بعد مرور أسبوعين تقريبًا على بدء التدخل الروسي في سوريا، وبعد أن لمست الإدارة الأمريكية التقدم الذي استطاع الجيش السوري تحقيقه بمساندة المقاتلات الجوية الروسية في فترة قصيرة جدًا، تحاول أمريكا البحث عن مخرج آخر تنقذ به الجماعات المسلحة من ورطتها بعد أن قاربت إن لم تكن بالفعل انهارت. أقرت الإدارة الأمريكية ووزارة دفاعها منذ فترة وجيزة بفشل برنامج تدريب ما أسمتهم "المعارضة المعتدلة"، لكنها في الوقت ذاته لا تستطيع أن تقف موقف المتفرج أمام تقدمات الجيش السوري وسيطرته على مناطق استراتيجية وانهيار الجماعات المسلحة وتراجعها أمام الدعم الروسي الإيراني للجيش السوري، لذلك لجأت أمريكا إلى طريق آخر لا يختلف كثيرًا عن الطريق الذي أعلنت فشله منذ فترة. أفاد المتحدث باسم البنتاجون "بيتر كوك"، الأسبوع الماضي بتعديل برنامج دعم "المعارضة السورية" من قبل الولاياتالمتحدة، وذلك من خلال تزويدها "بأسلحة وعتاد"، وكذلك تقديم "الغطاء الجوي" لمجموعات سورية معارضة في مواجهتها لداعش، وقال "كوك"، إن وزير الدفاع "آشتون كارتر" أعطى تعليمات بتقديم كميات محددة من الأسلحة والعتاد لمجموعة قياديين تم التحقق من اعتدالهم وفصائلهم، لكي يتمكنوا في المستقبل "من التوغل بصورة منظمة إلى أراض لا تزال تحت سيطرة داعش"، على حد زعمه. بالفعل نفذت واشنطن خطتها الجديدة بمنتهى السرعة، حيث كشفت الولاياتالمتحدة، أن قواتها أسقطت جوًا 50 طنًا من الذخيرة، الأحد الماضي، لمن أسمتهم "جماعات مقاتلة معارضة" في محافظة الحسكة شمال سوريا، زعمت أنها تحارب "داعش" في شمالي البلاد دون تحديد تلك الجماعات، وقالت القيادة المركزية للجيش الأمريكي إن طائرات شحن تابعة للقوات الجوية اتجهت إلى شمال سوريا، لتنفيذ المهمة وأن جميع الطائرات خرجت من منطقة الإسقاط الجوي بسلام، مشيرة إلى أن هذه الحمولة تتكون من 112 حزمة تحتوي على ذخيرة لأسلحة خفيفة وقنابل يدوية. لم يحدد الجيش الأمريكي اسم هذه الجماعات التي تلقت الذخيرة الخاصة بالأسلحة الصغيرة، لكنه أكد أنها "جماعات عربية" في تمييز لها عن الجماعات الكردية التي تدعمها واشنطن أيضًا، قال المتحدث الكولونيل "باتريك ريدر" "قدم هذا الإسقاط الجوي الناجح ذخيرة للجماعات العربية السورية التي فحصت الولاياتالمتحدة زعماءها بشكل ملائم"، وذكر البنتاجون أن العملية نفذت بواسطة طائرات نقل حربية من طراز "C-17″، تابعة للقيادة المركزية الأمريكية. في ذات الشأن ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، أنّه منذ بدء الهجوم الروسي في سوريا زودت واشنطن وحلفائها، ولا سيما السعودية، مقاتلي المعارضة بكميات من صواريخ "تاو" المضادة للدبابات، على أن تصل دفعات جديدة منها تباعًا، وأضافت الصحيفة أن "برنامج تزويد المقاتلين بصواريخ تاو" هو أحد البرامج السرّية التي تديرها وكالة الاستخبارات الأمريكية في سوريا منذ نحو عامين، وهو برنامج منفصل عن ذلك الذي أداره البنتاجون وتوقف قبل أيام بعد فشله، ويقضي البرنامج بحسب الصحيفة الأمريكية بإرسال شحنات من صواريخ "تاو" معظمها يخرج من مخازن السعودية، تمرّ عبر الحدود التركية إلى سوريا مدموغة بموافقة "سي. آي. إي". على الرغم من يقين أمريكا بأن الأسلحة التي تلقيها على الجماعات المسلحة "المعتدلة" كما تسميها، تذهب إلى التنظيمات الإرهابية وتعمل على تأزيم الوضع في سوريا، إلا أنها لاتزال تُصر على تنفيذ خطواتها الداعمة للجماعات المسلحة منذ بداية الأزمة السورية، حيث قال مسئول عسكري أمريكي إن عمليات الإسقاط الجوي الأمريكية جزء من السياسة الجديدة التي تهدف إلى الاعتماد على جماعات معارضة سورية. صرخات استغاثة المسلحين لاقت ردًا أمريكيًا سريعًا، ودعم سخي وكبير كان متوقعًا من الإدارة الأمريكية، خاصة مع انطلاق حملة إعلامية أمريكية شرسة، وتصريحات معادية للتدخل الروسي في سوريا من قبل المسئولين الأمريكيين تزامنًا مع بدء الحملات الجوية الروسية، وهو ما أكد امتعاض واشنطن من الدور الروسي في سوريا، وسحب البساط من تحت أقدامها، مما دفع واشنطن إلى إجراء محاولات حثيثة ومتكررة لإلحاق الهزيمة بموسكو وإبعادها وإبقاء الحرب مشتعلة في سوريا.