ليتنا نقرأ ونتعلم وننقب عن كل ما يحاك لنا من فتن ومخططات ومؤامرات، تنطلق وتنكفئ، تمضي وتتعثر، تقطع أشواطا ثم تتراجع لتتقهقر إلى نقطة البداية، ثم تعاود الكَرة من جديد لتصيب الهدف في مقتل، فلا العالم العربي والإسلامي المهزوم الهزيل يتعلم، ولا عدوه الغربي المتربص يمل ويتعب، فالأول ييأس ويستسلم، والأخير يصمد ويتشدد، ويمضي ولا يتراجع، وكأن أمتنا العربية والإسلامية قد راق لها أن تكون تابعا وليس متبوعا، تابعا يسربله الخضوع من فروة رأسه إلى أخمص قدميه، وتأبى أن تحيد عن هذا النهج وأن تتخلف عن ذاك الدرب. والمؤامرات والمخططات التي نسجت للأمة بأنامل لا تعرف إلا الدقة والإتقان للزج بها في مستنقع الذل والتبعية، والتخلف والرجعية، والتمزق والانقسام، كثيرة ومتناثرة هنا وهناك، ومن بينها مخطط مشروع حدود الدم الصهيوني الذي صاغه الداهية اليهودي المؤرخ برنارد لويس، لتفكيك الوطن العربي إلى دويلات صغيرة، متناهية في الصغر، على أسس عرقية وطائفية ومذهبية وعقائدية، تتلاشى معها كل مقومات الدولة المادية والمعنوية. وقد تمت صياغة هذا المخطط ليكون بديلا عن مشروع سايكس بيكو القديم، مع إدخال بعض التعديلات الجوهرية، إذ إن الميتافيزيقا الجديدة لرؤية برنارد لويس تنبني على قاعدة موت العالم العربي ككيان سياسي، بحيث يكون مشروع تفتيت الدول العربية، وإعادة رسم هذه المنطقة شاملا الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، وأن يُضم إليه كل من تركياوإيران. وقد وافق مجلس الشيوخ الأمريكي على مشروع برنارد لويس واعتمده في عام 1983، وبدأ العمل على تنفيذه على أرض الواقع، لكي يكتب له أن يرى النور، وقد تم نشر هذا المخطط الخطير بمجلة "إكسكيوتف إنتلجنت ريسرش بروجكت"، التي تصدرها وزارة الدفاع الأمريكية، وقد تضمن هذا المخطط تقسيم الشرق الأوسط إلى أكثر من ثلاثين دويلة إثنية ومذهبية لحماية المصالح الأمريكية في المنطقة العربية، وحماية أمن واستقرار وبقاء دولة إسرائيل. ويتبنى هذا المشروع تفتيت الوطن العربي على النحو الآتي، تفكيك ليبيا والجزائر والمغرب إلى أربعة دويلات، وتقسيم شبه الجزيرة العربية والخليج إلى كيانين منفصلين متصارعين على أساس عرقي وطائفي، كيان يضم السنة وآخر يضم الشيعة، وتقسيم لبنان إلى ثمانية كانتونات عرقية ومذهبية ودينية، وتفتيت تركيا وانتزاع جزء منه وضمه للدولة الكردية المزمع إنشاؤها، وتقسيم الأردن إلى دولتين، وإزالة الوجود السياسي لدولة اليمن وإعادة ترسيمها من جديد، وضم فلسطين بالكامل لدولة إسرائيل. وكذلك تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات، دويلة شيعية في الجنوب حول البصرة، ودويلة سنية في وسط العراق حول بغداد، ودويلة كردية في الشمال والشمال الشرقي حول الموصل (كردستان)، وتقسيم سوريا إلى أربعة دويلات، دويلة علوية شيعية على امتداد الشواطئ، ودويلة سنية في منطقة حلب، ودويلة سنية أخرى حول دمشق، ودويلة الدروز في الجولان وأجزاء من لبنان، وتقسيم إيران وباكستان وأفغانستان إلى عشرة كيانات عرقية ضعيفة ومتناثرة، وهي كردستان، وأذربيجان، وتركستان، وعربستان، وإيرانستان، وبوخونستان، وبلونستان، وأفغانستان، وباكستان، وكشمير، وتقسيم السودان إلى أربعة دويلات، دويلة النوبة، ودويلة الشمال السوداني الإسلامي، ودويلة الجنوب السوداني المسيحي، ودارفور، وتقسيم مصر إلى أربعة دويلات، دويلة سيناء وشرق الدلتا، وستخضع هذه الدويلة للنفوذ اليهودي لتحقيق آمال وتطلعات اليهود في إقامة دولتهم المزعومة من النيل إلى الفرات، والدويلة الإسلامية وعاصمتها القاهرة، وستخضع هذه الدويلة أيضا في مرحلة لاحقة للنفوذ اليهودي، والدويلة النصرانية وعاصمتها الإسكندرية، ودويلة النوبة وعاصمتها السودان. وتعليقا من برنارد لويس على مخططه الشهير ونظرته للأمة العربية والإسلامية، فقد صرح لإحدى وكالات الإعلام في عام 2005 قائلا: "إن العرب والمسلمين قومٌ فاسدون مفسدون فوضويون، لا يمكن تحضرهم، وإذا تركوا لأنفسهم فسوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية تدمر الحضارات، وتقوض المجتمعات، لذلك فإن الحل السليم للتعامل معهم هو إعادة احتلالهم واستعمارهم، وتدمير ثقافتهم الدينية وتطبيقاتها الاجتماعية، ومن الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية، ولا داعي لمراعاة خواطرهم أو التأثر بانفعالاتهم وردود الأفعال عندهم، ويجب أن يكون شعار أمريكا وهي تقوم بهذا الدور، إما أن نضعهم تحت سيادتنا، أو ندعهم ليدمروا حضارتنا". ولو تأملنا النتائج الإيجابية التي حصدها مشروع برنارد لويس على أرض الواقع لأدركنا أن هذه النتائج مرعبة، وتؤكد على أن مشروع تفتيت الوطن العربي وإعادة رسم المنطقة العربية يمضي في طريقة بالكيفية التي تخدم أحلام وآمال بني صهيون، وتطلعات الولاياتالمتحدةالأمريكية في تمزيق العالم العربي والإسلامي وتجزئته بالكيفية التي تحافظ على مصالحها في المنطقة العربية، وإحداث خلل في موازين القوى لصالح حليفها الاستراتيجي الأول الكيان الصهيوني ضد جميع العرب، لضمان بقائه شامخا قويا في قلب تلك المنطقة الحيوية.