أعلن البنتاجون 27 يوليو الماضي أن المحادثات مع تركيا لم تنته، وأنه لا يوجد حتى اللحظة اتفاق على إقامة منطقة حظر جوي في سوريا، وكان رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو أعلن الأحد 26 يوليو، توصل بلاده إلى اتفاق مع الولاياتالمتحدة من أجل تأمين غطاء جوي للمعارضة السورية، موضحا أن أنقرة لا تنوي التدخل بريا في سوريا، إلا أن الضربات التي بدأتها ستغير قواعد اللعبة في المنطقة. الولاياتالمتحدةالأمريكية أشارت وقتها إلى أن الهدف من إقامة منطقة حظر الطيران هو ضمان أمن واستقرار المنطقة الحدودية، لكنها سرعان ما أكدن أن التنسيق العسكري بين البلدين لا يتضمن مساع لإقامة هذه المنطقة. وكانت ذكرت صحيفة "حرييت" التركية أن الاتفاق بين تركياوالولاياتالمتحدة بالسماح للطائرات الأمريكية باستخدام قاعدة انجرليك التركية لشن هجمات على تنظيم داعش في سوريا، يتضمن أيضا إقامة منطقة حظر طيران على أجزاء من سوريا الواقعة بمحاذاة الحدود مع تركيا، وتمتد على طول 90 كيلومتر بين مدينتي مارع وجرابلس السوريتين في محافظة حلب. لا يتضمن الاتفاق وصول أي قوات برية أمريكية إلى تركيا لكن سيسمح لكتيبة يصل عددها إلى 50 موظفا عسكريا أمريكيا بالدخول لتقديم الدعم التقني فقط من قاعدة أنجرليك الجوية قرب مدينة أضنة الحدودية، غير أن الطائرات الحربية الأمريكية ستتمكن من استخدام قواعد باتمان وديار بكر وملاتيا بشرق تركيا في حالات الطوارئ. من المعلوم أن منطقة حظر الطيران أو الحظر الجوي يمنع فيها تحليق الطائرات في أجواء منطقة معينة قد تشمل دولة ما، ويكون ذلك استنادا إلى قرار من مجلس الأمن الدولي، لكن بعض الدول اتخذت قرارات فردية بحظر الطيران كما حدث في العراق أوائل تسعينيات القرن الماضي من دون غطاء دولي. يعد إسقاط تركيا للطائرة الروسية الثلاثاء الماضي التطور الأبرز في هذا السياق، خاصة أن إسقاط الطائرة تم في المنطقة التي تحاول تركيا جاهدةً بالتعاون مع واشنطن منذ بداية الأزمة تحويلها لمنطقة عازلة ألا وهي الشمال السوري، في إشارة واضحة على أن الغارات الجوية الروسية في هذه المنطقة لا تلقى ترحيباً تركيا ولا أطلسياً. إشارة التقطها الجانب الروسي على ما يبدو، وقام بالرد عليها سريعاً عبر ثلاث رسائل مباشرة، فالرسالة الأولى كانت ذات طابع دبلوماسي، ففي مؤتمر صحفي أمِل وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف ألا يستخدم إسقاط الطائرة كذريعة للضغط لفرض منطقة حظر جوي، موضحاً أن منطقة الحظر التي تتحدث عنها تركيا تضم مقرات للإرهابيين ومخازن الأسلحة والذخيرة. الرسالة الثانية ذات طابع تكتيكي وعملاتي حيث نفذت ثلاث طائرات روسية بالأمس غارات على كل من أعزاز، وعندان، شمال سوريا، وتركز القصف على كراج الشاحنات الرئيسي في ريف حلب الشمالي، ومكتب الدور قرب معبر باب السلامة الحدودي مع تركيا. رسالة ثالثة ذات طابع استراتيجي حيث بدأت روسيا بإرسال الطراد "موسكو" التابع للأسطول الروسي والمجهز بمضادات أرضية، كما أعلن وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو أن موسكو ستنشر أنظمة دفاع أس-400 مضادة للصواريخ في قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية، وبنشرها هذه المنظومة تفرض موسكو حظراً جويا فوق سوريا. المعلومات تشير إلى أن إس 400 ، قادرة على تدمير كافة أنواع الأهداف الجوية، بما في ذلك الصواريخ المجنحة التي تحلق بمحاذاة سطح الأرض، والطائرات الصغيرة الحجم من دون طيار وحتى رؤوس مدمرة للصواريخ السائرة بالمسار الباليستي، كما أنها قادرة على اكتشاف الأهداف والتي تبعد مسافة 600 كيلومتر، وهذا يعني أن المنظومة الموجود في قاعدة حميميم السورية قادرة على تغطية ومراقبة التحركات في الأجواء التركية والأردنية واللبنانية والقبرصية وبالطبع أجواء الكيان الصهيوني، ما يحجم دور الطائرات التركية والأطلسية ليس على شمال سوريا وحسب بل على مجملها ويغلق عليهم الطريق كحركة استباقية روسية في التفكير بحظر جوي على شمال سوريا، وفي الوقت عينه تحمي هذه المنظومة جميع القواعد الروسية في سوريا والمتمركزة في اللاذقية وطرطوس. هذا ما يفسر قلق واشنطن من نشر هذه المنظومة في هذا المكان، حيث قال مسئول أمريكي رفيع المستوى إن إعلان روسيا قرارها بنقل صواريخ "إس-400″ للدفاع الجوي إلى قاعدة حميميم الجوية في سوريا أثار قلقا شديدا لدى العسكريين الأمريكيين.