسية على النيل أمام مدينة المنيا، وزجوا بهم في السجون بناء على محاكمات صورية زائفة. العصر البائد.. حزب وطني طوال فترة حكم مبارك ظل بالاس رمزًا للفساد السياسي، حيث اتخذ الحزب الوطني قصر صاروفيم باشا المقابل للميدان مباشرة مقرًّا له، وظل نقطة تجمع فلول المنحل، وبعد ثورة يناير طالته أعمال حرق ونهب وسرقة محتوياته وأثاثه، بعدها ظل مغلقًا حتى 2014 تحول المبني التاريخي إلى مقر لمجلس الدولة. 2010 بشاير يناير وقبل ثورة 25 يناير خرج بعض أهالي مدينة المنيا في مسيرة ضد الحزب الوطني المنحل، قادها عدد من المرشحين غير الفائزين، اعتراضًا على نتائج انتخابات 2010 وما شهدته من تزوير، وأخذ الجميع يردد هتافات ضد عملية تزوير نتائج الانخابات. 25 يناير.. روح الثورة واحتضن بالاس معظم الفعاليات الثورية في 25 يناير، منذ اليوم الأول للثورة حتى تنحى مبارك، واستمرت الفعاليات لما بعد 30 يونيو والإطاحة بالمعزول محمد مرسي. وظل الميدان نقطة المحور لتجمع الشباب، وانطلاق والتقاء المسيرات والوقفات والاعتصامات، وامتد الحراك الثوري ليتفاعل مع الأحداث السياسية في هذه الفترة، بدءًا من ثورة يناير وجمعة الغضب وأحداث محمد محمود وأحداث الاتحادية وجمعة إنقاذ الثورة ورحيل مبارك، وتولى مرسي ثم السيسي، وامتدا أيضًا ليشمل إحياء ذكرى الأحداث تلك. وتنوعت أوجه الفعاليات الثورية بالميدان، فمع المسيرات والتظاهرات، كانت عروض الداتا شو والرسم على الجداريات والأوراق، واللافتات والملصقات والهتافات، وبعض العروض الفنية والثقافية الثورية، كالعزف على العود وإلقاء الشعر والمسرحيات والخطب الثورية. تنصيب مرسي وفي 30 يونيو 2012 احتشد أنصار المعزول احتفالًا بتنصيبه رئيسًا، وشارك الحفل الجماعة الإسلامية وحزب النور، وشهد الميدان إطلاق الأعيرة النارية، وسط الهتافات واللافتات المؤيدة. 30 يوليو وفي 30 ينويو 2013 شهد الميدان تراشقًا بالحجارة بين مؤيدي مرسي ومعارضيه؛ بسبب هتافات مطالبه برحيله، وكانت سيارة يستقلها عدد من شباب القوى الثورية، لنقلهم إلى ميدان بالاس، حيث مكان التظاهر وأثناء مرورها بمنطقة المحطة أمام مقر جماعة الإخوان المسلمين، وعقب ترديد هتافات مناهضة لحكم الإخوان، ردد أعضاء الإخوان هتافات ضدهم وعليه تبادل الطرفان تراشق الحجارة. اشتباك وتخلل الفعاليات الثورية اشتباكات عدة بين الثوار وأنصار المعزول، ففي 29 نوفمبر 2012 خرجت مسيرتين إحداهما مؤيدة للإعلان الدستورى نظمتها التيارات الإسلامية، والأخرى معارضة نظمتها حركة شباب 6 أبريل. وفي مطلع يوليو 2013 خرج عشرات الآلاف من المتظاهرين في مسيرة هي الأكبر في تاريخ المحافظة، انطلقت من الميدان إلى مبنى الديوان العام، احتفالًا برحيل مرسي، كما خرجت مسيرة لأنصار التيار الإسلامي من مسجد عمر بن الخطاب بحي أبو هلال غرب مدينة المنيا. الفن ميدان اسمه «بالاس» لم يقتصر الحراك الثوري والشعبي ببالاس على المظاهرات والاحتفالات، فشهد الميدان بعض الإيفنتات والفعاليات الفنية والثقافية، كان آخرها احتفالية «بابا نويل» بالمولد النبوي، وفعاليات نظمها مجموعة من الشباب المستقلين للرسم والتلوين بعنوان «ارسم ولون». «بالاس» 2016 تغيرت معالم الميدان واسمه، وأزيلت الكتابات والرسوم الثورية، فمن بالاس إلى ميدان الشهداء، وأنهت المحافظة أعمال تطوير وتجميل الميدان، بعد قرار محافظ المنيا صلاح زيادة وقتها 9 أكتوبر 2013، بوضع خطة لتطوير بالاس شملت حديقة الميدان والمقاعد والتشجير والإنارة. وبقي الميدان بوضعه الحالي مقصدًا للتنزه بوجه عام وفي المناسبات والأعياد. يعرفهم الميدان وظلت بعض القوى والحركات والأحزاب الثورية والسياسية صانعة الحراك الثوري بالميدان خلال الأعوام الخمس الماضية وهي (حركة 6 إبريل حركة 25 يناير حركة شباب الثورة حركة اعتقونا حزب الدستور حزب التحالف الاشتراكي الحزب المصري الديمقراطي التيار الشعبي حزب المصريين الأحرار الحزب الناصري). يضاف إلى ذلك المئات من الشباب المستقل سياسيًّا من مختلف مراكز محافظة المنيا. عبقرية المكان لم يكن توسط ميدان بابلاس مدينة المنيا كل ما يميزه، فالميدان يحفه بعض القصور الأثرية المدرجة آثارًا حديثة، والتاريخية المدرجة معمارًا فريدًا، مثل قصر «صاروفيم باشا» الذي اتخذه الحزب الوطني المنحل مقرًّا له حتي وقت قريب، وقصر الشوق لصاحبه بطرس حنين وقصر سافواي، ويحف الميدان من الجهة الشرقية نهر النيل ومن جهة الغرب محطة قطارات المنيا. في الوقت ذاته يعد الميدان ملتقى الشوارع التاريخية والتجارية الشهيرة بمدينة المنيا، كشارع الحسيني وبن خصيب وشارع كورنيش النيل، وأيضًا ملتقى بعض المصالح الحكومية المهمة كنقابتي الزراعيين والمعلمين والبنك الأهلي والشركة المصرية للاتصالات ومديريتي الأمن والأوقاف.