الوليد بن طلال يقود مخطط طمس الهوية المصرية تضاؤل شركات الإنتاج المصرية من 137 إلي اثنتين يدعم المخطط السعودي "إنتاج شركة روتانا، كافيه روتانا، روتانا سينما، روتانا كلاسيك، روتانا أغاني، فنادق روتانا".. كلمات تتردد دومًا على آذاننا، تشي بهيمنة شركة روتانا التى يمتلكها رجل الأعمال السعودي، الوليد بن طلال، علي الأغاني المصرية الأصيلة، ويبعث جرس إنذار للطرب الوطني؛ لوقوع غالبية المطربين المصريين تحت رحمة الشركة السعودية، ولم تكن الأغاني وحدها التى تخضع لسيطرة "روتانا"، بل أصبحت الأفلام المصرية أيضًا تحت رحمة الشركة؛ بعد أن اشترتها ورممتها وأنشأت قنوات خاصة لعرضها. واتهم عدد من الفنانين المصريين الشركة السعودية بالتعنت ضدهم، في محاولة منها لإبعادهم عن الساحة الفنية، في مقابل إبراز نجوم الخليج ولبنان فقط، ولم تقتصر الخطورة على تراجع الدور المصري وبروز السعودي، بل وصلت إلى انتشار الأغاني الخليجية واللبنانية في مصر وترديدها من قبل الكثيرين، ما يهدد الهوية المصرية ويضربها فى مقتل. وتعود أسباب هيمنة "روتانا" علي الفن الوطني إلى تراجع الدور الريادي المصري في تصدير الفن إلي الدول الأخري، كما كانت من قبل، بعدما تضاءلت شركات الإنتاج المصرية من 137 إلي شركتين فقط. من جانبها، تفتح "البديل" ملف غياب الأغانى الوطنية، والبحث عن أسباب تراجع الدور الريادي لمصر، والذي فتح الباب أمام السعودية لتدخل بقوة، بل وتحاول فرض سيطرتها على النجوم المصريين، ومعرفة أيضا مدي خطورة انتشار الأغاني باللهجات غير المصرية التى يرددها الأطفال ليل نهار. مطربون: "روتانا" تُبعد المصريين.. وشبح الهيمنة يطارد مواهبنا شهدت الفترة الماضية العديد من الخلافات والصراعات بين النجوم المصريين وشركة روتانا للإنتاج، كان أبرزها وليس آخرها، خلاف الفنان عمرو دياب مع الشركة، التى طالبته بمليار دولار كشرط جزائي، بينما رد "الهضبة" بأنه سوف يرفع قضية علي "روتانا" لإخلالها ببنود التعاقد، ما جعل الكثير من الفنانين والنقاد يؤكدون أن روتانا توجه ضربة قاسمة للفن المصري؛ عن طريق محاولة تشويه عمرو دياب، الذي يعتبر رمزًا للفن المصري حالياً. قالت الفنانة مي كساب، إنها أنهت تعاقدها مع روتانا؛ بعدما امتنعت الأخيرة عن إصدار أي ألبومات لها، بالمخالفة لبنود التعاقد، نفس الأمر تكرر مع الفنانة شيرين عبد الوهاب، التي أنهت تعاقدها مع الشركة السعودية؛ بسبب المماطلة في إنتاج ألبوماتها، إلي جانب تصريحات عدد من المسئولين ب"روتانا" عن شيرين بأسلوب غير لائق، ما دفعها للتأكيد بأن الشركة تتعمد إبعاد المطربين المصريبن وإعلاء وتلميع نظرائهم الخليجيين واللبنانيين. ونفس الأمر كشفه المطرب محمد فؤاد، الذى أكد أن "روتانا" تتعمد إعلاء المطربين الخليجيين علي حساب المصريين، موضحاً أن الشركة كانت تخصص مبلغ 200 ألف جنيه لإنتاج كليباته، وفي المقابل تخصص مليون دولار لإنتاج أي كليب آخر للمطربين الخليجيين، ما دفعه إلي إنهاء التعاقد مع الشركة السعودية التى تحاول الهيمنة على السوق المصرية. ودفع تعامل "روتانا" مع المطربين المصريين وتعمد إبعادهم عن الساحة، بحسب وصفهم، إلي الهروب من شبح هيمنة الشركة السعودية علي السوق المصري، وكان أبرزهم مصطفي قمر وآمال ماهر ولؤي ورامي صبري وغادة رجب، إلي جانب الملحن عمرو مصطفي، الذي أكد مقاطعته أي شركة إنتاج غير مصرية؛ لأنها تبيع ألحان المصريين إلي دول أخري دون موافقة الشاعر أو الملحن، قائلاً "تدفن كل ما هو مصري". مصر قدمت الريادة الفنية للسعودية علي طبق من ذهب مهنا: على مباحث المصنفات مصادرة أي مواد فنية غير شرعية موريس: "روتانا" هيمنت علي سوق الكاسيت بعد تخلي مصر عن دورها