آلاف المزارعين مهددون بالإفلاس.. والجهات المختصة لا تبالي باتت آلاف الأفدنة الزراعية بالمنيا مهددة بالموت، نتيجة جفاف وردم العديد من الترع والمجاري المائية الرئيسية، والفرعية بمختلف مراكز المحافظ، وقراها، ولم تفلح استغاثات المزارعين في إنهاء المشكلة، مؤكدين أن الإفلاس مصير قريب ينتظرهم. علي امتداد 5 آلاف كم هي إجمالي أطوال المجاري المائية والترع بمحافظة المنيا، لا تخلو ترعة أو مجرى مائي داخل المدن والقرى من أكوام ومخلفات المنازل والمصانع, ووصل الأمر إلي ردم العديد منها، ما ترتب عليه عدم سريان المياه لحقول المزارعين، لتصارع المحاصيل المنزرعة الموت والجفاف. «البديل» رصدت تلوث عدد من المجاري المائية الرئيسية والفرعية المغذية للزراعات واكتظاظ معظمها بالقمامة والطيور النافقة, والحشرات والناموس, وباتت ملتقى للكلاب الضالة والفئران واليربوع على امتدادها. ترعة الديروطية بمركز ملوي والتي تروي آلاف الأفدنة؛ لامتدادها، واتساع مساحتها، كانت نموذجا صارخا للإهمال، فمعظمها تم ردمه، وما تبقى منها دون ردم تتخلله القمامة والجيفة، وتحول لونها للأخضر نتيجة انتشار الطحالب، وقال عدد من المزارعين: الترعة كانت ومنذ زمن ليس ببعيد تتسم بالنقاء، حتى أن قاعها كان واضحا من شدة نقاء مياهها، وأضافوا أن الترعة باتت ملتقى للثعابين. في قرية منهري مركز أبوقرقاص جفت الترعة المغذية لعدد 80 فدان بحوض الملاح القبلي منذ أسبوعين، وقال باسم العوامي من القرية: المحاصيل مهددة بالموت، وبالتالي فإن مئات المزارعين مهددون بالإفلاس والخسارة الفادحة، وأضاف أنهم أرسلوا استغاثة لمدير إدارة الزراعة بأبوقرقاص ووكيل الوزارة بالمنيا منذ بداية المشكلة ولكن لم يجدوا حلولا. لم يختلف الحال بالنسبة لترعتي منتوت وبني عبيد بأبوقرقاص، وتسبب جفاف الترعتين في مخاوف وذعر المزارعين لاعتماد أكثر من 300 فدان على مياه الترعتين، وقال شفيق مكرم: أرسلنا عدة استغاثات بلا جدوى، وليس لدينا أي مصدر آخر للمياه، وبالتالي ننتظر موت المحاصيل والزراعات. أما في قرية داقوف مركز سمالوط فانتشرت أكوام القمامة بجانب الترعة المغذية لأكثر من 150 فدانا، ما تسبب في ضيق مساحة الترعة عن طريق تآكل قاعها من الجانبين، بعدما ردمته القمامة، وقال الأهالي: وصل الأمر إلى إلقاء مواد البناء والتراب وما يتبقى من المنازل المهدمة داخل الترعة وكان ذلك سببا رئيسيا في ردمها. وكانت الجهات المختصة قد ردمت عشرات المجاري المائية بقرى المحافظة، بعدما تراكمت بداخلها الفضلات بصورة فجة، وأصابها التلوث، وكان المجرى المائي الموازي لترعة السبخة بقرية صفط الخمار نموذجا. ولما فشلت استغاثات المزارعين من إيجاد حلول للمشكلة كان تعامل بعضهم مع الأزمة مبعثا للأسى، إذ لجأ البعض للنزول بداخل المجاري في محاولة لتنظيفها كي تسري المياه وتتسلل إلى حقولهم، غير مبالين بالقوارض والثعابين، أو إصابتهم بالأمراض الجلدية، وهو ما رصدته "البديل" داخل قرية سويلم شمال مدينة المنيا. في الوقت نفسه تتبع مساحة شاسعة من الأراضي الزراعية بالمنيا هيئة