أصدر، بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة الإسرائيلية، قراراً بتعيين مستشار رئاسة الوزراء للأمن القومي الحالي، يوسي كوهين، رئيساً لجهاز الاستخبارات والمهمات الخاصة "الموساد"، وذلك خلفاً لرئيسه الحالي، تمير باردو، الذي ينهي مدته كرئيس للجهاز أواخر العام الحالي. ويعد يوسي كوهين (54 عام) من الشخصيات المعدودة المنتمية للموساد ولكنها في الوقت نفسه تصدرت للعمل العام مؤخراً، وهو ما يتباين مع طبيعة الجهاز السرية، خاصة وأن كوهين من عائلة دينية شهيرة ساهمت في إقامة أحد أقدم الأحياء اليهودية الدينية في القدسالمحتلة، وهويته وبعض من تفاصيل حياته الشخصية معروفة للعامة منذ قرار نتنياهو تعينه مستشار للأمن القومي في 2013، وكان وقتها يشغل منصب نائب رئيس الموساد، وبعد عامين يعود كرئيس للجهاز المعني بسياسات الظل الخارجية لدولة الاحتلال. "عارض الأزياء"، هكذا يُلقب كوهين في الأوساط السياسية والأمنية وحتى الأوساط العامة في إسرائيل، كونه يهتم بأناقته الشخصية بشكل يجعله أقرب إلى الممثلين وعارضي الأزياء، وهو ما كان له مردود طريف في 2013 عندما استغنى نتنياهو عن مصاحبة زوجته سارة في رحلاته إلى الخارج على خلفية الاتهامات بالفساد المالي المتعلقة بهذه الرحلات وإنفاق زوجته للأموال الحكومية، وهي التي كان يقول عنها نتنياهو مازحاً أنه يصطحبها معه من أجل الحفاظ على مظهره الشخصي، فما كان وأن علق الإسرائيليون على تعين كوهين وتقريبه من نتنياهو إلى حد الصداقة الشخصية بأن الأول أصبح من ضمن مهماته انتقاء الملابس لرئيس الوزراء. وبعيداً عن الطرافة، يُعد يوسي كوهين من القلائل في تاريخ جهاز الموساد الذي يجمع بين الخبرة الميدانية والإدارية وكذلك الخبرة السياسية في العمل العام، فترأس شعبة عملاء الخارج في الموساد، "تسوميت" وهي المسئولة عن رصد وتجنيد العملاء حول العالم. وتوقع ذوي الشأن في إسرائيل منذ 2013 أن يكون هو رئيس الموساد الجديد، وأن تعينه وقتها مستشار للأمن القومي يأتي كإعداد وتجهيز لشغله هذا المنصب، تجهيز مرجو منه إدخاله المطبخ السياسي لنتنياهو وتعريك كوهين بالمتطلبات الاستراتيجية لسياسة إسرائيل الخارجية، وليس فقط السياسة الأمنية. وجرى اختيار كوهين على مرحلتين، الأولى ضمن أربعة مرشحين هم أمير يشيل، قائد سلاح الجو الإسرائيلي، الذي قد عُين في هذا المنصب لتنفيذ التقديرات الخاصة بعملية جوية ضد المنشآت النووية الإيرانية، كون الأخير يتماهى مع نفس الموقف العسكري لنتنياهو وطرح الخيار العسكري كحل لمعضلة الملف النووي الإيراني، قبل أن تصبح هذه التقديرات في غير محلها بعد الاتفاق النووي الإيراني العام الحالي، وإن تبقى أسم أمير هام كونه خبير بالشئون الإيرانية والعسكرية منها على وجه التحديد. المرشح الثاني كان يومتوف ساميا، قائد سابق في الجيش الإسرائيلي، ومسئول عملياتي سابق عن قطاع غزة، بالإضافة لخبرته القتالية في حرب 1973، وبعدها كقائد كتيبة في الجبهة الشمالية في جنوبلبنان إبان الاحتلال الإسرائيلي. الثالث هو رام بن باراك والذي يشغل منصب مدير عام في وزارة الشئون الاستراتيجية، وشغل منصب رئيس الموساد قبله، وهو من منظري الاتجاهات الاستراتيجية الخارجية لإسرائيل في الآوانة الأخيرة. الرابع هو شخص تشير إليه وسائل الإعلام الإسرائيلي بحرف "ن"، ويشغل حالياً منصب نائب رئيس الموساد، ويختص بملفات حركات المقاومة، والحركات المسلحة الخاصة بتنفيذ الأهداف الخارجية لإيران، المنضوية تحت لواء الحرس الثوري الإيراني وعلى رأسها فيلق القدس، ويليه في العراق على سبيل