ما زالت الحضارة المصرية تبهرنا بأسرارها، خاصة في بناء المقابر، حيث نجد دائمًا في المقابر المصرية القديمة ما يُسمَّى «بيت الأبدية»، وهوما يُعرَف عند الأثريين ب «الباب الوهمي»، فهو يبدو بابًا من شكله، ولكن لا توجد به فتحة، وفسره البعض بأنه لتضليل اللصوص، ولكن الحقيقة غير هذا تمامًا. يقول محمد بكير، الباحث في علم المصريات، إن فكرة تضليل اللصوص عن طريق الباب الوهمي هي في الحقيقة فكرة ساذجة، لا تتناسب مع العبقرية الهندسية والفنية الموجودة في المقابر وكل الآثار المصرية، موضحًا أن الباب الوهمي عند قدماء المصريين هو إحدى الوسائل لتجسيد فكرة «السيمترية» في المقبرة. وأوضح أن «السيمترية» هي نظرية تفترض وجود كون آخر هو صورة مرآة معكوسة من الكون الذي نحيا فيه، وأن الإنسان بمولده ثم موته إنما ينتقل بين الكونين. واستدل علماء الفيزياء على هذه الفرضية من تتبع الضوء، فاكتشفوا أن الكون يتمدد بسرعة الضوء، وأن الضوء في حالة سفر دائم في كل الاتجاهات، ولكن هذا السفر يقف عند نقطة معينة، ينكسر فيها الضوء، ويعود مرة أخرى بشكل معكوس وكأنه اصطدم بمرآة تقع على حافة الكون. ومن هذه المعلومة الفيزيائية جاءت فرضية أن حدود الكون مرآة، وأن هناك كونًا آخر هو صورة مرآة معكوسة من الكون الذي نعيش فيه. وأوضح بكير أن المصري القديم جسد فكرة السيمترية (الكونين المتقابلين) كصورة مرآه معكوسة في شكل الباب الوهمي، حيث نرى أن كل جانب من الباب الوهمي هو صورة مرآة معكوسة من الجانب الآخر. ولكن ما يلفت النظر بشدة أننا فوق هذه السيمترية نجد منطقة وسطى تشبه الجسر تقع في المنتصف تمامًا، وكأنها تصل بين العالمين الكونين، حيث تجلس «كا» وهي روح المتوفى وأمامها مائدة القرابين؛ لتتلقى عليها القرابين من عالم الأحياء. وتابع «كانت القرابين هي وسيلة الاتصال بين عالم الأموات وعالم الأحياء في مصر القديمة، حيث كانت زيارة المقابر ومقامات الأولياء في مناسبات فلكية معينة أحد أهم التقاليد التي حرص المصري كل الحرص على الحفاظ عليها طوال التاريخ وحتى يومنا هذا». وأشار إلى أن القرابين كانت وسيلة تفعيل ما يُسمَّى بال «آخ»، وهو أحد الأجسام التسعة للإنسان، وهو الجسد المشع الذي يمكنه الانتقال بين العوالم، والدليل على ذلك ما نجده في آثار الملك سنوسرت الأول الذي قال عندما كان يبني المعابد، إنه بتقديم القرابين يقيم الجسر بين عالم الأحياء وعالم الأموات. وأكد بكير أن الفكرة في القرابين هي المشاركة، فالزيارة الجماعية للمقابر ومقامات الأولياء هي مناسبة يجتمع فيها الأحياء والأموات، ويحمل الزائر الغني المتيسر معه الطعام؛ بنية إهداء هدية لروح المتوفى بمنطق أن الهدية عنوان المحبة، وبعد ذلك لا يترك الطعام في المكان ليفسد، بل يقدم للزائرين الآخرين الفقراء بنية طيبة. وإذا لم يوجد فقراء، يتشارك كل الزائرين في تناول الطعام. واختتم الباحث في علم المصريات أن تصوير الفنان المصري القديم للمتوفى فوق «سيمترية» الباب الوهمي وفي المنطقة الوسط بين الكونين وهو يتلقى القرابين إنما هو إشارة إلى أن القرابين هي الجسر الذي يربط بيننا وبين المتوفين في العالم الآخر.