أعلنت دول مجلس التعاون الخليجي عن فرض ضرائب على مواطنيها للمرة الأولى؛ عقب الحملات العسكرية المكلفة التي تخوضها دول المجلس في سوريا واليمن وليبيا، وانخفاض أسعار النفط العالمية. فقد كان متوقعا أن تشهد أسواق النفط العالمية ارتفاعا في أسعار النفط؛ بسبب الاضطرابات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، وسيطرة داعش على حقول النفط في سورياوالعراق، والفوضى العارمة بليبيا، والأزمة التي تشهدها أوكرانيا، والحظر الاقتصادي المفروض على روسياوإيران، بالإضافة إلى فصل الشتاء الذي أخذ يطرق أبواب أوروبا والعديد من دول العالم، إلا أن منطق السوق يتراجع وإذ بأسعار النفط تهوي من 110 دولارات للبرميل إلى نحو 40 دولارا الأسبوع الجاري، مسجلا أدنى انخفاض له منذ الأزمة المالية، على ضوء السياسة السعودية بإغراق الأسواق العالمية بالنفط، مستغلة أنها الدولة الأولى على مستوى العالم في احتياطي واستخراج وتصدير النفط. لصالح من تلعب السعودية؟ الانخفاض الكبير في أسعار النفط وخلافا لمنطق السوق، جعل العديد من الخبراء يشيرون بأصابع الاتهام إلى السعودية؛ لمحاولتها الإبقاء على سقف إنتاج يتجاوز ال10 ملايين برميل من النفط يوميا، وعدم اتخاذها أي إجراء عملي للحفاظ على سعر 100 دولار للبرميل، ما يتناقض مع مصالحها ومصالح الدول الأعضاء في منظمة أوبك. ومن جانبها، نفت السعودية وجود دوافع سياسية وراء إغراق السوق النفطية من قبلها، مؤكدة أن هدفها اقتصادي بحت، وهو العمل على إقناع أمريكا بعدم اقتصادية إنتاج النفط الصخري بسبب كلفته العالية، والاكتفاء بالنفط السعودي الرخيص، فالسعودية تخشى أن تستغني أمريكا عن نفطها في حال طورت إنتاج النفط الصخري. البعض رأى أن الرياض باتباعها هذه السياسة النفطية، حاولت التأكيد أنها الطرف المؤثر والقادر على التلاعب بالسياسة الدولية، ومن الحجج التي ساقتها السعودية أيضاً حتى تخفي الدوافع السياسية، قولها إنها تحاول سد العجز السعودي من خلال زيادة حجم الإنتاج، إلا أن مبرراتها لم تصمد أمام منطق السوق الذي يفرض ارتفاع أسعار النفط، بالإضافة لتضرر الاقتصاد السعودي نفسه من وراء هذه الإجراءات، وهنا وجب السؤال لصالح من تلعب السعودية إذا؟. المعطيات والملفات الساخنة تشير إلى أن قرار شن الحرب النفطية اتخذ في واشنطن على خلفية الملفين الأوكراني لمواجهة روسيا، والسوري لاستهداف إيران، ونقل الرئيس الأمريكي أمر شن الحرب النفطية إلى الملك السعودي خلال زيارته إلى الرياض إبريل الماضي. السوابق النفطية للرياض تؤكد على مبدأ الدوافع السياسية للإجراء السعودي ولعب الأخيرة لصالح الولاياتالمتحدةالأمريكية فقط؛ خاصة أنها ليست المرة الأولى التي تشن فيها السعودية حربا نفطية تلبية للأوامر الأمريكية، فالمثبت تاريخيا عن السعودية أنها تعتبر المنتج المتمم الذي يؤدي دور المعوض عن أي نقص في سوق النفط العالمية، التي يمكن أن تضر بالاقتصاد الأمريكي، وهو ما حدث إبان الثورة الإسلامية في إيران، ولدى غزو صدام للكويت، وعندما فرضت أمريكا الحظر على العراق، وعندما أوقفت الفوضى الصادرات النفطية الليبية، بل استخدمت أمريكا السعودية كسلاح فتاك في مواجهة الاتحاد السوفيتي السابق، عندما أمرت الرياض عام 1985 بزيادة إنتاج نفطها من مليوني برميل في اليوم إلى 10 ملايين برميل يوميا، فأدت هذه السياسة إلى