سباق إرهاب ونفوذ بين "القاعدة" و"داعش"، حرب خفية بين أشرس تنظيمين إرهابيين لإثبات القوة والوجود، تدور رحاها في أكثر من منطقة من سورياوالعراق مرورًا بليبيا وصولًا إلى شمال إفريقيا، ففي الوقت الذي تعلن فيه "داعش" عن مسئوليتها عن هجمات "باريس" الأخيرة، تخرج جماعة "المرابطون" التابعة لتنظيم القاعدة لتعلن عن نفسها من خلال تفجير فندق "راديسون بلو" في العاصمة المالية باماكو الشهر الماضي الذي انتهى بسقوط 19 قتيلا على الأقل، فيبدو أن التنظيمان يعيشان صراع نفوذ يسعيان من خلاله إلى توسيع مناطق سيطرتهما، لكن صراع النفوذ هذا يحتاج أيضًا إلى المال الذي يحاول كلا الطرفين البحث عنه في المناطق التي يسيطرون عليها. تحالفات جديدة أعلنت جماعة "المرابطون" المتشددة التي تنشط في شمال إفريقيا، عن اندماجها مع تنظيم "القاعدة"، وقال المتحدث باسم الجماعة "أبو دجانة القاسمي"، في رسالة صوتية، أوردتها مواقع تتبنى نشر بيانات الجماعات المتشددة، "نعلن عن انضمامنا لإخواننا وأحبابنا في تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، للوقوف صفًا واحدًا ضد العدو الصليبي المحتل". إعلان جماعة "المرابطون" اندماجها مع تنظيم "القاعدة في المغرب الإسلامي" يعتبر خطوة ستشعل صراع النفوذ مع تنظيم "داعش"، الذي يسعى لتوسيع مناطق سيطرته في شمال القارة الإفريقية، لكنه في الوقت نفسه يأتي ردًا على إعلان جماعات أفريقية متشددة منها جماعة "بوكو حرام" موالاتها لتنظيم "داعش"، وهو يؤشر إلى أن هناك صراعًا قويًا يدور بين التنظيمات المتطرفة حول النفوذ وقوة العمليات. جماعة "المرابطون" نفسها تم تشكيلها في أغسطس 2013، نتيجة اندماج جماعتي "التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا" و"الملثمين" التي كان يقودها الجزائري "مختار بلمختار"، والذي حاولت أمريكا عدة مرات استهدافه بغارات عدة أثناء تواجده في إحدى المناطق بليبيا، وليس من المعروف ما إذا كان قد قُتل في تلك الغارة، أم تمكن من النجاة منها. خلافات "القاعدة" و"داعش" اندلعت شرارة الخلاف الأولى بين التنظيمين الأكثر إرهابًا وتطرفًا في العالم، عندما تزعم "أبو بكر البغدادي" بعد مقتل "الزرقاوي" ما يسمى بتنظيم داعش، الذي أسسه "الزرقاوي" في العراق عام 2006، وحينها أطلق "البغدادي" اسم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" على التنظيم الذي يعرف إعلاميًا ب"داعش"، الأمر الذي أثار حفيظة زعيم تنظيم القاعدة "أيمن الظواهري"، فتزايدت الانشقاقات في صفوف الحركات المسلحة التي كانت تدين بالولاء للقاعدة وأعلنت مجموعات في ليبيا والجزائر ومصر واليمن ولاءها للخليفة "أبي بكر البغدادي". في ذلك الوقت بدأ تنظيم "داعش" في استقطاب العديد من المتطرفين والتكفيريين للإنضمام إلى تنظيمه، حتى يتمكن من إقامة دولته المزعومة في بعض المساحات على سورياوالعراق، لكن القاعدة من جهة أخرى استطاعت أن تحافظ على مناطق نفوذها وسيطرتها التقليدية في شمال إفريقيا. نتيجة تضييق الخناق على تنظيم "داعش" في سورياوالعراق من قبل معظم دول العالم التي تتشارك الآن في هدف واحد وهو القضاء على تنظيم "داعش" الإرهابي، ونتيجة لتكثيف الضربات من قبل المقاتلات الروسية والسورية والأمريكية والبريطانية والفرنسية على التنظيم في الفترة الأخيرة، شعر التنظيم بأنه محاصر فى مناطق نفوذه وهو ما دفعه للسعى والبحث عن