تبنت «البديل» حملة بعنوان «اعرف تاريخك» لنشر الوعي حول الآثار المصرية في كثير من العصور التاريخية. وحديثنا اليوم عن «بوابة زويلة» الواقعة بشارع المعز لدين الله الفاطمي والذي يحمل رقم 199، أثر أنشأه أمير الجيوش بدر الجمالي، عام 485ه/1092م. تاريخ باب زويلة يقول صلاح الناظر، الباحث الأثري الحر، كان هناك بابان أنشأهما القائد جوهر الصقلي يعرفان باسم بوابة زويلة في الضلع الجنوبي لسور القاهرة، هدم بدر الجمالي عند إعادة بناء سور القاهرة البابين الأصليين اللذين بناهما جوهر الصقلي بالطوب اللبن، وبني بدلًا منهما بابًا واحدًا بالحجر، عرف بنفس اسمه القديم وهو باب زويلة، وكان ذلك سنة 485ه/1093م أي بعد بناء بابي الفتوح والنصر بست سنوات، باب زويلة هو أكبر أبواب القاهرة وأضخمها يقوم على رأس شارع المعز لدين الله من الجهة القبلية وتعلوه مئذنتا جامع الملك المؤيد شيخ ويسميه بعض الناس باب المؤيد أو باب المتولي. الوصف المعماري وأضاف الناظر أن الباب يتكون من كتلة المدخل وهي بوابة هائلة معماريًّا ذات طابع حربي دفاعي فتحة المدخل اتساعها حوالي خمسة أمتار، على جانبيها برجان عظيمان مستديران مصمتان حتى الثلث العلوي منهما، ولشغل الثلث الأخير من كلا البرجين حجرة تشرف على مدخل الباب، أما المدخل الداخلي فتغطيه قبة مبنية على مثلثات كروية مثل باب الفتوح، وهذه القبة تحمل الممر العلوي الذي يوصل بين البرجين من أعلى. وأكد أن البرجين في الأصل كانوا بدون المئذنتين القائمتين فوق كل منهما، وعندما شرع السلطان المملوكي المؤيد شيخ المحمودي في بناء مسجده القائم حاليًا على يسار الداخل إلى شارع المعز لدين الله من عام 1415 إلى عام 1420م انتهز مهندس المسجد فرصة وجود برجي باب زويلة وهدم أعلاهما وأقام فوق كل برج منهما مئذنة. وتابع: «يعرف باب زويلة لدى عامة الناس باسم بوابة المتولي، ومازال قائمًا بجوار جامع المؤيد شيخ بشارع المعز لدين الله بقسم الدرب الأحمر، وفي الضلع الشرقي لسور القاهرة كان يوجد بابان يؤديان إلى الجبل وهما باب القراطين وباب البرقية». اعتقادات وأشار إلى أن كثيرًا من الروايات والاعتقادات نسجت حول باب زويلة، فقد اعتقد الكثيرون أنه مركز لإقامة القطب المتولي، ويقول إدوارد لين في كتابه «المصريون المحدثون» إن بعض المشايخ أخبروه بوجود القطب المتولي الذي يراقب الأولياء جميعهم، وكثيرًا ما يظهر القطب، لكنه لا يعرف وهو يظهر دائمًا متواضعًا رث الثياب، ولا يشتد في مؤاخذة من يخالف الدين أو يناصره بالتقوى، ومع أنه يختفي دائمًا، فإن أماكن وجوده معروفة، لكنه قليلًا ما يظهر فيها، والمعتقد أن القطب يكون فوق الكعبة، وهو يصيح مرتين في الليل قائلًا: «يا أرحم الراحمين» ويسمع المؤمنون حينئذ ذلك الدعاء من مآذن الكعبة، إن سطح الكعبة المركز الرئيس الذي ينطلق منه القطب. واستطرد: «لكن بوابة زويلة المكان المفضل للقطب بالقاهرة، ومن هنا أصبح الناس يسمونها «بوابة المتولي» وحتى الآن يطلق عليها ذلك الاسم، ويقرأ المارة الفاتحة عند مرورهم بها، ويتصدق البعض على الشحاذين الجالسين هناك، ويذكر الجبرتي في حوادث شهر رمضان سنة 1123ه، أن واعظًا روميًّا جاء وجلس في أحد المساجد، وراح يهاجم ما يفعله المصريون عند ضرائح الأولياء من إيقاد شموع وقناديل وتقبيل أعتابهم، وقال: إن ذلك كفر، وهاجم وقوف الفقراء عند باب زويلة في ليالي رمضان، وتسبب في فتنة كبيرة بالقاهرة، ويصف إدوارد لين أحد الشحاذين الذين كانوا يجلسون عند الباب، ويقول: إن الناس كانت تعتقد أنه من خدام القطب، ويدق المصابون بالصداع مسمارًا في الباب لفك السحر، أما المصابون بوجع الأسنان فيخلعون سنًّا ويولجونه في أحد الشقوق، أو يلصقونه به بأي حال آخر، وكثيرًا ما يحاول بعض الفضوليين الاختباء وراء الباب، أملين عبثًا اختلاس النظر إلى القطب، في لحظة من لحظات ظهوره النادرة». وروي أن ستانلي لين بول يصف معتقدات الناس في القطب المختفي عند الباب، ويقول: إن له قدرة عجيبة في التنقل من مكان إلى آخر مختفيًا عن الأنظار، والمؤمنون يسبحون أثناء مرورهم بالباب، بينما يدفع الفضول غيرهم إلى النظر خلف الباب لعلهم يرونه، ويستنكر ستانلي لين بول ما يقوم به القاهريون من دق للمسامير، والتماس العلاج عند البوابة. وتذكر مراجع تاريخية أخرى أن سبب تسمية البوابة بالمتولي كان لوجود متولي حسبة القاهرة على مقربة من المكان، ولكني أرجح السبب الأول الخاص بإقامة القطب المتولي. وأوضح «الناظر» أنه حتى الآن لا تزال البوابة العتيدة، تقوم في وسط البيوت التي تزاحمت حولها، وكادت تخفي معالمها، رمادية بأحجارها، قانية بتاريخها، يلفها غموض وإبهام لكثرة ما نسج حولها من أساطير، لكن أبرز ما يتعلق بها، أن الآلاف لاقوا حتفهم فوقها، بعضهم من أفراد الشعب المصري المغلوب على أمره، وآخرون ارتكبوا جرائم قد تكون صغيرة أو كبيرة، وأمراء متمردون، وأسرى انتهت حياتهم في ذلك المكان، وسلطان واحد، وهو طومان باي آخر سلاطين المماليك الذي شنق على باب زويلة. وقال المقريزي: في المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار كان باب زويلة عندما وضع القائد جوهر القاهرة بابين متلاصقين بجوار المسجد المعروف اليوم باسم «بسام ابن نوح» فلما قدم المعز إلى القاهرة دخل من أحدهما وهو الملاصق للمسجد الذي بقي منه إلى اليوم عقد ويعرف بباب القوس، فتيمن الناس به وصاروا يكثرون الدخول والخروج منه، وهجروا الباب المجاور له حتى جرى على الألسنة أن من مر به لا تقضى له حاجة، وقد زال هذا الباب ولم يبق له أثر اليوم.