تهاوي سعر برميل النفط من 33 دولارا إلى 10و6 دولارات فقط، الأمر الذي وجه ضربة قاضية للاقتصاد السوفيتي القائم على النفط، حتى اعتبر بعض المحللين السياسيين الحرب النفطية التي شنتها السعودية ضد الاتحاد السوفيتي، نيابة عن أمريكا، عجلت بتفككه. أمريكا تورط الرياض يرى مراقبون أن السعودية ستغرق في ظل محاباتها للسياسة الأمريكية، خاصة أن الأطراف التي تحاول الرياض اللعب معها لم تعد كما كانت في السابق، فروسيا اليوم ليست الاتحاد السوفيتي السابق عام 1985، فهذا البلد تمكن من أن يبني لنفسه اقتصادا قويا يعتمد على قواعد علمية متطورة، ومن الصعب استهداف اقتصادها بالسهولة التي تتصورها واشنطن؛ لتعدد موارده وصناعاته. وبالنسبة لإيران، يبدو أنها لم تتفاجئ بالمعركة النفطية، فحرب النفط تُشن عليها منذ أكثر من ثلاثة عقود، وتكيفت معها واحتوتها وحولتها إلى فرص ساهمت في وقوف الاقتصاد الإيراني على قدميه مكتفيا بذاته، بل القيادة الإيرانية، كثيرا ما تؤكد على تحرير الاقتصاد من تأثيرات النفط، ففي موقف استباقي لما تم التخطيط له من قبل أمريكا والسعودية، بعثت القيادة الإيرانية في بداية شهر فبراير رسالة إلى رؤساء السلطات دعت فيها إلى اعتماد الاقتصاد المقاوم عبر استنهاض جميع مكامن القوة في المجتمع الإيراني وتفعيلها. بشكل عام، فإن المملكة العربية السعودية تعد المتضرر الأكبر من كل ما أقدمت عليه؛ لاعتمادها على النفط في 90% من إيرادات ميزانيتها، فبعد خمسين عامًا كاملة من الغنى النفطي، لا يوجد أي صناعة أخرى غيره، يمكن التعويل عليها لدفع الاقتصاد السعودي. السعودية تضر بمصالح شعبها ودول الخليج في ديسمبر الماضي، سحبت السعودية عشرات المليارات من الدولارات من صناديق إدارة الأصول العالمية في ظل مساعي المملكة الغنية بالبترول لخفض عجزها الآخذ في الاتساع، والحد من تعرضها لتقلبات أسواق الأسهم، وسط الانخفاض المستدام في أسعار البترول. وتراجعت الاحتياطيات في مؤسسة النقد العربي السعودي «ساما» بنحو 73 مليار دولار منذ أن بدأت أسعار البترول في التراجع العام الماضي، خاصة مع الحملة العسكرية المستمرة منذ 10 أشهر ضد اليمن. ونشرت صحيفة الجارديان البريطانية في عدد الجمعة، مضمون رسالة بعث بها الملك السعودي إلى وزير المالية تحمل عنوان «سري للغاية» في تاريخ 28/9/2015، تنص على ضرورة اتخاذ إجراءات تقشفية لتقليص الإنفاق الحكومي في الأشهر الثلاثة الأخيرة من ميزانية العام الحالي، من بينها الإيقاف الفوري لكل مشاريع البنى التحتية الجديدة، ووقف شراء أي سيارات أو أثاث أو تجهيزات أخرى، وتجميد جميع التعيينات على الدرجات كافة، وإيقاف صرف أي تعويضات مالية من جراء نزع الملكية من المواطنين، وفك الارتباط للعقارات التي لا توجد حاجة ماسة لنزع ملكيتها، كما يجب منع إبرام أي عقود استئجار المباني التي سبق الإعلان عن استئجارها، وألا يتجاوز الصرف من اعتمادات البنود والمشاريع خلال الفترة المتبقية من الميزانية عن 25 % من الاعتماد الأصلي. ووصفت صحيفة الإندبندنت البريطانية إعلان ست دول خليجية فرض ضرائب على مواطنيها بأنه تحول جذري في سياسات هذه الدول، في إشارة واضحة لدور السعودية في التأثير السلبي على الاقتصاديات الخليجية بسياساتها التي وصفتها المخابرات الألمانية ب«المتهورة» سواء في سوريا أو اليمن أو إيران، بالإضافة لسياستها