المثال، فيلق بدر، عصائب أهل الحق، حزب الله العراقي، وغيرها، والذين يشكلوا العمود الفقري لقوات الحشد الشعبي. المرحلة الثانية جرى فيها استبعاد ساميا ويشيل، ليتبقى الاختيار بين كوهين وبن باراك و"ن"، وهو ما يعكس رؤية حكومة نتنياهو للأولويات الأمنية والسياسية الخارجية لإسرائيل المرتبطة والمترتبة ببعضها البعض، والتي يمكن تلخيصها في: 1- طبيعة المرحلة الحالية في استراتيجية إسرائيل الخارجية والتي تقوم على أساس توصيات استراتيجية سابقة بفتح مجالات تعاون استراتيجي بين دولة الاحتلال وبين دول عربية معتدلة، بما في ذلك دول الخليج. 2- التعاون مع هذه الدول يقوم على أساسين رئيسيين؛ التصدي لإيران، وكذلك التعاون ضد الإرهاب، والذي بحسب المفهوم الإسرائيلي يتضمن حركات المقاومة كحزب الله. 3- يتطلب تحقيق السابق إقامة علاقات طبيعية بين تل أبيب وهذه الدول، ولكن بشكل غير علني في معظم الأوقات، وهو الأمر الذي أُسست عليه علاقة دولة الاحتلال بهذه الدول في العقديين الأخيرين، حيث تفضل هذه الدول إدارة العلاقات الثنائية في الغرف المغلقة، مع تدريج في إعلانها من حين إلى أخر, وهذا يتطلب إدارة مرنة تتوافر لدى الموساد من حيث السرية ومن حيث مراكمة الخبرات في هذا الشأن. وغني عن الذكر أن العلاقات بين دول الخليج وإسرائيل قد شهدت طفرة كبيرة في السنوات الثلاث الأخيرة، لدرجة لم تعد السرية المطلقة تناسبها، بل أن الأمر وصل إلى حد التنسيق العلني في كافة المجالات؛ دبلوماسية واقتصادية وعسكرية، هذه الطفرة التي قادها من الجانب الخليجي السعودية، أتت على خلفية التراتب السابق لأولويات مشتركة وتقاطع مصالح هذه الدول وعلى رأسها المملكة مع إسرائيل ضد إيران، ولهذا لم يكن من المستهجن أن تشهد فعاليات هذا التقارب الخليجي-الإسرائيلي تقدماً على مستويات سياسية ودبلوماسية وعسكرية، أخرها كان الشهر الماضي؛ في مباحثات شراء القبة الحديدية، وافتتاح ممثلية دبلوماسية لإسرائيل في أبو ظبي، وهو ما يصادق تصريحات نتنياهو الأخيرة التي قالها بمناسبة تعيين كوهين بأن "الموساد يقدم يد العون في النواحي الدبلوماسية، بمساهمته بتطوير إسرائيل السياسية والدبلوماسية في كل أنحاء العالم، بما يشمل دولا عربية وإسلامية (..) ففي الأسبوع الماضي في باريس التقيت زعماء عرب وإسلاميين معتدلين قدروا موقف إسرائيل بتصديها للتطرف الراديكالي للقوى الإسلامية المتطرفة". في هذا السياق، تذكر صحيفة "الإيكونوميست" البريطانية في افتتاحية عددها الأخير أن "اختيار يوسي كوهين يصادق المساعي الإسرائيلية في توسيع قنوات التعاون الغير معلن والغير رسمي بين تل أبيب ودول عربية، حيث أن نتنياهو، على عكس سابقيه، لا يهتم بمسألة فتح سفارات متبادل بين إسرائيل وبين بلدان عربية، ولكنه يفضل التعاون مع ملوك وطغاة المنطقة وإقامة تحالفات مريحة معهم، لهذا فأن كوهين المتمرس في الشئون العربية ويجيد اللغة العربية يعد اختياراً مناسباً من أجل شق ممرات دبلوماسية سرية في الشرق الأوسط". كمحصلة عامة، يأتي تعيين يوسي كوهين رئيسا للموساد كدلالة على توجهات إسرائيل الخارجية، وكتصديق على بوصلة الاندماج مع دول الخليج على أساس تقاطع المصلحة ضد إيران، وبعيداً عن التقديرات الداخلية الخاصة بتوجهات نتنياهو التكتيكية وموازنته لمراكز اتخاذ القرار التي يرمي لتحييدها أو السيطرة عليها، فأن كوهين يحقق هذا بالإضافة إلى اعتباره تصديقاً لتوجه الحكومة الإسرائيلية الاستراتيجي في السنوات الأخيرة بتعزيز علاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي. موضوعات متعلقة: