بعد أن حاولنا تناول استراتيجية صعود الصين على مدار مقالتين ودراسة تفصيلية حول مدى صحة الفرض القائل بأن الصين هي القطبية القادمة، بقي أن نضع الموانع والتحديات الاستراتيجية التي تواجه الصين في تحقيق غايتها ويمكن إيجازها على مستويين. أولًا: على المستوى الاقتصادي: وتتمثل في ضغوط وكساد السوق العالمية، فعلى الرغم من أن القوة الاقتصادية للصين تحقق زيادة بشكل نسبى إلَّا أن معدلات النمو في الصين قد تتقلص إلى حد كبير، فلم يعد الترابط والتبادل الاقتصادي بين الصينوالولاياتالمتحدة وأوروبا يوفر حافزًا كافيًا لبكين للعمل وفق النظام الاقتصادي الغربي. فالأخيرة ترى أن ضوابط وضغوط السوق العالمية التي تفرضها عليها الولاياتالمتحدة وحلفاؤها قد تكون سببًا أساسيًّا في تهديد عرشها الاقتصادي، خاصة بعد التقلبات الاقتصادية والتباطؤ الملحوظ في اقتصاديات العالم التي أدت إلى انخفاض معدل الطلب على الصادرات الصينية، وهنا تجدر الإشارة إلى أن بكين أدركت هذا التهديد، وعليه قررت أن تكون قيادة اقتصادية لحلف اقتصادي (البريكس) بدلًا من أن تكون قطب منفرد معرض لأزمات السوق العالمية. كما أن هناك نقاط ضعف أخرى للاقتصاد الصيني، تتمثل في التبعية للخارج فيما يتعلق باستيراد المواد الأولية والطاقية، وبتسويق المنتجات الصناعية كما يعاني الاقتصاد الصيني من ضعف شبكة المواصلات، مقارنة مع مساحة البلاد، وتمركز الأنشطة الاقتصادية بالمناطق الشرقية للبلاد، مما أدى إلى وجود تفاوت في التنمية البشرية للسكان بحيث تتأزم الوضعية الاقتصادية والاجتماعية مثل الهجرة من البوادي إلى المدن وزيادة الأمية والبطالة والفقر والأمراض، ويتضح هذا في المناطق الداخلية والغربية والجنوبية. وكل تلك الأسباب كفية لتعريض المجتمع والاقتصاد الصيني للتقلبات غير المحسوبة. ثانيًا: على المستوى الاستراتيجي: وتتمثل التحديات التي تواجه الصين على المستوى الاستراتيجي في محيطها الإقليمي التوتر وتماسها الجغرافي مع قطبية الأمس روسيا. فالإطار الاستراتيجي للصين كان وسيظل الأكثر تهديدًا وإشغالًا لها، مما دفع الصين إلى اتباع سياسات صارمة تحقق وتعزيز التماسك الداخلي، بالموازاة مع دور الجيش الصيني في تشكيل السياسة الخارجية، الذي أدى إلى اتخاذ بكين بشكل تدريجي خطًّا دوليًّا أكثر حزمًا، لاسيما فيما يتعلق بجيرانها بآسيا والمحيط الهادي، وعلى هذا فتلك النقطة التي تتعامل معها الصين بجدية قد تستخدمها الولاياتالمتحدة كورقة ضغط عليها عند الضرورة، من خلال دعم دول تعارض سياسات الصين في إطارها الإقليمي. وبرغم أن كل من روسياوالصين في حالة تماس سياسي واستراتيجي في إطارهما الإقليمي، إلَّا إن هذا التماس يجعل حلم قطبية الصين رهن دعم موسكو، ومن خلال مؤشرات دوائر القرار في موسكو نجد أن هناك رغبة لدى الدب الروسي للعودة للمنافسة على قطبية العالم، مما قد يضع الصين في موقع المنافس الثالث. وبرغم كل ما سبق وأيا ما كانت الاحتمالات وتحديات المستقبل تبقى الصين صاعدة هدوء. [email protected]