في إغراق السوق بالنفط، وآخرها الدعوة لإنشاء تحالف عسكري إسلامي ليستنزف ما تبقى من أرصدة مالية للدول العربية والإسلامية، إن كانت موجودة في الأصل، والمفارقة، أن السعودية تدعو إلى تحالف إسلامي ضد الإرهاب تتبنى وبعض الدول الخليجية دعمه ماليا، ومن جهة أخرى تفرض سياسة تقشفية وضرائبية قاسية على شعبها. الضرائب والحل القاسي تعد الضرائب المصدر البديل للدخل في دول الخليج، للبُعد باقتصادها وشعبها عن الاعتماد على النفط والغاز، لكنها في الوقت ذاته سلاح ذو حدين، خصوصا في ظل الهبات الشعبية التي تشهدها المنطقة. السعودية في وقت سابق، وافق مجلس الوزراء برئاسة الملك سلمان بن عبد العزيز، في بالرياض على نظام رسوم الأراضي البيضاء، ويفرض النظام رسما سنويا على كل أرض فضاء مخصصة للاستخدام السكني أو السكني التجاري داخل حدود النطاق العمراني، مملوكة لشخص أو أكثر من ذوي الصفة الطبيعية أو الصفة الاعتبارية غير الحكومية، بنسبة 2.5% من قيمة الأرض. وقالت هيئة السوق المالية السعودية، إن المؤسسات الأجنبية المؤهلة للاستثمار الأجنبي المباشر في البورصة السعودية، سيتم استقطاع ضريبة دخل منهم بواقع 5% من الأرباح الموزعة من الشركات المدرجة، تستقطعها الشركة المدرجة نفسها. الإمارات سياسة السعودية، كان لها الدور الأكبر على تردي الاقتصاديات الخليجية، حيث أعلنت الإمارات العربية المتحدة أنها تدرس حاليا تطبيق ضريبة القيمة المضافة بالتزامن مع باقي دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي، في إطار اتفاق مسبق بينها، وقالت وزارة المالية الإماراتية إن مشروع قانون ضريبة القيمة المضافة لا يزال قيد الدراسة، خاصة مع عدم التوصل إلى اتفاق نهائي بين دول المجلس بشأن نسبة هذه الضريبة وقائمة الإعفاءات الخاصة بها، ومن ناحية أخرى قالت وزارة المالية الإماراتية إنها ما زالت تدرس إصلاح نظام ضريبة الشركات في الدولة. الكويت في الكويت، طلبت الحكومة مساعدة صندوق النقد الدولي من أجل فرض ضرائب على الشركات بهدف تنويع مصادر الدخل العام في مواجهة انخفاض أسعار النفط الخام، فقال وزير التجارة والصناعة، عبد المحسن المدعج، إن الكويت تتعاون مع صندوق النقد الدولي لبحث آلية تطبيق الضريبة على الشركات. البحرين أبدى عدد من رجال الأعمال البحرينيين تحفظهم على المقترح المقدم من قبل مجموعة بعض النواب بشأن فرض رسوم على عمليات التحويلات المالية لخارج البحرين، معتبرين أن الضريبة تقييد الاقتصاد الحر والانفتاح الاقتصادي وتتعارض مع سياسة البحرين الرامية إلى تشجيع الاستثمار في مملكة البحرين، وأكد رجال الأعمال أن المقترح يحتاج إلى دراسة عميقة ومستفيضة قبل إقراره، وأن تستفيد الحكومة من ردود الأفعال التي رافقت قرار رفع الدعم عن اللحوم من خلال دراسة المقترح والاستئناس بآراء المختصين وأصحاب الشأن قبل تنفيذه. سلطنة عُمان كانت سلطنة عُمان اقترحت في وقتٍ سابق عبر مجلس الشورى خفضا كبيرا للإنفاق وزيادة الضرائب، بما في ذلك فرض رسوم على صادرات الغاز الطبيعي المسال؛ للتغلب على الضرر الواقع بإيرادات الدولة جراء هبوط أسعار النفط. يبدو أن السلطات السعودية لا تأخذ حتى مصلحة شعبها وشعوب المنطقة بعين الاعتبار، سوى تنفذ إرادة أمريكا بحذافيرها، وتضحي بمصالح شعبها وشعوب المنطقة إذا ما تعارضت مع المصلحة الأمريكية والإسرائيلية.