بديل آمن في حالة فقدانه مناطق نفوذه الحالية، فلم يجد أمامه بديل سوى دول شمال إفريقيا وعلى رأسها ليبيا، لتصبح إفريقيا بذلك الوجهه الجديدة لداعش فضلًا عن انها منطقة نفوذ وسيطرة "القاعدة" التي تحاول أن تحجز لها موطئ قدم فى ظل تنامى نفوذ "داعش" فى مناطق مختلقة، وهو ما يجعل إفريقيا بؤرة للإرهاب يتنافس فيها كلا التنظيمين "القاعدة" و"داعش". صعوبات التوسع في ليبيا أفاد تقرير للأمم المتحدة بأن تنظيم "داعش" يواجه صعوبات في توسيع نفوذه بليبيا، نظرًا لمشاكل في التمويل فضلًا عن عداء السكان له، وجاء في تقرير وضعه خبراء بالأمم المتحدة ويعملون في لجنة العقوبات ضد تنظيم "القاعدة" والتي بات عملها يشمل أيضا تنظيم "داعش"، أن التنظيم الأخير يعتبر "تهديدًا أكيدًا في ليبيا" حيث يقدر التقرير عدد مقاتلي "داعش" في ليبيا ما بين 2000 و3000 بينهم 1500 في سرت، إلى جانب استفادته من المكاسب التي حققها على الأرض بعد سيطرته على مناطق واسعة في سورياوالعراق. وأوضح التقرير أن ليبيا التي تقع في نقطة وسط بين الشرق الأوسط وإفريقيا وأوروبا تكتسب أهمية استراتيجية بالنسبة للمسئولين في التنظيم، الذين يعتبرون أن هناك "فرصة ممتازة لتوسيع مناطق سيطرة الخلافة المزعومة"، لكن التقرير يفيد بأن التنظيم "يواجه مقاومة شديدة من السكان كما يجد صعوبة في إقامة تحالفات محلية". ويظهر التقرير أن تنظيم داعش في ليبيا يبدو عاجزًا عن التوسع سريعًا انطلاقًا من المواقع التي يسيطر عليها حاليًا في ليبيا، مضيفا أنه "قادر بالطبع على شن هجمات إرهابية في ليبيا إلا أن العدد المحدود لمقاتليه لا يتيح له تحقيق توسع سريع والسيطرة على مناطق جديدة، خصوصًا أن التنظيم لم يتمكن سوى من جذب نحو 2000 مقاتل أجنبي غالبيتهم من دول المغرب العربي بشكل خاص، وهو غير قادرعلى التجنيد على المستوى الدولي كما يحصل في سورياوالعراق كما أنه لم يسجل وجود أوروبيين في صفوفه أو انضمام نساء وعائلات". ولفت التقرير إلى أن التمويل يعد عقبة أساسية أمام توسع التنظيم، حيث يعتبر الخبراء أن التنظيم غير متورط في تجارة المخدرات وفرض الإتاوات أو استغلال المهاجرين الراغبين بالهجرة إلى أوروبا، واعتبروا أن "عمليات التنظيم في ليبيا لا تبدو مربحة ماديًا بعكس ما هو حاصل في سورياوالعراق"، وقدر التقرير أن التنظيم "غير قادر في الوقت الحاضر على الاستفادة فعليًا من العائدات النفطية في ليبيا، ولكي يتمكن من ذلك لابد له من تعزيز وجوده في ليبيا وتوسيع الأراضي التي يسيطر عليها". ضائقة مالية داعشية ذكرت وسائل إعلام أمريكية أن تنظيم "داعش" فقد قسمًا كبيرًا من مصادر دخله بعد أن استردت القوات العراقية والسورية مساحات كبيرة من الأراضي في البلدين، وأشارت وسائل الإعلام الأمريكية أن الصعوبات المالية التي يعاني منها التنظيم تجلت في زيادة للضرائب المفروضة على سكان المناطق التي يسيطر عليها، وخفض رواتب المسلحين، حيث زاد تنظيم "داعش" من عبء الضرائب في المناطق التي يسيطر عليها في العراقوسوريا حيث يعيش من 6 – 9 مليون شخص، إضافة إلى تخفيض مرتبات المسلحين من 400 دولار إلى 300 في الشهر. وأشارت صحيفة "واشنطن بوست"، إلى أن تنظيم "داعش" بدأ يعاني من صعوبات مالية بسبب فقده السيطرة على قسم من الأراضي، حيث كان يعتمد قسم كبير من دخل التنظيم على الاستيلاء على الأراضي والمصادرة والابتزاز، وهي مصادر غير ثابتة.