عملت الولاياتالمتحدةالأمريكية منذ بداية الأزمة في سوريا، على استخدام كافة الوسائل والأدوات من أجل تحقيق مآربها في المنطقة وتحديداً في سوريا، وهنا الحديث يدور عن المكون الكردي المتواجد في سورياوالعراقوإيرانوتركيا، فبعد أن لاح في الأفق معالم لخسارة الولاياتالمتحدةالأمريكية لأحد أهم أسلحتها المتمثل بداعش المدعوم من أطرافها في المنطقة قطر والسعودية وتركيا بدأ الحديث عن الأكراد كورقة جديدة تحاول أمريكا الاستفادة منها لخدمة مخططاتها في المنطقة. سلطت المناقشات الدائرة بين الولاياتالمتحدةوفرنسا، بشأن تقديم الدعم لوحدات حماية الشعب الكردي، في إطار حربها على داعش الضوء على دور أمريكا في استغلال الأقليات العرقية كبديل موضوعي عن الأقليات الدينية والمذهبية خاصة بعد احتراق ورقة داعش، فوزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان، ونظيره الأمريكي أشتون كارتر؛ التقيا في 24 نوفمبر الحالي بواشنطن، لمناقشة التعاون الثنائي بين البلدين، وخاصة بعد أن أعلنت الولاياتالمتحدة عن توسيع قائمة أهدافها ضد داعش في سوريا. التكهنات الأمريكية تزعم أن الضربات الجوية للتحالف وحدها لن تستطيع أن تنهي داعش، وبالتالي التوجه إلى حليف بري في سورياوالعراق ضروري، ولكن التحدي الذي يواجهه كلاً من أوباما وهولاند هو التحضير للخطوة القادمة، باريس ترى أن الاعتماد على وحدات حماية الشعب الكردي، التي تتمركز الآن شمالي الرقة، أمر ضروري، أما الولاياتالمتحدة فتشاطر فرنسا نفس التفكير ولكن إظهاره للعلن يحتاج الكثير من العمل خاصة في الوقت الحالي نظراً لتشابك هذا الملف مع حليفها التركي. من المعلوم أن وحدات حماية الشعب الكردية هي الجهة المسلحة التابعة لإدارة الحكم الذاتي، التي أعلنت من قبل أكراد سوريا "الروجافا"، وتسيطر هذه الإدارة على ثلاث مناطق متباعدة جغرافيا على الحدود التركية، وهي عفرين وكوباني والجزيرة، المشكلة هنا أن هذه الجماعات الكردية ما هي إلا امتداد لحزب العمال الكردستاني التركي، وهي المنظمة التي تُعد العدو اللدود لتركيا، وعلى الرغم من أن الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي يضعانها ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، إلا أن تطوراً طرأ على هذه العلاقة مؤخرا. وحدات حماية الشعب الكردية أصبحت الآن الحليف الاستراتيجي للاتحاد الأوروبي في حربه ضد تنظيم داعش، حيث قال الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند: كما أحرز الأكراد تقدماً في العراق؛ فإنه يمكنهم أن يحرزوا تقدما في سوريا أيضا. وفي وقت سابق استفاد أكراد سوريا من المساعدات العسكرية التي قدمتها كل من فرنساوالولاياتالمتحدة، فتصريح البنتاجون اعتبره مراقبون أنه محاولة تمويه فاشلة، حيث قال المتحدث باسم البنتاجون: نحن لم نقدم أسلحة أو ذخيرة لوحدات حماية الشعب الكردي، بل كانت موجهة لتحالف المعارضة السورية، فأمريكا لا تريد أن تظهر دعمها لوحدات حماية الشعب، وفي نفس الوقت لن تقطع المساعدات عنها، فمن المعروف أن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي تلقى دعماً من أمريكا، تمثل في إمدادات السلاح والغطاء الجوي الذي وفرته عبر طائراتها في حرب الأكراد ضد داعش في مدينة كوباني، ما أدى إلى هزيمة داعش في المدينة