حراك سياسي جديد يلوح في أفق المشهد اليمني، حيث حملت الأيام القليلة الأخيرة تصريحات من مسؤولين سعوديين تدل على قرب انتهاء الأزمة اليمنية، وأن السعودية وصلت إلى المرحلة الأخيرة في المستنقع اليمني، بعد ثمانية أشهر من القتال على التوالي من دون نتائج حقيقية، وأن عمليتها هناك أنهكت الاقتصاد والأمن القومي السعودي بما يكفي لإنهائها، لكن بالضرورة مع "حفظ ماء الوجه". مرت ثمانية أشهر على العاصفة السعودية في اليمن "عاصفة الحزم"، والتي رفعت خلالها شعار "استعادة الشرعية" ثم قررت استبدالها ب"إعادة الأمل" بعد فشلها في "حزم" أي شأن باليمن، لينهار الأمل في "إعادة الأمل" فتقرر المملكة إنهاء ورطتها في هذا البلد الشقيق، وتطلق تصريحات بقرب انتهاء العملية هناك، في مشهد يوضح الانسحاب السعودي بذيول الخذلان والفشل. أعلن وزير الخارجية السعودي "عادل الجبير" مؤخرًا، أن عمليات التحالف العسكري العربي بقيادة السعودية في اليمن ستنتهي قريبًا، وقال إن "أحد المؤشرات على أن الحملة تقترب من نهايتها هو حقيقة أن الرئيس اليمني السابق "علي عبد الله صالح"، وجماعة أنصار الله يقبلون قرار مجلس الأمن الدولي 2216 ويدخلون في المباحثات على هذا الأساس". من جانبه أقر الغرب أيضًا بفشل عدوان السعودية على اليمن، حيث أكد وزير الخارجية البريطاني "فيليب هاموند"، أن العمليات العسكرية في اليمن "تقترب من نهايتها"، مضيفًا "نلاحظ أن المرحلة العسكرية في هذه الحملة تقترب من نهايتها؛ لأنه بات لقوات التحالف موقع عسكري مهيمن في البلد"، وشدد على ضرورة تسريع النقاش السياسي وضمان انضمام "أنصار الله" وحلفائهم إلى المفاوضات. بعيدًا عن التصريحات الدبلوماسية، بدأت السعودية في اتخاذ مواقف جدية وخطوات ملموسة في إنهاء الصراع في اليمن، حيث رفعت السعودية مستوى الاجتماعات مع المبعوث الدولي "إسماعيل ولد الشيخ"، بعد امتعاض الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون" من تهميش دور "ولد الشيخ" وتجاهله من قِبَل الرياض، مما نتج منه لقاء المبعوث الدولي بولي العهد "محمد بن نايف" وولي ولي العهد "محمد بن سلمان". وعلى صعيد متصل؛ أبدى مبعوث الأممالمتحدة إلى اليمن "إسماعيل ولد الشيخ أحمد"، تفاؤلًا حيال فرصة جمع الأطراف المتنازعة في اليمن قبل 15 من نوفمبر، وأوضح أن فريقه بصدد التواصل مع الأطراف اليمنية حول آليات المحادثات المقررة الشهر المقبل، مضيفًا أن الأطراف اليمنية أعلنت موافقتها بأن تكون المحادثات في جنيف كما يمكن عقدها في سلطنة عمان، كما تتداول الأنباء عن أنه يجري البحث عن إمكانية مشاركة أطراف إقليمية ودولية في المفاوضات المقررة أيضًا، ومن المفترض أن تنطلق هذه المفاوضات من القرار 2216 من دون أي شروط مسبقة، ومن كون "أنصار الله" مكوّنًا أساسيًّا في الحياة السياسية اليمنية، الأمر الذي أبلغه "هاموند" ل"الجبير" مؤخرًا. التراجع السعودي يأتي في الوقت الذي تدق فيه المنظمات الإنسانية ناقوس الخطر بشأن الأوضاع التي تمر بها البلاد، حيث يقدّر برنامج الغذاء العالمي أن 13 مليون شخص لا يحصلون على غذاء كافٍ، وتقول الأممالمتحدة: إن 1.3 مليون يعانون من سوء التغذية المعتدل، بينما عدد الضحايا المدنيين منذ مارس الماضي نحو ألفين و600 شخص بينهم 502 من الأطفال، وفقًا للأمم المتحدة، كما تتبادل الساحة اليمنية تقارير وأدلة مثيرة للقلق تفيد بتصاعد التكلفة البشرية للحرب، وأن الأممالمتحدة تقدر أن نحو 5 آلاف و600 مدني على الأقل قتلوا منذ بدء الحرب في مارس الماضي، ويواجه أكثر من 535 ألف طفل يمني سوء التغذية والمجاعة المميتة، وفقًا لليونيسف. في الشأن ذاته، نقلت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، عن دبلوماسي رفيع في وزارة الخارجية الأمريكية، قوله: إن الأوضاع الإنسانية الكارثية في اليمن جعلت السعودية "أكثر جديةً" أخيراً في إيجاد حل سياسي للأزمة، وقالت مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي "آن باترسون"، إن "هناك بعض العلامات المشجعة على أن الرياض عازمة على إنهاء الصراع في اليمن"، وأضافت أن معظم السعوديين أدركوا أخيرًا أن اليمن بات مشكلتهم، وأنهم يفهمون أنه لا يمكن للحرب أن تستمر لفترة أطول؛ لأنه من الممكن أن يتحول اليمنيون ضدهم، وسيكون السعوديون ملزمين بإعادة بناء البلاد". يبدو أن الحراك السياسي النشط فيما يخص الأزمة السورية، والتوقعات بقرب الوصول إلى حل سياسي ينهي المعاناة السورية المستمرة منذ أكثر من أربع سنوات، ألقى بظلاله أيضًا على الأزمة في اليمن، خاصة مع وجود أطراف مشتركة في الأزمتين، فالسعودية المتورطة في دعم التنظيمات الإرهابية في سوريا هي نفسها المتورطة في بدء العدوان ضد اليمن، وإيران الداعمة لحركة "أنصار الله" في اليمن هي نفسها الداعمة للرئيس السوري "بشار الأسد" في سوريا، ولأن الطرفين اجتماع سويًّا في لقاء "فيينا" بخصوص الأزمة السورية، فهذا دليل يبشر باجتماع مماثل بين الطرفيين أيضًا في "جنيف" لبحث تسوية الأزمة اليمنية على غرار تسوية الأزمة السورية. في السياق نفسه، اتفقت الرياض وباريس ولندن على أن تكون إيران شريكًا في أي محادثات تتعلق بهذا الشأن، حيث أنها الطرف الخارجي الوحيد الذي يمتلك تأثيرًا جديًّا على "أنصار الله"، غير أن السعوديين طلبوا حضورًا روسيًّا أكبر في المفاوضات حول اليمن.