الإصلاح الزراعي، وقانونا فإن الهيئة هي المسؤول الأول والأخير لتوفير مصدر مائي نقي وجاهز للري، لكونها تتحصل على قيمة إيجارية من المزارعين المستأجرين لأراضيها في مقابل ذلك، غير أن الهيئة وقفت عاجزة أمام انسداد عدد كبير من المجاري المائية، وتركت آلاف المزارعين يتعاملون مع الأزمة. يقول الدكتور محمود منصور، المدرس المساعد بكلية الزراعة جامعة المنيا، إن الاتجاه للطرق الحديثة في الري مثل الري تحت سطح التربة، والري بالرش، والري بالتنقيط، يقضي علي المشكلة ويوفر كميات كبيرة من المياه المهدرة، ويحقق الكفاءة المثلي في استفادة النبات من المياه, وكذلك اعتماد نظام المصارف المغطاة، بحيث لا يتم فقد المياه الممكنة معالجتها وإعادة استخدامها مرة أخري عن طريق التبخير، ولتقلل انتشار الآفات والأمراض والحشائش. وأضاف ل"البديل"، أنه يمكن الانتفاع بمياه الصرف الصحي والصرف الزراعي والبحار والبحيرات وعلاجها باستخدام الطرق الفنية الحديثة وبالإمكانيات المتوفرة، ويمكن ري المحاصيل بها مرة أخري، وفي نهاية أكتوبر العام الماضي أعلن وزير الزراعة واستصلاح الأراضي الدكتور عادل البلتاجي، دخول محافظة المنيا ضمن المشروع القومي لتطوير الري الحقلي الذي يستهدف 300 فدان في 3 قرى, وهو نموذج جديد لري الأراضي الزراعية حيث يوفر المياه ويجنبها التلوث. وكيل وزارة الري بالمنيا المهندس ممدوح متولي، إن سبب جفاف وردم بعض المجاري يرجع إلى السلوك الخاطئ للمواطنين في إلقاء القمامة والفضلات وسد تلك المجاري، ونتيجة لإهمال الوحدات والمجالس المحلية والقروية وعدم توفيرها وسائل لتجميع القمامة من منبعها. وأوضح أن المديرية تكثف جهودها وتطلق حملات يومية للتطهير باستخدام كافة الأساليب المتاحة ومنها وسائل التطهير الميكانيكي باستخدام الحفارات، والتطهير اليدوي من خلال العمال، وكذا نظام السدة الشتوية لتطهير الترع عن طريق غلقها لمدة أسبوعين في شهر يناير من كل عام، وأضاف أن الري جهة مستقبلة للتلوث ومتضررة منه وليست مصدرة له، ولولا الإزالة الدائمة والمستمرة للملوثات لكانت الترع والمصارف انسدت تماما ونهائيا. وكانت قرية أبو جرج بمركز بني مزار، نموذجا لبدء تطبيق الري الحقلي بالمنيا وتم افتتاح وحدة الرفع لمسقى "البهرجان" بالقرية ليتم توصيل المياه عبر أنابيب من خلال نقطة رفع واحدة، ويكون لكل مزارع محبس مستقل به يستطيع التحكم من خلاله في كميات المياه. طالب المزارعون بتغيير خطط الري واعتماد أساليب وخطط جديدة تضمن لهم ري أراضيهم بسلام، واقترح بعضهم تغطية المجاري المائية أو جعلها تحت سطح الأرض عن طريق مد مواسير تسحب منها المياه في أوقات الري، فيما طالب بعضهم باعتماد نموذج الري الحقلي، والري بالتنقيط المعتمد في أغلب دول العالم. وفسروا المزارعون ظاهرة انسداد المجاري المائية بعدم وضع آليات لجمع القمامة من المنازل، وافتقار معظم القرى لصناديق قمامة ما جعل تلك المجاري مستقبل للقمامة طوال الوقت، وأيضا لعدم توفير مواقع محددة لفضلات المنازل المهدمة التي تلقى بالترع والمجاري وتعد الأكثر خطرا.