بعد مرور نحو 5 أشهر على الانتخابات البرلمانية التركية، التي لم يحصد فيها حزب العدالة والتنمية أغلبية تؤهله لتشكيل الحكومة منفردا، وفشل مساعي تشكيل حكومة ائتلافية، تبدأ تركيا اليوم انتخابات برلمانية مبكرة، حيث يدلي حوالي 54 مليون ناخب بأصواتهم في الانتخابات التشريعية. وتتنافس في هذه الانتخابات أربعة أحزاب، من بينها حزب العدالة والتنمية الحاكم، للفوز بمقاعد البرلمان التركي الذي يضم 550 مقعدا، وقبيل هذه الانتخابات حذر الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" من أن ما أسماها ب "عناصر في الخارج والداخل تسعى لزعزعة وحدة وتضامن بلادنا". برامج وتعهدات الأحزاب هيمنت ملفات إعادة الأمن والاستقرار وتحسين الوضع الاقتصادي على أولويات البرامج الانتخابية للأحزاب التركية، إلا أنها تباينت بين دعوة الحزب الحاكم إلى الاستمرار في مكافحة ما يوصف بالإرهاب دون هوادة وإيقاف عملية السلام مع الأكراد، وبين المطالبة بإلغاء قانون مكافحة الإرهاب بشكل أساسي. وتتفق البرامج الانتخابية للأحزاب التركية على ضرورة إحلال السلام والاستقرار في البلاد، لكنها قد تختلف كثيرا على الوسائل والآليات، خاصة في ظل تعهد "أردوغان" بعودة الاستقرار مرة أخرى إذا فاز حزبه بالأغلبية، وقال: "هذه الانتخابات ستكون للاستمرارية والاستقرار والثقة"، ولكن معارضيه يحذرون من أن فوز حزبه بالأغلبية سيغذي ما يقولون إنه نزعات استبدادية متزايدة لدى الرئيس. ما سبب إجراء انتخابات مبكرة في تركيا؟ في الانتخابات السابقة، كان "أردوغان" يرغب في فوز حزب العدالة والتنمية بثلثي مقاعد البرلمان – وعددها الإجمالي 550 – من أجل المضي قدما بخططه في تحويل تركيا إلى نظام الجمهورية الرئاسية، وأحبط حزب الشعوب الديمقراطي، المناصر للأكراد، طموح أردوغان إثر فوزه ب12% ، ليضمن بذلك مقاعد في البرلمان لأول مرة. وفي يوليو، انهار وقف لإطلاق النار بين الجيش التركي وحزب العمال الكردستاني بعد مقتل أكثر من 30 كرديا في تفجير انتحاري يُشتبه في أنه من تنفيذ تنظيم داعش بالقرب من الحدود مع سوريا، وفي أعقاب هذا، شهدت تركيا أعنف هجوم إرهابي على أرضها عندما قُتل أكثر من 100 شخص في هجوم انتحاري استهدف مسيرة لمتظاهرين غالبيتم يساريون، وقالت الحكومة إن منفذي الهجوم مرتبطان بتنظيم داعش. ويتهم منتقدون "أردوغان" بتغذية العنف بهدف تقليل التأييد الذي يحظى به حزب الشعوب الديمقراطي، وهو ما تنفيه الحكومة، وأعلن صلاح الدين دميرطاش زعيم حزب الشعوب الديمقراطي أمس أن السلطات اعتقلت بعض مسؤولي حزبه، وشكك في عدالة الانتخابات. أهداف الأحزاب من العملية الانتخابية أردوغان ومعه أحمد داود أوغلو يطمحان للحصول على مئتين وستة وسبعين مقعدا، كحد أقل بعد حصولهما على مئتين وثمانية وخمسين في انتخابات يونيو الماضي، وذلك لضمان الأغلبية لتشكيل حكومة، وتحويل البلاد إلى نظام رئاسي يجعل أردوغان الرجل الأقوى فعليا في البلاد. أما حزب الشعب الجمهوري برئاسة كمال كليشدار أوغلو والحركة القومية بزعامة دولت بهشلي وحزب الشعوب الديمقراطي بزعامة صلاح الدين ديمرطاش فيسعون لإعادة سيناريو الانتخابات الأخيرة والحصول على ما يعادل 54% من أصوات الناخبين ما يضع البلاد مجددا أمام عدة خيارات لتحالفات ممكنة، فشل الرهان عليها في المرة السابقة. وأشار مركز كارنيجي للسلام في دراسة له إلى خيار حصول التنمية والعدالة على الأغلبية المطلوبة، وحال فشله فإن أمامه خيارات التحالف مع الحركة القومية أو الحزب الجمهوري، وكل هذه الخيارات تبدو صعبة التحقيق ما يطرح الخيار الرابع المتمثل بتحالف الحركة القومية والحزب الجمهوري لتشكيل حكومة أقليات إلى جانب حزب الشعوب الديمقراطي، وإلا فإن نسب إجراء انتخابات ثالثة في أبريل المقبل سترتفع بشكل كبير. في حال أخفق حزب العدالة والتنمية مرة أخرى في الحصول على الأغلبية بمفرده، فإنه سيعود إلى المفاوضات لتشكيل حكومة إما مع الحزب العلماني الأول في البلاد، حزب الشعب الجمهوري، أو مع حزب الحركة القومية. مؤشرات بتراجع شعبية «أردوغان» وتشير استطلاعات كثيرة للرأي إلى تراجع شعبية أردوغان نتيجة السياسات الداخلية والخارجية في الفترة الأخيرة، مؤكدة أنه من غير المرجح أن تختلف النتيجة بشكل كبير عن يونيو عندما حصل على 40.9 في المائة من الأصوات، وهو ما يؤدي إلى فشل الحزب في تشكيل حكومة منفردا، الأمر الذي سيعيد تركيا مرة أخرى إلى نقطة الصفر، بحثًا عن توافق بين كافة الأحزاب لتشكيل حكومة ائتلافية. وأرجع المراقبون هذه المؤشرات إلى أن أردوغان غض النظر عن الإرهابيين في الانتقال من تركيا إلى سوريا بهدف إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، كما اتخذ دور المتفرج على الهجمات المسلحة لتنظيمي داعش وجبهة النصرة ضد الأكراد السوريين، كما لجأ مؤخرًا لوسائل عسكرية للقضاء على أعضاء منظمة حزب العمال الكردستاني بعد أن كان يعتمد على إحلال السلام الداخلي من خلال جلوسه على طاولة المفاوضات مع الأكراد، مؤكدين أنه بهذا الأسلوب الحالي لن يتمكن أردوغان من تسوية القضية الكردية، وهو ما يجعل الأمر يبدو مظلما لمستقبل تركيا.