كانت مصر بلد الريادة في الفن بكل ما تحمله الكلمة من معني، وهو ما يتضح من خلال تصريحات الكثير من الفنانين القدامى الذين لم يستطعوا إخراج مواهبهم إلا من مصر، وعلي رأسهم المطربة وردة الجزائرية، التى قالت "من لم يغن في مصر لم يغن بحياته كلها"، أيضاً المطرب الراحل فريد الأطرش، قال "لا أشعر بموهبتي إلا حينما أقف علي المسرح بمصر"، والمطربة الراحلة فايزة أحمد، قالت "مصر بلد الفن والسميعة والشهرة والنجومية"، لكن على النقيض اليوم، تراجع الطرب المصري، بعدما تضاءلت شركات الإنتاج الوطنية من 137 إلي اثنتين فقط، ما أدي إلي هروب الفنانين المصريين إلي شركات الإنتاج الأخري، علي رأسها "روتانا" التي نجحت في الهيمنة علي سوق الفن العربي بشكل عام، بعدما تراجع الدور المصرى، بحسب وصف عدد من النقاد الفنيين والملحنين الكبار. يقول الموسيقار هاني مهنا ل"البديل" إن السبب الرئيس لهيمنة "روتانا" علي سوق الفن والغناء بمصر وسحب البُساط من تحت أقدام الريادة المصرية، كارثة تضاؤل شركات الإنتاج المصرية من 137 إلى اثنتين فقط؛ نتيجة الخسارة الفادحة التي تلقتها تلك الشركات بسبب عدم وجود آلية من الدولة المصرية لحماية منتجنا الفني من القرصنة، مطالباً مباحث المصنفات بتأدية دورها كما كانت من قبل بمصادرة أي مواد فنية غير شرعية وتغليظ العقوبة لقراصنة الفن؛ لأن الشركات الوطنية لا تستطيع تعويض خسارتها مثلما تفعل شركة أخري بحجم روتانا، التي تعول علي وسائل أخري يمكنها من خلالها تعويض خسارتها عن طريق شاشات العرض والقنوات وأمور أخري للأسف نفتقرها في مصر. ومن جانبه، يري الناقد الفني، رامي عبد الرازق، أن الريادة المصرية للفن تراجعت بصورة كبيرة، بعدما كانت قديماً البلد الوحيد الذي يحدد من لديه موهبة حقيقية ويستحق الصعود إلي الغناء ومن ليس لديه موهبة، ومن يشتهر في مصر كان يشتهر في دول الخليج بأكملها، لكن الوضع اختلف اليوم كثيراً، مضيفاً: "للأسف لازلنا نحيا علي مفهوم الريادة القديم، لكن الأمر اليوم اختلف، فهناك مطربون لا يأتون إلى مصر من الأساس، وهم معروفون ولهم بصمة في عالم الغناء". وأوضح "عبد الرازق" أن المطربين المصريين أصبحوا لا يعتمدون علي حفلات أضواء التليفزيون والساحل الشمالي ومارينا وغيرها، مما كنا نتميز به من قبل، وللأسف الدور المصري تراجع أيضا بسبب عدم وضع آليات جديدة ومحددة للهيمنة علي سوق الكاسيت، فلا توجد مثلاً استراتيجية محددة لفكرة النُسخ المزورة أو حماية حقوق الملكية للإنترنت، وبالتالي لم يعد لدينا قدرة علي المنافسة، وتراجعنا بصورة واضحة. وتابع: "فى ظل حالة الضعف التي نواجهها، دخلت شركة روتانا وتواجدت وبدأت سحب البساط من تحت أقدام الدولة المصرية والسوق الوطني، وبالفعل نجحت في ذلك بفضل رأسمالها الضخم والآليات المتطورة التي تتقنها، من امتلاكها لشبكات وأسواق متطورة مثل القنوات الفضائية والكافيهات والفنادق"، لافتاً إلى توجه المطربين إلى روتانا عندما يريدون التعاقد علي إحياء فرح أو غيره، مما يعني أنها هيمنت علي السوق بطريقة واسعة الانتشار، وفي المقابل ليس لدينا سوي قناتي "نجوم اف ام" و"نغم اف ام" التي لا يلجأ إليهما المواطن المصرى إلا عندما يريد التسلية وقت الزحام في السيارات فقط، مختتماً: "بالطبع روتانا هيمنت علي السوق، لكن الأغنية المصرية لم تختف والمطرب المصري له ثقله". وفى نفس السياق، تقول ماجدة موريس، الناقدة الفنية، إن شركة روتانا هيمنت علي سوق الفن، لكن بسبب تخلى مصر عن دورها، مضيفة: "قديماً كانت مصر رائدة للفن في الشرق الأوسط بأكمله، ولا يجوز لأي مطرب أن يظهر دون مروره علي لجنة الاستماع المصرية، وغير ذلك لا تعترف به من الأساس". وأكدت "موريس" أن الشركات المصرية الأم للأسف اختفت نهائياً، مثل شركة صوت القاهرة، ما يعني أن مصر تخلت بنفسها عن دور الريادة، وأن الدولة لا تساعد علي تطوير الفن، وأصبحنا في نظام رأسمالي متوحش يفتح الباب أمام أي شخص للهيمنة علي السوق المصري، لافتة إلى دور الدولة السلبى الذى دفع المطربين المصريين إلى اللجوء ل"روتانا"، فعدم وجود شركات إنتاج وغياب الآلية المحددة لحماية الفن من القرصنة وغيرها، كلها أمور دفعت المطرب الوطني إلى روتانا حتي يقوم بتسويق أعماله. وأشارت الناقدة الفنية إلى أن الأمر لا يقتصر علي الأغاني فقط، بل هيمنت روتانا أيضا علي الأفلام المصرية؛ بعد أن اشترت الأفلام سواء القديمة أو الحديثة وقامت بترميم الفاسد منها وأقامت لها قنوات خاصة مثل "روتانا سينما وكلاسيك" لعرض الأفلام المصرية القديمة وغيرها من التراث الوطني. خبراء علم نفس: هيمنة السعودية علي سوق الفن يهدد الانتماء المصري "ما ذلت لغة شعب إلا ذل، ولا انحطت إلا كان أمره في ذهاب وإدبار".. كلمات بسيطة في نطقها عميقة في معناها ومضمونها، قالها الأديب والكاتب، مصطفي صادق الرافعي، تؤكد مدي أهمية اللغة لدي الشعوب، لكن البعض يستهين باللغة ويعتبرها مجرد شىء يمكن استبداله بأي لغة أخري، وهو ما يحدث اليوم ويتضح بقوة من خلال انتشار الأغاني الخليجية واللبنانية في مصر بصورة واضحة، ويرددها الجميع دون وعي وإدراك خطورتها علي لغتنا المصرية الأصيلة، والكارثة الحقيقية تكمن في ترديد الأطفال لهذه الأغاني وحفظها عن ظهر قلب، مما يمثل خطورة بالغة علي هوية وتراث وثقافة الشعب المصري، الأمر الذى حذر منه بعض الخبراء في مجال علم النفس. يرى الدكتور رشاد علي، أستاذ الصحة النفسية بجامعة الأزهر، أن اللغة عنوان الشعوب ومهمة للغاية بالنسبة للإنسان لأنها أساس الانتماء، خاصة أن انتماء الإنسان لوطنه يقاس بقدر حبه للُغته، قائلاً: "في مصر نقع في خطأ فادح، وهو تعليم الطفل أكثر من لغة في بداية أعوامه الأولي، خصوصا أن ذاكرة الطفل آنذاك تكون طازجة ونقية وقابلة للتعلم بصورة أكبر، مما يؤهله إلي حفظ أي شىء دون تردد، وللأسف انتشار الأغاني الخليجية أو الأجنبية بصورة عامة في مصر يمثل خطورة بالغة علي الهوية المصرية والانتماء أيضاً، ويبدأ الطفل في التشتت، وتكون اللغة الأخري بمثابة تأكيد بأن لغته المصرية سيئة وغير قابلة للاستخدام، ومنها يظل لديه ذلك المفهوم وتحل اللغة الأجنبية محل الأساسية". وأوضح "علي" أن الأمر لا يقتصر علي الأطفال فقط، بل وصل إلى الكبار الذين تثبت في أذهانهم كلمات الأغاني باللغات غير المصرية، ويبدأون ترديدها دون وعي أنهم بذلك ينشرون اللغات الأخري في مصر ويخسفون باللغة الوطنية أرضاً, مؤكداً أن جميع دول العالم يعتزون بلغاتهم، من خلال الحرص علي تعليم الأطفال لغة بلادهم في المقام الأول، إلي جانب حرص رؤساء هذه الدول علي التحدث بلغة بلادهم أيضاً أثناء سفرهم إلي الخارج، ما يؤكد أن اللغة عنوان الإنسان والدليل علي هويته ووطنيته. وتقول الدكتورة هند إبراهيم، طبيبة نفسية، إن انتشار اللغات الأجنبية في الأغاني بمصر يمثل كارثة وخطورة حقيقية علي مصر، مضيفة أن إرجاع اللغة الأصلية لدولة ما وإحلال لغات أخري محلها، يعتبر نوع من أنواع إلغاء الهوية والانتماء بصورة تامة. واختتمت إبراهيم: "نردد الأغاني أو الكلام غير المصري دون وعي إدراك أننا بذلك نخفي لغتنا المصرية ونضربها في مقتل، وبعد وقت قليل سوف نجد لغتنا تتلاشي ما بين التعليم الأجنبي في المدارس والاهتمام باللغات الأخري دون العربية في الأغاني والأفلام، خاصة أن الأغاني تثبت في الأذهان بسرعة بالغة، ويرددها المصريون وهم لا يدركون مدي خطورة ما يفعلون".