مع بداية عام 2015. التعاون بين الأكراد والولاياتالمتحدة؛ متواصل في كلاً من سورياوالعراق على حدٍ سواء، فتقدم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، كان بغطاء جوي أمريكي، في مناطق عربية من الجزيرة وتل أبيض على الحدود السورية التركية، وتقدم البشمركة الكردية الأخير في العراق كان بدعم أمريكي حيث أعرب رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني عن شكره للولايات المتحدةالأمريكية والتحالف الدولي لما قدمه من دعم جوي لعملية تحرير قضاء سنجار. لماذا لا تجاهر الولاياتالمتحدة بعلاقتها مع الأكراد؟ الولاياتالمتحدة حتى اللحظة لا تزود الوحدات الكردية في سوريا بالسلاح الثقيل وتكتفي بتقديم أسلحة خفيفة مع دعم جوي لهم، على الرغم من وجود أصوات أمريكية تدعو لتزويد الأكراد بالأسلحة الثقيلة، لتمكين "وحدات حماية الشعب" من الاستيلاء على مزيد من الأراضي الواقعة تحت سيطرة داعش، على ما يبدو أن هذه الخطوة تحتاج إلى تأني أمريكي، فالخوف أن يؤدي تعاظم القوة الكردية إلى رد فعل عنيف من العرب سواء في سورية أو العراق. وهناك حسابات خاصة متعلقة بالطرف التركي، فالخشية منأن ينتقل جزء من هذه الأسلحة إلى حزب العمال الكردستاني، وما ينتج عن ذلك من رد فعل تركي، الأمر الذي قد يُحدث إرباكا في صفوف التحالف الأمريكي التركي خاصة فيما يتعلق بالملف السوري، وهذا ما يفسر أن واشنطن منذ فترة حاولت الضغط على أنقرة للمضي قدما في حل الأزمة الكردية داخل تركيا وإنجاز اتفاق السلام، والانفتاح على حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا، كما أن تحالف واشنطن مع ما يسمي "قوات سوريا الديمقراطية" التي تعتبر خليطا عربيا وكرديا، والذي سيحظى بالسلاح الأمريكي غير الثقيل سيشكل على ما يبدو حلاً وسطً في تقريب وجهات النظر الأمريكية التركية حول الأكراد. انعطافة الأكراد الأخيرة نحو روسيا برغبتهم المشاركة في التحالف الروسي السوري العراقيالإيراني لمحاربة داعش، سيعجل من مواقف واشنطن لتوطيد العلاقة مع الأكراد لكسبهم للجانب الأمريكي وخصوصاً بأن هناك علاقات منفعة بين الأكراد وأمريكا بدأت تتكشف، حيث أكد إقليم كردستان في شمال العراق حقه في تصدير النفط بشكل مستقل إلى الولاياتالمتحدة ودول أخرى على الرغم من حكم قضائي لصالح الحكومة الاتحادية العراقية التي تسعى لوقف مبيعات الخام من الإقليم شبه المستقل. سعي الولاياتالمتحدة لتكوين علاقة مع الأكراد سيساعدها كثيراً على رسم استراتيجيتها في المنطقة، فوجود الأكراد في المناطق العربية كأقليات عرقية غير عربية وتأسيس دولة لهم يشرعن بالضرورة وجود الكيان الصهيوني الذي تشكل من أقليات عرقية مختلفة وبالتالي وجود إسرائيل في المنطقة أمر ليس مستهجناً هو الآخر. الحديث عن التوغل الأمريكي في الأقليات العرقية الموجودة في البلاد العربية ضروري جدا خاصة بعد إعلان الولاياتالمتحدة دعمها للتركمان وهم أحد الشعوب التركية يعيشون في تركمانستان وشمال شرق إيران وشمال غرب أفغانستان وفي شمال القوقاز ويتكلمون اللغة التركمانية أحد اللغات التركية التي بدورها فرع من اللغات الألطية، وهذا ما أكده المتحدث باسم الخارجية الأمريكية مارك تونير حيث قال: إن التركمان من بين القوة المؤثرة في سوريا التي سندعمها في مواجهة داعش.